مجلة الرسالة/العدد 708/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 708/الأدب والفنّ في أسبُوع

مجلة الرسالة - العدد 708
الأدب والفنّ في أسبُوع
ملاحظات: بتاريخ: 27 - 01 - 1947



الثقافة الروسية والشرق العربي:

إجابة لدعوة من الحكومة السوفيتية تسافر في هذا الأسبوع بعثتان ثقافيتان إلى روسيا، أحدهما من سوريا، والأخرى من لبنان، وسيقوم أعضاء هاتين البعثتين بزيارة أنحاء الاتحاد السوفيتي للوقوف على مظاهر النشاط الثقافي والعلمي هناك

هذا هو النبأ الذي أذاعته وكالات الأنباء البرقية، وهو نبأ يدل دلالة واضحة على ما تتجه إليه روسيا اتجاها جدياً واسع النطاق في الدعاية لثقافتها في الشرق العربي، ووصل عناصر هذه الثقافة واتجاهاتها بتفكير أبناء العروبة واتجاهاتهم العلمية والأدبية.

وإنها في الواقع لفرصة تنتهزها روسيا في الآونة الحاضرة، فقد مضت أحقاب طويلة والثقافة الروسية معزولة عن الشرق العربي بسد حصين أقامته السياسة والأوضاع الدولية، ففي القديم كانت روسيا هي العدو اللدود لتركيا، ولما كانت تركيا هي المسيطرة على الشرقي العربي يومذاك فقد كان أبناء هذا الشرق ينظرون إلى روسيا نظرة بغض وشحنا، فلم تستطع الثقافة الروسية من خلال هذا أن تنفذ إلى نفوسهم وتفكيرهم، وحاولت روسيا أن تتلافى هذا وأن تجد له الأسباب والوسائل فأنشأت فرعا للاستشراق والدراسات العربية والإسلامية بجامعة (بطرسبرج)، واستقدمت من الشرق العربي الأساتذة لتدريس العلوم العربية، وكان من هؤلاء الأساتذة الشيخ النشرتي والشيخ محمد عياد الطنطاوي من مصر، والسيد سليم نوفل من لبنان، ولكن هذا العمل كله كان ضعيف الأثر، ولم يعن أبناء الشرق بشيء من مآثر الثقافة الروسية واتجاهاتها إلا بما كان من مآثر الفيلسوف الروسي المشهور (تولستوي) لأنه جنح إلى حياة صوفية تلائم الروح الشرقية، ولأنه كتب كتابة طيبة عن النبي محمد صلوات الله عليه حمدها أبناء الشرق.

وبعد الحرب العالمية الأولى وقع الشرق العربي جميعه تحت سيطرة الإنجليز والفرنسيين، ونظراً للفكرة الشيوعية التي تمخضت عنها الثورة الروسية فقد قام هؤلاء بتحصين الشرق العربي تحصينا منيعاً أمام الثقافة الروسية وكل اتجاه روسي، ولم يكن يصل إلى الأقطار العربية من عناصر الثقافة الروسية إلا بضع قصص كانت تأتي عن طريق البريد الإنجليزي والفرنسي مؤداة باللغة الإنجليزية والفرنسية.

ولما قامت الحرب العالمية الأخيرة، وقضت تطوراتها بانضمام روسيا إلى الحلفاء، وجدت روسيا الفرصة السانحة للاتصال بالشرق العربي عن قرب؛ فتبادلت التمثيل السياسي مع دولة، وغمر طوفان الدعاية الروسية بلاده، وكان أن ظهرت في اللغة العربية ألوان كثيرة من الثقافة الروسية في شتى نواحي العلم والأدب والفن، وتعتبر سوريا ولبنان أفسح مجال لهذا النشاط اليوم.

فإذا كانت روسيا اليوم تستقدم البعوث من أبناء الشرق العربي للوقوف على مظاهر النشاط الثقافي في بلادها، وإذا كانت هي ترسل البعوث الثقافية من جانبها لارتياد الشرق، فذلك لأنها تريد أن تستغل الفرصة على أوسع مدى في إيجاد تيار للثقافة الروسية بالشرق العربي إلى جانب تيارات الثقافات الإنجليزية والفرنسية والأمريكية، وكل ما نرجو للشرق العربي أن يجد شخصية وذاتية في مهب هذه التيارات العنيفة.

