مجلة الرسالة/العدد 712/صحائف مطوية:
مجلة الرسالة/العدد 712/صحائف مطوية:
رأس النقب وخليج العقبة
حملة البرنس أرناط على الأراضي المقدسة الإسلامية
عام 578 هجريه
للأستاذ أحمد رمزي بك
قالوا (الحرب رحى ثقالها الصبر وقطبها المكر ومدادها الاجتهاد وثقافها الأناة وزمامها الحذر) (العقد الفريد)، أما تلك التي أضعها أمامك فكانت ملحمة من ملاحم الحروب الفاصلة جمعت بين قوات البر والبحر معاً، وقامت فيها المصادمة على ظهور المراكب والمطاردة على رمال الصحراء. ولم تتسع للصبر لأن السرعة كانت عنصرها، ولا للمكر والاجتهاد واصطناع الخديعة لأنها جاءت على غير إستعداد، ولم يصاحبها الحذر لأنها بنيت على المفاجأة والأقدام.
كان مشروعاً دفعه الحقد والحمق والغرور، ذلك المشروع الحربي الذي دار بمخيلة البرنس أرناط صاحب الكرك الفرنجة فقد أقسم أيمانا ملغظة على فتح الحجاز وإيذاء المسلمين في أشرف بقعه يقدسونها، ولذلك أنشأ أسطولاً في أراضيه جعله من قطع حملتها الإبل، وسارت بها وسط القفار ليلقى بها في خليج العقبة، وساعده بعض أشرار البدو في عدوانه ولم تأت سنة 578 إلا والأسطول يمخر عباب البحر الأحمر، وإذا به ينقسم إلى فرقتين أقامت الأولى على حصن للمسلمين بخليج العقبة تحاصره، واتجهت الأخرى جنوباً تهاجم موانئ البحر على الشاطئين الأسيوي والأفريقي فأختل طريق الحج وأخذ الأسطول يطارد المسلمين في عقر ديارهم وعلى أمواج بحرهم، فأصبحوا تحت رحمة هذا الجبار، ولما وصل الخبر إلى مصر وكان بها الملك العادل أبو بكر نائباً عن أخيه السلطان صلاح الدين، بادر بإنشاء أسطول نقله إلى خليج السويس وسلم قيادته للحاجب حسام الدين لؤلؤ، فسار مجداً في طلب الفرنجه حتى أوقع بهم بعد أن امضوا شهوراً يجوبون البحر الأحمر إلى عدن وينزلون مقاتلتهم إلى ساحل الحجاز، فأحدثوا أموراً لم يسمع في الإسلام بمثلها حتى ذكر المؤرخون (أنهم توجهوا إلى المدينة النبوية فلم يبقى بينها وبينهم سوى مسير يوم واحد).
قرأت هذا في مراجعنا ثم وقع نظري على ما كتب الأب لامنس اليسوعي إذ قال: (لفت خليج العقبة وموقع أيلة أنظار البطل الصليبي ولمس أهميته فعمل على إحتلال تلك البقعه ونشر الرعب بأسطوله، ولاشك في أنه في ضرب مثلاً بإقدامه وجرأته لجمع كبير من أبطال الاستعمار الأوروبي وبناته الذين جاءوا من بعده فجاهدوا مثل جهاده، فهو الذي شق الطريق أمامهم وهم نسجوا على منواله)
حركني هذا الكلام مع غيره مما قرأت من كتاب الأوروبيين الذين أشادوا بعمل البرنس أرناط، أن أتتبع هذه المرحلة، التي لم تعجبني الدوافع التي أملتها، وإن كانت عملاً حربياً كبيراً فيه المجازفة والمخاطرة إلى أبعد حدودها، وأعجبت من عمل مصر ورجال صلاح الدين الذين عالجوا الموقف وخطورته بجرأة وإقدام ومجازفته لا تقل عما لدى الخصم وكان أن كتب النصر لهم.
