مجلة الرسالة/العدد 70/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 70/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 11 - 1934



في التربية

بحث في عوامل التربية غير المقصودة

تأليف الدكتور علي عبد الواحد وافي

قررت وزارة المعارف هذا الكتاب لطلبة دار العلوم، وهو يقع في نيف ومائتي صفحة من القطع الكبيرة.

وجد المؤلف الفاضل أن كتب التربية التي صدرت في مصر حتى الآن توجه القسط الأكبر من عنايتها إلى عوامل التربية المقصودة، أعني تلك العوامل التي تنحصر فيما يتخذ المربون من وسائل حيال الناشئين بقصد التأثير في جسومهم وعقولهم وأخلاقهم تأثيراً يعدهم للحياة المستقبلية، بينما تنصرف عناية المؤلفين عن تلك العوامل التي يسميها الدكتور الفاضل عوامل التربية غير المقصودة، والتي تؤثر تأثيراً قوياً في حياة الصغار دون تدخل من المربين، ومن تلك العوامل البيئتان الطبيعية والاجتماعية وما إليهما من طرق معيشة الأمة ومقدار حضارتها وأشكال نظمها وصنوف تقاليدها، مضافا إلى هذا تلك الأمور التي يقوم بها الطفل من تلقاء نفسه، ويكون لها اثر قوي في سلوكه ونشوئه، كالألعاب الحرة والأعمال التي يقوم بها الطفل مدفوعاً بغريزة المحاكاة والتقليد

ولقد خصص المؤلف كتابه هذا لدراسة طائفة من تلك العوامل وهي اللعب والتقليد والوراثة والبيئة الجغرافية والبيئة الاجتماعية

تكلم عن وظائف اللعب التربوية وما قيل فيها من نظريات، وناقش هذه النظريات مناقشة العالم المجرب في منطق مستقيم وترتيب حكيم، دون أن يغفل أي ناحية من نواحي الموضوع، ثم أورد ملخص هذه النظريات مبيناً وظيفة اللعبة الأساسية ووظائفه الثانوية، وبعد ذلك أتى على أقسام اللعب الإنساني وأوضح الفرق بين اللعب والعمل، وتكلم على تطور الألعاب وارتقائها، وختم موضوع اللعب بما عساه أن ينتفع به من المربي من اللعب في التعليم، وهو كما ترى فصل قوي شيق يستغرق أربعا وستين صفحة من الكتاب وانتقل بعد ذلك إلى التقليد، فتكلم عن التقليد في الصوت شارحاً الأصوات الوجدانية واللغة وأساس كل منهما عند الطفل، وشرح التقليد في الحركة مبيناً أنواعه ومراتبه وأساسه، إلى أن انتهى إلى بيان وظائف التقليد التربوية، كل ذلك في بسط ودقة وحسن ترتيب

أما الفصل الثالث وموضوعه الوراثة، ذلك الموضوع الدقيق فقد تناول المؤلف بما يتناسب مع خطره من الشرح والبسط، فحدثنا عن أنواع الوراثة وأسبابها وأهميتها وعلاقتها بالتربية، حديث الخبير الفطن. وفي الفصلين الأخيرين تكلم عن البيئيتين الجغرافية والاجتماعية العامة، ناهجاً في ذلك نهجه في الفصول الثلاثة السالفة

فهذا الكتاب كما ترى من موضوعه، أحد الكتب الهامة التي تعد من مظاهر هذا الدور العلمي الذي تجتازه مصر في عهدها الحالي، فإذا أضفت إلى موضوعه، تلك الروح القوية التي عرض بها، وذلك المجهود الذي يتجلى فيما حواه من شروح وتعليلات ومناقشات، وكلها وليدة عقل متزن ونتيجة إطلاع واسع ودراسة دقيقة، أمكنك أن تقدر قيمة هذا الكتاب العلمية فهو بحق أحد المؤلفات التي تقابل بالغبطة، والتي يحتاج إليها كل معلم، بل كل مثقف يهمه أن يقف على نواح من المعرفة تهمه في حياته العلمية وفي دراساته النظرية.

