مجلة الرسالة/العدد 692/الكتب
مجلة الرسالة/العدد 692/الكتب
القاهرة الجديدة
للأستاذ نجيب محفوظ
بقلم الأستاذ ثروت أباظة
قصة رائعة من صميم الحياة المصرية وضعها الفنان الموهوب الأستاذ نجيب محفوظ، وقد استهدف فيها عدة آراء عالجها بأسلوب يتفق وكل رأي، فهو ساخر حيناً؛ جادٌّ حيناً آخر، رائع في الحينين. وللأستاذ نجيب ريشة لا تخطئ النأمة الخالجة في شخصياته، وهو واثق من فنه فتراه لا يقصر هذه الريشة على شخص واحد بل يطلقها على أشخاص كثيرين يرسمهم فتعرفهم وتعيش معهم وتحس إحساسهم فتصبح شريراً مع الشرّير خيّراً مع الخير مندفعاً متأججاً مع المندفع المتأجج.
وشخصيات الرواية مركَّزة في أربعة شبان وفتاة. أما الشبان فتجمعهم رابطة الدراسة في الجامعة فهم جميعا في الليسانس كما يجمعهم اتحاد السكن. ثم تنشعب بهم مسالك الخلق فلا مواءمة ولا انسجام؛ فأحدهم - وهو من طارده الأستاذ نجيب وجعله بطلا لقصته - شاب في الرابعة والعشرين من عمره ذو منبت يابس وتربية وضيعة تأصلت في نفسه، واجتمع الفقران، فغدا ولا أصل يتكئ عليه، ولا مال يتستر به. فكفر بالأخلاق، وأصبح مثله الأعلى (طظ) التي يلجأ إليها كلما اكفهرت الحياة وأغلقت شعابها دونه. (فطظ) في الأخلاق، (وطظ) في الفضيلة (وطظ) في القوم، وليس (طظ) في شيء واحد هو نفسه، وعلى هذا النهج سار، وعن طريقه وصل إلى زوجته وهي فتاة القصة، وعن سببها تم تعيينه. فهي عشيقة موظف ضخم، زلّ وأراد أن يتمادى فاتخذ من (الطظ) ستاراً. فقبل قائلاً: طظ. . .
وهذه الفتاة هي ابنة بائع سجائر مواجه للجامعة ذات أم عاهرة، ووالد من حزب الطظ محتاج إلى المال فحرض ابنته لتأتي له به. فتمنعت أول الأمر، وانصاعت لحب عفيف بينها وبين أحد الشبان الأربعة هو علي. . . شاب جميل ذو أصل ليس بالهين، ومال يكفيه ذلة السؤال، له آراؤه الملحدة، ولكن عن عقيدة، وله أيضاً مثله العليا التي يسعى لتحقيقها؛ فهو اشتراكي يفخر بغناه واشتراكيته، ولا يمنعه الإلحاد ولا الاشتراكية من أن يكون عفيفاً في حبه، قوياً في خلقه ذا نجدة عند الشدة، وهو بعدُ صافي القلب لا يحمل ضغينة ولا موجدة على عكس زميله محجوب طظ. . . أحبت إحسان علياً وإن لم يملك الحب لها، وأحبها هو وتمكن الحب منه، ولكن ما لبث أن فجع في حبه حين تعرض لفتاته الموظف الضخم الذي أغرى بماله. . . فطمع والدها، وشجع ابنته ودفعها فسقطت وحاولت أن تقنع نفسها أنها إنما تضحي من أجل والديها واخوتها. . . سقطت ووجدت زوجها شاباً ساقطاً لا ضمير له؛ عرفته أيام كان تلميذاً. فهو صديق لعلي، وهو بعينه الأستاذ محجوب طظ الذي لا مانع لديه من أن يغذي قرنين ينبتان في رأسه مادام في الأمر منفعة له، وطظ في الكرامة. . . تزوجت محجوباً وعُين وارتفع ومازال في ارتفاع سادراً عن كل شيء غير معني بأبيه مدقع الفقر الذي أعياه المرض فقعد عن العمل، ومحجوب مادام لا يهمه الوالد فالأصدقاء لا قيمة لهم، ولتتقطع وشائج الزمالة، وليغضب مأمون للأخلاق ماشاء، وليحزن علي على حبيبته مادام محجوب يرتفع كل يوم. . . وفي نشوة الارتفاع ركل محجوب سالماً الأخشيدي، وهو الذي قدمه إلى الموظف الكبير، وقد كان أثيراً عنده قبل أن يأتي محجوب فانتقم الأخشيدي لنفسه، ودبر المؤامرة فعصفت بالموظف الكبير، وكان قد أصبح وزيراً، وعصفت بمحجوب وزوجه فذهب وكأنما أراد الأستاذ نجيب أن يهمس في أذنه: (طظ في طظك، ولتحيى الأخلاق!).
