مجلة الرسالة/العدد 703/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 703/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 703
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 23 - 12 - 1946



الأستاذ علي الطنطاوي في القاهرة:

وفُقت وزارة العدل السورية إلى إيفاد القاضي الفاضل السيد على الطنطاوي إلى مصر سنة كاملة للوقوف على الأنظمة الفضائية واللوائح الشرعية، والاطلاع على تطور الأحوال الشخصية والدراسات القانونية في المحاكم الشرعية والمعاهد الدينية والمجالس الحسبية ومقارنتها بالمتبع في سورية لتهتدي الوزارة على ضوء أبحاثه ودراساته وتقاريره إلى تنفيذ ما تريد في محاكمها من الاقتباس أو المحاكاة أو التعديل. والأستاذ بثقافته الشرعية الأصيلة، ومواهبه النادرة الجليلة، وخبرته العلمية الطويلة، أقدر القضاة على الاضطلاع بهذه المهمة، وقد ورد الأستاذ القاهرة مساء الخميس الماضي، فعلى الرحب والسعة

1 - أسبوع الأمير:

كان الأمير شكيب أرسلان رحمة الله عليه أضخم شخصية عربية، وكانت له مزايا جمة كل مزية منها تجعل صاحبها لو اقتصر عليها من عظماء الرجال، منها أنه المؤلف المكثر المجود، ولو لم يكن له إلا تعليقاته على حاضر العالم الإسلامي، والحلل السندسية، ولماذا تأخر المسلمون، لكان بها من كبار المؤلفين. ومنها أنه الكاتب الذي ملأ الشرق والغرب نثراً بليغاً، وكان لسان الإسلام ومدره العرب؛ وأحسب أن مقالاته لو جمعت لجاء منها كتاب في ضعف حجم الأغاني. ومنها أنه السياسي الأكبر الصادق الفراسة الصحيح الرأي البعيد النظر، أنذر وحده العرب (لما قاموا باسم القومية يطعنوا الأتراك إخوانهم في الدين في ظهورهم) وحذرهم عاقبة ما هم فيه، قال لهم إن الإنكليز لا وفاء لهم، وإن الشام إن تخرجوه الآن من يد الترك تدخلوه في أيدي غيرهم؛ فكان والله ما قال، فلما انقلب الأتراك وولوا وجوههم عن الإسلام لوى عنهم وجهه وكان حرباً عليهم. وهو الذي أثار الدنيا على الظهير البربري؛ وهو الذي أرجع عرب الجبل الأخضر، وهو الذي كان سفيراً دائماً لنا في ديار الغرب، سفيراً بلا أبهة ولا رتب يرتضى حياة التقشف ويصبر على مر العيش. ومنها همته وثباته؛ ما كتب إليه إنسان إلا أجابه، ولا خاطبه رجل إلا رد عليه، ورسائله تعد بعشرات الآلاف. ومنها وفاؤه ونبله، وهذان كتابان عن شوقي والسيد رشيد يقومان دليلا ولا يعوزنا الدليل. ومنها - ولن تحصى هذه الكلمة مزاياه، ما يحصيها إلا الدرس الطويل؛ لذلك فكرت دمشق التي روعها نعى الأمير، وجاءها نبأ وفاته وهي تعد لاستقباله، تأمل أن يجيئها أعز زائر وأكرمه وأعظمه، فكرت في أن:

1 - تقيم أسبوعاً للأمير رحمه الله في مدرج الجامعة السورية في دمشق يتعاقب فيه الخطباء والمؤبنون.

2 - تنشر ما ينشر من كتبه وتعد نشر المطبوع منها.

3 - تجمع رسائله الخاصة وتحصيها.

وتألفت لذلك لجنة تمهيدية برياسة صديق الفقيد الأستاذ السيد عارف النكدي رئيس مجلس شورى الدولة، وعضوية الأساتذة السيد سامي العظم المفتش العام في وزارة العدلية، والسيد عز الدين التنوخي عضو المجمع العلمي العربي، والسيد أنور العطار شاعر الشباب السوري، والسيد مظهر العظمة مدير مدرسة التمدن الإسلامي، وعلي الطنطاوي، ورئيس الشرف في هذه اللجنة الأمير عادل أرسلان، لا لأنه وزير المعارف، ولأنه أخو الفقيد، بل لأنه صديقة وما كل أخ صديقاً، ولأنه أعرف الناس به وأشدهم حباً له، ولأنه الشاعر الفحل، والوطني المجاهد، ولأنه الأمير عادل أرسلان. رحم الله الفقيد وألهم هذه الأمة الوفاء له، والاقتداء به.

