مجلة الرسالة/العدد 706/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة/العدد 706/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 01 - 1947



أثر أدبي قديم:

نشرت مجلة (الطرائف الأدبية) الفرنسية القصة التالية.

في يوم من أيام (نيسان) عام 1928 عثر فلاح بمنطقة رأس شمرة الواقعة على الساحل السوري تجاه قبرص على عدة قطع وأوان خزفية جميلة، فأرسل حاكم اللاذقية إلى المفوضية الفرنسية يخبرها بهذا الكشف.

ودلت تحريات لجنة الآثار التي تولت بحث الموضوع على أن القطع والأواني التي عثر عليها الفلاح وجدت في مدفن ليس له شبيه في سورية، وهو يشبه مدافن القرن الثاني عشر قبل الميلاد التي اكتشفت على ساحل قبرص. فقررت أكاديمية الآثار القيام بالتنقيب في هذه المنطقة، وانتدبت لذلك بعثة بدأت العمل في آذار عام 1929، واستمرت تباشر البحث والتنقيب حوالي عشر سنين.

وأسفرت دراسات البعثة وتنقيباتها عن حقيقة تاريخية كانت مجهولة، وهي أن مدينة عظيمة قامت في منطقة رأس شمرة منذ القرن العشرين قبل الميلاد، وقد استمرت هذه المدينة حتى القرن الحادي عشر حيث قضى عليها أقوام من الغزاة الخارجين

ومن أهم ما عثرت عليه البعثة المنقبة بقايا مكتبة مؤلفة من ألواح من الفخار على نحو مكاتب بابل وقد نقشت على هذه الألواح رموز وكتابات تبلغ الثلاثين عدداً، ولم يعثر على ترجمة لهذه اللغات وقد تعذر فهمها وفك رموزها لأنها تنتمي إلى لغة غير معروفة بين اللغات الأثرية، ولكن بعد مقارنات ودراسات تبين أنها لغة قريبة من العبرية، وأنها أقدم بنحو عشرة قرون من سائر الكتابات الفينيقية التي اكتشف إلى الآن.

وقد استطاع رجال الآثار أن يميزوا من تلك اللوحات الكتابية ثلاثة آلاف بيت من الشعر الذي يقوم موضوعه على الملاحم والأساطير ويرجع تاريخها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وقد وقع عليها كلها باسم (إيليملك).

هذا مجمل القصة التي روتها مجلة (الطرائف الأدبية) الفرنسية، وهي قصة كشف أدبي سيكون له أثره في تاريخ الأدب، وعندما نترجم هذه الأشعار إلى لغة حديثة يمكن لمؤرخي الأدب القديم أن يصححوا كثيراً من الأحكام في ضوء هذا الكشف الجديد.

العاقل لا يعدم حيلة:

في (شرح النهج) لابن أبي الحديد:

قال أبو عثمان (الجاحظ) حدثني أبو عبيد الله الأفوه - وما كنت أقدم عليه في زمانه من مشايخ المعتزلة إلا القليل - قال: كنت ألقي من الذر والنمل في الرطب عندي وفي الطعام عنتاً كثيراً، فاتخذت لطعامي منملة، وقيرتها وصببت في خندقها الماء، ووضعت سلة الطعام على رأسها، فغبرت أياماً أكشف رأس السلة بعد ذلك وفيها ذر كثير، ووجدت الماء في الخندق على حاله، فقلت عسى أن يكون بعض الصبيان قد أنزلها وأكل مما فيها، وطال مكثها في الأرض وقد دخلها الذر ثم أعيدت على تلك الحال، وتكلمت في ذلك وعرفت الحال فيه، فعرفت البراءة في عذرهم والصدق في خبرهم، فاشتد عجبي، وذهبت بي الظنون والخواطر كل مذهب، فعزمت على أن أرصدها وأحرسها وأتثبت في أمري فإذا هي بعد أن رامت الخندق فامتنع عليها تركته جانباً وصعدت في الحائط، ثم مرت على جذع فلما صارت محاذية للسلة أرسلت نفسها. فقلت في نفسي: انظر كيف اهتديت إلى هذه الحيلة ولم تعلم أنها تبقى محصورة ثم قلت: وما عليها أن تبقى محصورة بل أي حصار على ذرة وقد وجدت ما تشتهي

(السهمي)

رفاهية العلماء:

جاء في نبأ من موسكو أن الحكومة السوفيتية ستقوم ببناء منازل في ضواحي المدن الكبيرة لأعضاء أكاديمية العلوم في روسيا، وسيتألف كل منزل من حجرة للاستقبال والجلوس وحجرة لتناول الطعام، ومكتبة وحجرة للنوم في الطابق الأرضي ومطبخ ومخزن للطعام وحمام في مؤخر المنزل، وغرفتين أخريين تواجههما شرفة واسعة، وسيكون لكل منزل حديقة خلفية وحوش متسع، وقطعة أرض مجاورة تزرع فاكهة وأزهارا، ويبنى فيها غرفتان للسائق والميكانيكي الذي يتعهد السيارة بالرعاية ومخزن للأخشاب والوقود وكابينة صيفية وحظيرة للمواشي.

