مجلة الرسالة/العدد 70/على قبر الفردوسى

مجلة الرسالة/العدد 70/على قبر الفردوسى

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 11 - 1934



للدكتور عبد الوهاب عزام

أبا القاسم اسمع ثناء الوفود ... تنظّم فيك عقود الدرر

أبا القاسم اسمع نشيد الخلود ... يرتِّلُهُ فيك كلُّ البشر

أبا القاسم اسمع لسان الزمان ... بخلدك، وهو الضنين، أقرّ

فهذى اللغات وهذى السِّمات ... وهذى الوفود وتلك الزُّمَر

تترجم عن عرض واحد ... ويدركها في مداك الحصَر

تُطيف بقبرك صرح العلاء ... وباب الخلود ومثوى الظَفر

فيالك قبراً قريب المدى ... تظل العقول به في سفر

ويالك قبراً كعين البصي ... ر يحوي العوالم منها الصغَر

ويالك قبراً غدا طلسما ... وراءك كنز الخلود استتر

ويالك سطراً بقرآنه ... تضيق الحياة ويفنى العمر

ويالك بيتاً سما شِعره ... بمعنى الحياة ولفظ الحجر

وأحجاره كحروف الهجا ... ء كل المعاني بها تُسطر

إمامَ البيان وربَّ القريض ... وأصبرَ مَن للقريض صبر

وسبّاقَ حَلبته في الورىْ ... ورب الحجول بها والغُرر

وناظمَ عقد على نظمه ... تخر الدهور وما يندثر

نظمت الكتاب كتاب الملوك ... وما هو إلا سجلّ القَدَر

طويت الزمان وأحداثه ... بأوراق ونشرتَ العِبَر

فما جام جمشيد إلا كتابُ ... ك يجلو الأقاليم فيه البصر

فيالك من شاعر نابغ ... عظيم الحياة جليل الأثر

ويالك من شاعر رابح ... وكم شاعر في الورى قد خسر

ثلاثين عاماً نسجت القريض ... حليف الهموم أليف السهر

ثلاثين عاماً مضت للفناء ... بهن اشتريت خلود الدهَر

لقد صدّق الدهر ما قلتَ في ... كتاب الملوك بغيب النظر: بنا هاي أباد كردد خراب ... بحرّ ذُكاَء وصوب المطر

بي افكندم أز نظم كاخي يلند ... على الرياح والقطر ما إن يخرّ

مضى ملك محمود في الذاهبين ... وملكك في الدهر ما يندثر

رضاه شاه حسبك من ناصر ... لقدرك بعد للقرون قَدَر

يسيّر ذكرك في الخافقين ... مسير ذُكاء ومسرى القمر

طوينا البحار وشُمَّ الجبال ... وجُردَ القفار وأَيْكَ الشجر

يطير بنا الشوق ملء القلوب ... ويُحلي حديثك مُرَّ السفر

وفي مصر كنت نجيّ الكتاب ... بليغ العظات وحلو السمر

وها أنا في طوس يَدَيْ ... ك يبهر نفسي جلال بهر

فهبية ذكراك روع الفؤاد ... ومشهد حفلك يُخسى البصر

يضيق عليَّ مجال الكلام ... ويشرد عنيَ سِرْب الفكَر

ويذهب شعري ذهاب الحباب ... على لجة البحر حين زخر

هر تانكس كه دار دهش وراي ودين ... عليك الثناء الجميل نثر

وما شاعر أنا كفء المديح ... فأهدي إليك الثناء الأغر

ولكن سحابك أحيا المواتَ ... وما بالإدارة ينمو الزهر

خلدت على الدهر في الخالدين ... وخلَّدَ شعرك من قد غبر

ودوّى قريضك في الخافقين ... يغنّي البُداة به والحضر

وروحك فردوسه في السماء ... وقبرك فردوس من قد شعر

طوس

عبد الوهاب عزام