(ع. ط)

2 - عالم بين الكتب:

من أنباء المعارف في الشام التي تسر وقل فيها السار، أن الوزارة ستجعل إدارة دار الكتب الظاهرية للأستاذ أبي قيس عز الدين التنوخي، وهو اختيار موقف لأن دار العلم لا يجوز أن يقوم عليها إلا عالم

(ع)

1 - واجب الوفاء!

تأليف في سورة عدة لجان لتأبين فقيد العروبة والبيان المغفور له الأمير شكيب أرسلان.

وسورية هي الوطن الذي ولد فيه الفقيد، وفي ترابه دفن جثمانه العزيز، فلا أقل من أن تنهض بهذا الواجب حكومة وشعباً جماعات وأفراداً، نحو رجل من أبر أبنائها، وعبقري من أعظم شخصياتها.

ولكن ما بالنا لم نرى أثراً لمثل هذا التفكير إلى الآن في مصر وقد استوطن الفقيد فترات من الوقت، وكانت له برجالاتها صلات وثيقة، وقد عاش طول حياته يفزع لأمورها كما كان يفزع لسورية وطنه، ولكل قطر عربي؟!

لقد قضى المغفور له الأمير شكيب أرسلان حياته ينادي بالوحدة العربية، ويدعو إلى تقوية الصلات الشرقية، ويندد بشنائع الاستعمار في كل بلد عربي، فليس الأمر تأبينه وتخليد ذكراه أمر سوريه وحدها، ولا أمر مصر وحدها، بل هو واجب على العالم العربي جميعه، فهل للجامعة العربية وقد كان الفقيد من أكبر دعاتها ورعاتها فكرة حتى تمثلت عقيدة ثم أصبحت حقيقة، أن ننهض بهذا الأمر؟ وهل للأمين العام للجامعة سعادة عبد الرحمن عزام باشا الدعوة بذلك قياما بالواجب ووفاء بالدين؟!.

2 - لن يترنم الأطفال بأناشيدهم!

جاء في الأنباء البرقية الأخيرة أن سلطات الاحتلال في ألمانيا حرمت على الأطفال أن ينشدوا أنشودة (الفارس المقدس) التي اعتادوا الترنم بها في الاحتفالات الرسمية لعيد الميلاد، والاحتفالات الشعبية التي ينظمها معلمو بساتين الأطفال فيمدينة شفيرين، كما حرمت عليهم أيضاً إنشاد ترنيمة أخرى وضعها مكتب الشباب في المدينة؛ ومنعت المعلمين كذلك من إخراج روايات عيد الميلاد التي تظهر فيها الملائكة!!

مساكين أولئك الأطفال في ألمانيا. . . لقد شردهم الجوع، وقتلهم البرد، وأفقدتّهم الحرب الجهنمية، الأب الحنون، والأم الرؤوم. والأسرة البرة الراعية، وإن عيد الميلاد ليطالعهم بصبح متجهم. . يفتشون فيه عن اللقمة السائغة فلا يجدونها، وعن اللعبة المسلية فلا يظفرون بها، وعن البهجة المشرقة فتنخلع قلوبهم هولا مما يرون، حتى أناشيدهم المحبوبة أصبحت حراماً على ألسنتهم. .

يقولون إن الإنسانية تحضرت بالعلم، وتهذبت بالفن، ونضجت بالتجربة. . ولكن أين مظهر هذا وجدواه، وما زالت الشريعة بين الغالب والمغلوب قائمة ولها ناب الأسد وظفره، وشراهة النمر وفجوره، ولكن ليس لها أي قلب. .

إن القسوة الغاشمة لا تربى النفوس أبداً على حب الخير والتسامح، فحرمان الأطفال من أناشيدهم، ومتعهم، لن يربى عواطفهم إلا على الحقد والضغينة؛ وغداً عندما يبلغ أولئك الأطفال مبلغ الرجال سيكون أول ما يفرجون بع عن عواطفهم المكبوتة هو الثأر من أولئك الذين حرموا عليهم كل شئ، حتى الترنم في العيد بأناشيدهم المحبوبة.

محمد فهمي عبد اللطيف