الخفيف

الألحان الضائعة

نظم حسن كامل الصيرفي

قرأت ديوان شاعرنا الشاب، فأحزنني لعمر الله هذا البكاء الذي لا ينقطع، وهذه الشكوى المريرة التي تعج بها قصائده، ورحت أتلمس سر تلك الكآبة الجازعة، فلم أهتد إلى شيء، فطويت الكتاب وأنا برم بهذه النزعة من شباب في مقتبل العمر، أجل، ربما كان الشاعر قد صادف في حياته ما أجرى دموعه، ولكن متى كانت رسالة الشعر النحيب والشكوى في غير سبب معروف وفي غير إيضاح من الشاعر عما ناله؟ على انه لو كشف عن سر بكائه لكان الواجب يقضي عليه يقتصد شكواه أو يعرضها في صورة غير تلك الصورة اليائسة المستسلمة

تفتح ديوان هذا الأديب الفاضل فتجده يصف نفسه بالضحية ويرمز لنفسه بالواحة المنسية، ثم يصور لك حياته في صور باكية يائسة، وذلك في عدة قصائد، (كالحي الدفين) و (واللحن الضائع) و (القلب المحطم) و (الشكوى الصامتة) و (جرح الألم) و (الصدى الخافت) و (جفاء الطبيعة). . . الخ

أما شعره في ذاته فلي عنه بعض ملاحظات أرى الرغبة في الإنصاف تقضي علي بسردها. أول ما ألاحظ عليه انه كثير الميل إلى المجازات والاستعارات الغريبة فيذكر في شعره كهوف الحياة، وقيثارة الحياة، وقبر الحياة، والفضاء الجمود، ولهيب الأنين، وجنان الخيال وعصير الشجون، وظلال الفتون. . الخ فضلا عن إتيانه بكثير من المعاني والأخيلة الغريبة فيتحدث عن الشمس مثلا عند الغروب بأنها:

تخفي الأسى خلف النخيل ... مثل ابتسامات العليل

ويقول:

نزل المساء برَجله ... وجرى الظلام بخيله

ويصف الفجر فيقول:

فإذا الجو غارق في اهتزاز ... كاهتزاز الأوتار دون (نشاز)

وخفوق لكنه باعتزاز

ويقول:

أعيش أشاطرهم بؤسهم ... وأملأ كأسي عصير الشجون

إلى غير ذلك من الصور والأخيلة الجزئية، فضلا عن الصور الكلية، وهي لا تقل عن هذه غرابة كقصيدة (الشاعر وموت عزرائيل) و (أغاني الربيع) وغيرها، وبهذه المناسبة أقول إن بعض شعراء الشباب قد استولت على أذهانهم فكرة غامضة هي فكرة الشعر الرمزي، يرددون هذه الكلمات دون أن يفهموا المقصود منها، وينظمون القصائد ويسوقونها مطلقة جامحة، وأي غضاضة في هذا، أليست من الشعر الرمزي؟! وهكذا يطلون الأعنة لأخيلتهم على غير هدى والى غير مقصد، ولا يخفي ما يجره هذا من الضرر على تفكيرهم ومثلهم وإني لا أخشى طغيان هذه الظاهرة واعدها من اكبر العقبات التي تقف في سبيل تقد الشعر العصري، ولا بد لشبابنا أن ينبذوا هذه الفكرة إذا أرادوا أن تنضج مدرستهم، وتبرز شخصياتهم وتحدد وجهاتهم.