الأدب العربي في القرن العشرين:

هذا عنوان كتاب أخرجه حديثاً المستشرق الروسي الشهير (يوليفتش كراتشكوفسكي) تناول فيه بالبحث والتحليل التيارات الأدبية في العالم العربي ومؤلفات الكتاب العرب البارزين، وعقد فصلا خاصاً للحديث عن الأدباء المصريين الذين أمتد تأثيرهم إلى العراق وسوريا والأقطار العربية المختلفة، وختم الكتاب بفصل مطول عن المؤلفات التي ظهرت لكتاب العرب في مرحلة الحرب العالمية الثانية وما بعدها، كما تحدث في هذا الفصل عن قصائد الشعراء العرب في الموضوعات الحربية وما نظم منها خاصة في تمجيد بطولة (ستالينجراد).

و (كراتشكوفسكي) وثيق الصلة بالشرق العربي من قديم، وله صداقات كثيرة بعلماء العربية ورجال الأدب العربي، فقد قام برحلة طويلة إلى الأقطار العربية في عام 1908، فزار مكتباتها وتعرف برجالها، ونسخ كثيراً من المخطوطات النادرة، وهو الآن عضو في المجمع العلمي العربي بدمشق.

وقد نشر (كراتشكوفسكي) كثيراً من الآثار العربية النادرة بعد أن قام بتصحيحها واستكمالها، وفي عام 1930 ألف كتاباً خاصاً عن الشيخ عياد الطنطاوي الذي سافر من مصر لتدريس اللغة العربية في روسيا فعاش هناك من عام 1847 كتاباً عام 1861 وتوفي ودفن هناك، وفي العام الماضي أخرج كتاباً طريفاً بعنوان (مع المخطوطات العربية) وقد تحدث فيه حديثاً قصصاً خلاباً عن رحلته إلى بلاد الشرق العربي وما وقع له من النوادر في البحث عن المخطوطات النادرة وما وفق إلى اكتشافه من هذه المخطوطات.

فالمستشرق (كراتشوفسكي) وثيق الصلة بالأدب العربي القديم والحديث، وقد عاصره عن قرب أكثر أربعين عاماً، فإذا ما تحدث عن (الأدب العربي في القرن العشرين) فلا شك أن حديثه حديث العالم الخبير.

المجمع العربي بدمشق:

يعتبر القسط الذي نهض به المجمع العلمي العربي بدمشق في خدمة التراث العربي وبعثه، قسطا واسع المدى محمود الأثر، فقد نشر هذا المجمع كثيرا من النوادر المطمورة، وجمع كثيراً من المخطوطات الغالية التي بعثرتها واستبدت بها أحداث الزمن عوادي الأيام، وكان آخر ما أخرج في هذه الناحية ديوان الشاعر أبن عنين الذي قام بتصحيحه وشرحه الشاعر الأديب خليل مردم بك الأمين العام للمجمع، ثم كتاب: (المستجاد من فعلات الأجواد) لعبد المحسن بن علي التنوخي وهو يشتمل على أخبار الأجواد ومآثرهم في الجاهلية والإسلام، وقد عنى بتصحيح هذا الكتاب وتحقيقه الأستاذ محمد كرد علي رئيس المجمع وعضو المجمع اللغوي بمصر.

ونحن إذ نشيد بأثر الجمع العلمي الدمشقي في هذا، فارجوا أن يحرص على تعميم آثاره ومطبوعاته في العالم العربي، وأن ييسر الحصول عليها لأبناء العربية، وذلك بإنشاء مكاتب فرعية له تقوم بعرض هذه الآثار في كل قطر، فإن كثيراً من الباحثين وأساتذة الجامعات والمعاهد وطلابها، يعييهم أن يحصلوا على آثاره ومطبوعاته.

الأخطل الصغير:

من أخبار بيروت أن الشاعر الكبير الأستاذ بشارة الخوري المعروف باسم (الأخطل الصغير) قد أعتزم ترشيح نفسه لعضوية مجلس النواب اللبناني في المعركة الانتخابية القادمة، وقد علقت إحدى الصحف البيروتية على هذا النبأ قائلة في سخرية خفية: (إن الأخطل الصغير سيرشح نفسه معتمداً على سمعته الأدبية، ورأس ماله في الشعر والأدب.

).

وأي غرابة بربكم أيها الناس في أن يكون الأدب طريقاً للنيابة ومرشحاً لها! أليس للأديب والشعر في خدمة الفن والثقافة وتهذيب العواطف الإنسانية، وما هو أجدى وأنفع من مال ضخم يملكه حيوان آدمي لا يرضيه إلا أن يمشي على الرؤوس والرقاب، وأن يحتل على كراسي النيابة أكبر فراغ بكرشه المدلى وأوداجه المنفوخة؟!