أما مأمون فشاب ملؤه الإيمان بالدين وبالقضية العربية أخره المرض وهو طفل عن الالتحاق بالمدرسة، وعندما التحق أخذ نفسه بالشدة، فكان الأول دائماً، وكانت حياته سائرة على نظام رتيب، وإنك لتجده كل خميس ذاهباً إلى مصر الجديدة حيث خطيبته التي تزوجها بعد حصوله على الليسانس وسافر معها إلى باريس في بعثة علمية.
وأما الرابع فهو أحمد طالب صحفي لا يلعب كثيراً على مسرح الرواية، ولا نعرف له رأياً لأنه صحفي والصحفي في رأيه - ولعل هذا هو رأيه الوحيد الذي أذاعه - لا يصح أن يقول رأياً، وهكذا اجتمع هؤلاء الأصدقاء وليس من يجمعهم سوى درس في الصباح ومسكن في المساء.
ولا يقتصر الأستاذ نجيب على هؤلاء بل هناك أشخاص كثيرون غيرهم كوالدي محجوب وحمد يس بك وأسرته ذات الماضي المتواضع، والحاضر الأرستقراطي، وإن لمحجوب معها لشأناً في حالي فقره وغناه، وهناك أيضاً جامعة أعقاب السجاير التي أبرز الأستاذ لها صورة واضحة تلمسها في وصفه لها وحديثها هي مع محجوب فتسمعها تقول: وجب، وغير ذلك من ألفاظ تكمل الصورة وتوضحها، وهناك عفت وغيره من أصدقاء محجوب في أيام العز. . . تمر الريشة على كل هؤلاء فتبرز معارف وجوههم وخلجات نفوسهم نابضة بإحساسهم غير مغفلة شيئاً.
وتدور حوادث القصة في سنة 1930، والناحية القصصية فيها أبرز منها في قصة خان الخليلي وقد كانت هذه الأخيرة أشبه بمعرض صور رائع منها بقصة، وإن لم يفقدها هذا شيئاً من روعتها وقوتها. . .
وواضح أن الأستاذ نجيباً أوجد علياً ومأموناً وأحمد في قصته الجديدة ليثبت أن الأخلاق وإن هتكت عند محجوب فهي مصونة عند أصدقائه، وقد تعرض الأستاذ نجيب في قصته هذه لنواح اجتماعية عديدة يغض من رونقها كثرة تردادها إذ نحن الآن ففي حاجة إلى العلاج أكثر من حاجتنا إلى الشكوى، وإن بالقصة لفتات فنية رائعة ننتظرها من الأستاذ نجيب الذي خطا بالقصة المصرية خطوات واسعة نحو الكمال، وهذا أمر لا نستغربه عليه فهو فنان موهوب بفطرته جشع في القراءة العربية والغربية. . . وعسى أن لا يتأخر إنتاجه القادم. فنحن في شوق منتظرون. . .
ثروت أباظة
نفحات من سيرة السيدة زينب
إن أعصى ما يتكاءَدُ المصلحين، تلك العادات التي امتزجت بدماء العامة، والقصائد التي أشربتها نفوسهم، فتمكنت فيها على مر الأيام.
وإنه لمن الجهل والسفاهة، تجدي هذه العادات العقائد ومهاجمتها في عنف، بل الواجب علاجها بالحكمة، والاحتيال لاقتلاعها؛ أو توجيهها وجهة نافعة.
وقد أتخذ الأستاذ أحمد الشرباصي في كتابه (نفحات من سيرة السيدة زينب) خطة جديدة في (التربية الشعبية) ودرج على غير المنهج المتبع في الثورة بعقائد الناس. بل تناول مسألة الموالد، والأذكار، والتوسل، والتشيع، والتمسح بالأضرحة، والنذور، بروح جديدة، هي روح عالم النفس الحاذق، هي روح (الإعلاء) التي تعالج بها الغرائز وتهذب، ويحد من جموحها وطغواها، وتجعلها أداة صلاح وخير!.
والكتاب بعد ذلك عرض تاريخي أنيق لحياة هذه السيدة الكريمة، وتوجيه نافع للشباب الذي يريد أن يحيا حياة طيبة، ولا يستخذى أمام القوى الطاغية ومثل عال في التضحية والجهاد.
فللوعاظ والمرشدين وللمؤرخين المعنيّين بتحقيق حياة الشخصيات الإسلامية البارزة، ولمن يريد أن يهتدي بهدى جديد في التربية الشعبية، ولمن يبتغي الأسوة والقدوة في حيوات عترة النبي الكريم.
لهؤلاء جميعاً وضع هذا الكتاب، جامعاً بين دقة البحث، وطلاوة الأدب، وتأثير الوعظ واستخلاص العبر.
كامل السيد شاهين