مجلة الرسالة/العدد 706/تعقيبات

مجلة الرسالة/العدد 706/تعقيبات

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 01 - 1947



كلمات تموت:

هي كلمات رددت، فتطلعت إلى الحياة، وتطلبت غذاءها من تحقيق ما تدل عليه، فعللت ومنيت، وعاشت زمنا على التعلات والاماني، حتى أصابها الشحوب والهزال من طول الحرمان، وها هي ذي مشفية على الموت.

تلك هي كلمات (محاربة الأعداء الثلاثة، العدالة الاجتماعية، رفع مستوى المعيشة، إصلاح أداة الحكم، مشروعات السنوات الخمس) وأمثال هذه الكلمات التي توضع في البرامج فتكون لها حلية وزينة، ثم يفتر الحماس لها فتأخذ مكانها على (الرفوف).

وحياة هذه الكلمات بحياة مدلولاتها، فما مدى هذه الحياة عندنا؟ يجيب عن ذلك الأستاذ مريت غالي في مقال له بالأهرام عنوانه (الحساب الختامي لسنة 1946 القومية) قال في مطلعه: (لو جرت العادة على إعداد تقرير سنوي عن شئون الأمة والوطن فكيف يكون التقرير عن سنة 1946؟ أندون فيه نجاحا أحرزناه في نيل الأهداف القومية، أو علاجا قدمناه لمشكلة الموظفين والإدارة، أو معركة كسبناها ضد الأعداء الثلاثة التي تفتك بالشعب، أو مشروعا اقتصاديا أو إصلاحا اجتماعيا حققناه لرفع مستوى المعيشة؟ الواقع المؤلم أن التقرير لابد أن يكون خاليا من كل هذا).

ونحن جميعا نلمس مصداق هذا الكلام الصحيح، فالأعداد الثلاثة لا تزال قوية منيعة الجانب، الجهل لم ينل منه تجاذب الاختصاص وتبادل الموظفين بين الوزارات، والمرض لا تزال ترى فيضه على أبواب المستشفيات وأفنيتها صفوفا متدافعة، لا يرده جشع الممرض ولا جفاء الطبيب. . . والفقر ما فتئ يمد الجهل ويعين المرض، ومستوى المعيشة هو هو، والعدالة الاجتماعية أيضاً هي هي. . . وأداة الحكم ما تنفك في بطئها ووساطاتها وسائر فسادها، والسنوات الخمس لست أدري متى تبدأ. . . أمن وقت انتهاء الحرب؟ وهل بدئ في مشروعاتها؟ أم لا مبدأ لها ولا نهاية. . .؟

وقد ظلت تلك الكلمات تتراقص في أحلام الناس وتهدهد آمالهم، حتى كادت تسقط من فرط الإعياء. وليس من المستحسن أن تموت وفي مقدورنا إحياؤها، وفي إحيائها حياتنا التي ينتفي فيها السخط والانحراف، وتتم لنا فيها مقومات الأمة التي تدفع بها إلى أهدافها ل يقف أحد في سبيلها.

المعنى الديني:

نشرت جريدة المصري أن البدراوي باشا يريد ان يقوم بنفقات مشروع إنارة مسجد الرسول عليه السلام وكسوة المقام النبوي الشريف. فبعث إسماعيل صدقي باشا إلى (المصري) بكتاب يقول فيه إنه يسعى منذ زمن للترخيص له بكسوة المقام النبوي الشريف، ويرجو البدراوي باشا أن يكتفي بالإنارة ويترك له الكسوة. ولم نعلم بعد ذك ماذا تم بين (المليونيرين) الكبيرين في هذا الموضوع، وإن كنت أود ألا يقبل البدراوي باشا رجاء صدقي باشا حائراً لا يدري كيف ينفق ما أعد للكسوة من مال فيما يعوضه ما يفوته من الثواب، فهو رجل غني ومؤمن، وثمة مؤمنون كثيرون فقراء يحتاجون إلى أن يكون معهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، والوسائل إلى ذلك كثيرة.