إن للأخطل الصغير مئات الأبيات التي تعمر أفئدة الآلاف من أبناء العروبة، وتردد ألسنتهم نبراتها ومقاطعها في شغف وسحر، ترى لو أن له بيتا أو بيتين يسكنهما الناس بالكراء، ويدران عليه وفير المال كان ذلك أجدى في نظر أولئك المستهزئين وكانت أصوات المتملقين ترتفع: يجب على (النيابة) أن تسعى إليه، وأن تركع عند قدميه.

لقد آن لنا أن نفهم أن (النيابة) رسالة إنسانية قبل كل شيء، رسالة قوامها العواطف المهذبة الشريفة، ويوم أن ترسخ هذه العقيدة في نفوسنا، سنرى أن أولى الناس بهذه الرسالة (الأخطل الصغير)، وإخوانه من الشعراء والأدباء وحملة المشاعل الإنسانية.

هذه السينما وهذا الفن:

(من أخلاق الصغار تقليد الكبار، فمن أخلاق الأمم الضعيفة الافتتان بكل ما يصدر عن الأمم القوية، ونحن كأمة ناشئة، ضعيفة، أخنى عليها الاستبداد طويلا، ورسفت في قيود الجمود قرونا، نميل إلى التقليد ونسعى إليه سعي المستميت، ولكن أغلب تقليدنا في القشور دون اللباب، وفي العرض لا في الجوهر). . .!!

(ولنخص بالقول هنا السينما، هذه الدنيا الزاخرة المواراة التي أقبلنا عليها إقبال الصادي على المنهل العذب، فلم تتقيد بواجب أو نحيط لمحذور، فكان من أثر هذه الشراهة وهذا التفريط أن أصيبت نفوس ناشئتنا العزيزة الغريرة ونسائنا الساذجات بعادات وخلائق ليس بينها وبين عاداتنا وخلاقنا الأصلية النبيلة أي ارتباط أو صلة، فهبط المستوى الخلقي والأدبي إلى حيث لا ينفع النصح والإرشاد. وإن تسعة وتسعين في المائة من هذا الهبوط والتدني قد جاءنا عن طريق هذه السينما اللعينة التي يعب عشاقها وروادها من شرورها ومساوئها ولا يستوحون منها غير ما يسمم العقول والنوازع لأن فكرة الأفلام لم تستوح إلا تملق غرائز الجماهير واستهواءهم).

(فماذا يمنع حكومتنا ووزارة الداخلية خاصة، أن تقلد الحكومات الراقية في فرض لجان من أهل الرأي والثقافة والغيرة لتراقب كل (فلم) ينقل إلى بلادنا، وماذا يمنعها أن تتقدم إلى أرباب صالات الصور المتحركة بأن يمنعوا القاصرين من أطفالنا، وكذلك الجنس اللطيف من غشياه دورهم إلا في عرض روايات خاصة تخلو مما لا يتفق والمدارك الساذجة والعفة المصونة؟! لماذا لا تعمد الحكومة إلى هذا؟ وإلى متى نحلل كل ما يسيء إلى أخلاقنا وآدابنا باسم الحرية الشخصية وباسم التمدين الحديث؟!)

قرأت هذه الكلمة لكاتب أديب في جريدة (القبس) السورية فقلت يظهر أن العلة شائعة في أقطار الشرق العربي في النكبة بتلك الأفلام التي يسمونها فناً، وما هي في الواقع إلا استهتار رخيص وتملق سافر لأحط الغرائز في الجماهير؟! وإن هذا الذي يقال في سوريا هو الذي يقال أيضا لحكومتنا في مصر. فأن الأفلام السينمائية التي تعرض في مصر والشرق لم تعد بحال من الأحوال أداة للثقافة وتهذيب العواطف، بل إنها عدوة لكل ثقافة وتهذيب، ومعول مسلط على أخلاقنا وتقاليدنا وقوميتنا، سواء في ذلك الأفلام المحلية أو الوافدة من الخارج، ولقد بحت الأصوات في الإهاب بالمسؤولين أن يفزعوا لهذا الخطر ولكن القائمين بتلك الأفلام يملكون من المال ما يغري، ويقدمون من الوسائل ما يحطم كل رقابة. . . وهيهات!!

(الجاحظ)