والأديب الصيرفي فضلا عما تقد قليل العناية بقوافية وبلغته على وجه العموم، ولعله في ذلك أيضاً متأثراً بفكرة أخرى يرددها بعض أدبائنا وهي أن الألفاظ يجب تضحي في سبيل المعاني، فما دام المعنى جيداً فلا عبرة باللفظ الذي يؤديه! وليت شعري كيف يكون اللفظ سقيماً والمعنى سليماً؟ إن للشعراء ألفاظاً خاصة ودبياجة خاصة، وروحاً خاصة، لا في اللغة العربية فحسب، بل في غيرها من اللغات، ولو أمن بذلك شبابنا لأخذوا أنفسهم بما يصلح أذواقهم ويصفي عباراتهم فيتم لهم الجمع بين جمال الفكرة وجمال أدائها

هذه هي بعض ملاحظاتي عن ديوان الصيرفي في موضوعه، أما عن شكله فأراني مضطرا إلى أن أصارحه بأننا نود أن نخلص من أمثال تلك المقدمات التي يجتهد أدباؤنا في الحصول عليها من أصدقائهم، تلك المقدمات التي تحشد فيها عبارات الإطراء من غير تحفظ، إذ أن هذا الإطراءيأخذ السبيل على القارئ، ثم هو من جهة أخرى لما يتضمنه من المبالغة يجعل القارئ ينتظر من الديوان ما يتفق مع عبارات المديح حتى إذا جاءه لم يجد فيه ما يحقق رغبته، وفي هذا ما فيه من تقويض دعائم النقد والاستخفاف بعقول القراء.

واحب قبل أن اختم كلمتي أن أشير إلى بعض قصائد في هذا الديوان سما فيها الشاعر سمواً عظيماً، ولو جرى في شعره على مثلها لكان لنا أن ننتظر منه أحد شبابنا المتفوقين، وتلك القصائد هي: البسمات الساخرة، والشجرة العارية، وتحت ضوء القمر، ووحي الشعر، وموت البلبل، وأشباهها.

الخفيف

الإنشاء التعليمي

تأليف الأستاذين محمد شفيق معرف ومحمد عبد الغني الأشقر

يقع هذا الكتاب في مجلدين أنيقين، على ورق مصقول. ولعله الأول من هذه الكتب الكثيرة التي أخرجها مؤلفوها يقصدون بها إلى الصغار التلاميذ لينهضوا بإنشائهم إلى المستوى الذي يريدون، فقد سلك هؤلاء المؤلفون جميعاً طريقاً واحدة، لا احسبها مؤدية بهم إلى الغاية المقصودة على الوجه الاكمل، لانهم قنعوا بأن يقدموا لتلاميذهم طائفة من الموضوعات الجيدة ليتخذها هؤلاء نماذج فيما يسطرون، ونحن نرى في ذلك قلباً للأوضاع وعكسا للمنطق، وكأننا بهؤلاء المؤلفين قد أرادوا أن يقفزوا بالصغار إلى سطح الدار دون أن يمهدوا لهم درجا هيناً يمكنهم من الصعود

أما هذا الكتاب الذي نقدمه إلى القراء، والمدرسين خاصة، فقد فرض في الطفل طفولته المتعثرة العاجزة، فأخذ بيده أخذاً رفيقا متدرجا به من تكوين الجملة إلى بناء الموضوع، فلا يعترض طريقه نتوء يقعد به عن إتمامها.

ذلك مجهود موفق مشكور أملته خبرة بالتدريس لا تتفق للكثير.

ز. ن. م

دير الربان هرمزد

بقلم كوركيس حنا عواد

تناول هذا الكتاب بالبحث المستفيض أثرا قديما في العراق يقع قريبا من الموصل، وهو ذلك الدير الذي أشار إليه العنوان. وقد بسط المؤلف القول في هذا الدير بسطا صوره للقراء تصويرا شاملا دقيقا، فرسم لك الطريق التي تؤدي بك إلى مكان هذا الأثر، ثم وصف لك الدير نفسه بما فيه من رهبان. وهنا استطرد فقدم كلمة عن الرهبنة في الشرق وما تجري عليه من سنن ثم تناول حياة الربان هرمزد نفسه بالبحث.

واقل ما يشكر عليه مؤلف هذا الكتاب الفني الدقيق، ما تجشمه من عناء لكي يبرز هذا الأثر في ضوء الشمس ويضعه من قراء العربية تحت أبصارهم.

ز. ن. م