ويقول النبأ إن السلطات السوفيتية قد أرسلت إلى كل عالم تصميما ليوافق عليه فبقى أن تشرع في البناء، وأنها ستقوم بنفقات إنشاء هذه المنازل وتكاليفها؛ كما ستقوم بالانفاق على هؤلاء العلماء وتتعهد بما يقلق خواطرهم من الناحية المادية حتى تتيح لهم الفرصة في خدمة العلم وقصر جهودهم على العمل في معاملهم.

ومن نحو خمسة عشر عاماً فكرت الحكومة الفرنسية في بناء مدينة للأدباء والفنانين والعلماء على أن تكون في الوضع الذي يلائم أمزجتهم راحة وهدوءاً وطمأنينة، ولكن المشروع لم يخرج عن دائرة التفكير، وعلق كاتب فكه على هذا النبأ قائلا في سخرية: (أولى بالحكومة الفرنسية أن تقول إنها تريد أن نقيم مدينة للمجانين، وإنها تريد أن تريح المجتمع من هذيان أولئك الذين يقولون عنهم إنهم أدباء وفنانون).

وهذا التفكير الحديث في أوربا قد سبق إليه آباؤنا وخرجوا به إلى دائرة التنفيذ والتحقيق منذ قرون، فقد وقفوا على الأزهر الأوقاف الضخمة، وأنشئوا به الأروقة والمساكن، ورتبوا الرواتب للعلماء والطلاب حتى يكفلوا لهم الراحة المادية، ويصرفوا أذهانهم عن التفكير في شئون العيش إلى التفكير في مسائل العلم.

والواقع أنه ليس هناك همٌّ أثقل على نفس العالم والأديب من التفكير في شئون المال وتدبير العيش. ويروي عن الإمام أبي يوسف أنه قال: جلست في بيتي وقد نشرت كتب العلم بين يدي وأخذت أجتهد في تحرير مسائل الفقه والتشريع، فدخلت الجارية عليّ وقالت ليس في البيت دقيق، فطارت من رأسي أربعون مسألة ولم تعد واحدة منهن أبداً.

فنحن نغتبط أن تهتم الحكومات بتوفير العيش والطمأنينة المادية لرجال الفكر حتى ينتجوا ويثمروا، ولكنا لا نرى من الخير لهم وللمجتمع وللعلم أن يعزلوا في أماكن خاصة، لأن المفكر إنما يتعامل مع المجتمع، فهو يأخذ منه ويعطيه، وبهذا يكون عاملا من عوامل تطوره، وإلزام العالم والمفكر بالانتاج لا يجدي، فقد تخطر له الخاطرة، أو تطوف برأسه الفكرة وهو سائر في ضجيج الشارع أو في مجتمع عام صاخب أو وهو يرى مشكلة تواجه المجتمع، وليس من شك في أن عزل العلماء والمفكرين سيصيرهم على مرور الأيام أشبه بطبقة الكهان، وسرعان ما يضيق بهم المجتمع على هذا الوضع، ويضيقون هم بأنفسهم.

(م. ف. ع)

لن تقوم في الأرض مملكة يهودية فلسطينية: دعا سليمان يوماً فاستجيب له ... ونال ما لن ينال الناس من بَعْدُ

ترى أنال غنى؛ والأغنياء على ... ظهر البسيطة لا يحصى لهم عد؟

أم نال مملكة مهما علت وسمت ... ففي ممالك أخرى العز والمجد

ما نال إذ نال من شيء يميزه ... عن العوالم لولا العقل والرشد

أمسى (الحكيمَ) ووصفٌ غير مطردِ ... أن خصَّ فيه بمعنى ما له حد

فما انبغى قط أن يُعطى حكومته ... على اليهود يهوديٌّ وإن جدوا

ففوق حكمة أهل الأرض قاطبة ... جمع اليهود وإن لانوا أو اشتدوا

كالمال (معبودهم) قد بُعثروا بَدَداً ... وليس مما قضى في أمرهم بد

من معجزات سليمان تآلفهم ... والمعجزات (كأهليها) لها حد

عيشي فلسطين في أمن وفي دعة ... فمعجزات سليمان لها عهد

قد قال: (رب هبني. . .) قال: (مملكة ... على اليهود)، وتمَّ الموقف الفرد

لا ينبغي لسواه بعد أبداً ... تجميع من ربُّهم في المصرف النقد

محمد التهامي وعبد اللطيف النشار