هذا وقد تحدث الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر إلى محرر مجلة (الأمانة) في رسالة الأزهر، فقال إنها تقوم على فهم (المعنى الديني الحقيقي) وقد أصاب فضيلته المحز، فما أحوجنا إلى فهم حقيقة الدين والقصد إلى لبابه وجوهره؛ وإني - على ما أفهم من حقيقة ديننا - أعتقد أن تواد المؤمنين وتراحمهم، كأن يساعد الغني الفقير، أرضى لصاحب المقام الشريف، وأوفى إلى تلبية دعوته، وأوفق للعمل بمقتضى رسالته، وأدعى إلى نيل الثواب.

وعلى ذلك جرى أسلافنا الذين كانوا أقرب منا إلى عهد النبوة وأكثر فهما لروح الإسلام. ومن الملاحظ أن الاهتمام بالمظاهر والشكليات كثر أو وجد في العصور المتأخرة، حتى كان الحكام الذين أمعنوا في أخذ أموال الناس بالباطل، ثم يرى أحدهم أنه ما عليه من ذلك بأس مادام يمحو سيئاته ببناء مسجد أو إنشاء (تكية). والله أعلم.

(كتب وشخصيات):

عقب الأستاذ قطب على ما كتبته في الرسالة عن كتابه (كتب وشخصيات) فبين وجهة نظره إزاء ما ارتأيته في مسائل تضمنها الكتاب، وقد كنت أعتبر الأمر منتهيا بذلك - على اختلاف وجهة النظر بيننا في تلك المسائل - لولا ما جاء في رده خاصاً بنقده لتيمور، فقد رأيت فيه ما يحتاج إلى هذه الكلمة.

قلت: (ومما أخطئه الإنصاف فيه نقده لتيمور إذ يصف فنه بالفتور وبأنه يؤثر اللطف والدعة على الانفعال والحيوية) ولم آت بهذا من عندي، بل أتيت به من (كتب وشخصيات) (ص 189) حيث يقول الأستاذ في أقصوصتين من أقاصيص تيمور (وكلتاهما تنبعان من قلب إنسان ولكنه إنسان يؤثر اللطف والدعة على الانفعال والحيوية، ضحكته ابتسامة فاترة، وغضبته سحابة باهتة، ووثبته خطوة وانية، وإشارته إيماءة رتيبة، ولكنه على أية حال إنسان.

(هذه الظلال الإنسانية التي تبدو في بعض أعمال تيمور - مع شيء من الشاعرية اللطيفة في بعض الأحيان - هي وحدها التي تجعل الناقد لا يستطيع أن يغفل فن تيمور، وهو يتحدث عن الأقصوصة، مهما كان في هذا الفن من فتور. . .)

أفليس هذا يا أستاذ سيد من (حقيقة رأيك) فتقول (إن الأستاذ لم ينقل حقيقة رأيي) وتوهم بذلك أنني (أخطأني الإنصاف) في عرض رأيك؟! وإن كنت تقصد أني لم آت بما أتيت به في الرد من كتابك على أنه مآخذ أساسية، فإن المجال لم يكن يتسع لذلك، وقد اكتفيت بما أتيت به من رأيك في تيمور لأن اتجاهات المآخذ الأخرى تجتمع عنده، فتماثيل الشمع مثلا التي مثلت بها شخوص تيمور. . . أي شيء هي إن لم تكن الفتور وعدم الانفعال والحيوية؟

أما ما قلته غير ذلك في هذا الموضوع فإنما أقصد به دفع استنكار لون من الأدب لخلوه من خصائص لون آخر، والأدب مختلف ألوانه. وقد نطقت به وليس بيني وبين تيمور أسباب المودة الآسرة التي قال الأستاذ سيد قطب إنه يتمتع بها، والحمد لله على كل حال.

أبو العباس