فلنقف هنيهة لننظر ما لنا ذلك العصر من بطوله وقوه ومن مشاكل وأحداث ومصاعب: في الفترة التي برز فيها هذا الخطر كان صلاح الدين بعيداً عن مصر، يجمع شتات ملك الشام. كان ينازل الموصل بعد أن تم له فتح حران وسروج وسنجار ونصيبين والرقة وجميعها من بلاد الفرات الشامية، فإذا برسول خليفة بغداد يستعطفه بشأن الموصل فيرحل عنها ليأخذ حلب من عز الدين مسعود الأتابكي ويعوضه عنها بسنجار.
في وسط هذه المقامع القائمة وتبدل الدول حيث يعمل البطل الكبير إلى عودة حدود الملكية المصرية الإسلامية إلى سابق عهدها، كما كانت أيام طولون والأخشيد والفواطم في إبان مجدهم، يفاجأ بهذه الحركة التي يقصد منها عرقلة مشاريعه وقطع اتصاله عاصمة ملكه. وسنرى أن العاهل الكبير أدرك خطورة هذه الحملة فقطع ما كان مزمعا عليه وعاد إلى الشام ليدبر حملاته الكبرى التي أفتتح فيها أراضي الكرك والشوبك ثم انتهى إلى حطين حيث وقع البرنس ارناط بين يديه.
لقد خدم ارناط العروبة ودين محمد، فقد كنا نحبو إلى حطين حبواً، فإذا بالطاغية وملحمته التي أثارها يجعلنا نركض أليها ركضاً، نعم، لنكتب على صعيد فلسطين أنباء المعركة الفاصلة في التاريخ والتي حطمت ملكاً أنشأه الفرنجة ظلماً على أراضي آسيا الإسلامية بضربه واحدة، وقدم أرناط للمشرق كأساً مملوءة بالظفر شربها أبطالنا بعد مضي قرن من الزمن على المعركه الأندلسيه الكبرى التي أنتصر فيها يوسف بن تاشفين على جموع الأسبان وفلول الادفونش (479هجريه - 1086ميلاديه) وأثبت عن حق إن عزائم المرابطين من قبائل المغرب كانت أقوى من عزائم الأسبان وفرسان أوروبا.
تلك هي الملحمة التي كانت في الماضي نعمه علينا فألبستنا من بعد حطين ثوباً من القدرة والانتصار، مالي أراها تعاودني وتقلق مضاجعي؟ أهناك أشياء آتيه المسها من بعيد، سيخلقها المستقبل لنا؟
أني أذكر تماماً أنه في عام 1935 حينما كنت بالمقدس جاء ألي كاتب يهودي وقدم إلي مؤلفا بالعبرية كتبه عن أراضي النقب وطلب إلى أن أقرأه. وكان أن سألت نفسي ما الذي يشغله بهذه البقعة النائية عن الحضارة الخالية من السكان، وماذا يقصد هؤلاء من النقب، وهم لا يكادون يصلون قرية بئر السبع إلا بشق الأنفس؟ لم أر الأمر بعين الجد، ودار حديث مع المؤلف عن هجرة إسرائيل من وادي النيل وضلالهم في سيناء، وعرضنا لكلمة التيه وعلاقة هذا الاسم بتلك القبائل التي تخطر في الريف المصري باحثه عن المرعى لقطعانها من الغنم والتي يطلق عليها العرب من السكان اسم هتيم؟ هل هم سكان التيه؟ لا أدري. وما خرج المؤلف حتى فتحت الكتاب فإذا به خريطة شاملة لتلك البقعة الهامة من أرض الشرق العربي التي ستؤثر في تاريخنا لألف سنه قادمة. واتجهت أنظاري إلى العقبة إذ هناك تنتهي أراضي فلسطين الحديثة، وتذكرت النزاع الذي قام عام 1906 بين مصر والدولة العثمانية أو بين بريطانيا وتركيا. وتخيلت مجموعه كبيره من الوثائق الرسمية والخرائط كنت اطلعت عليها من زمن مضى ومعها صور للفرمانات السلطانية التي منحت للخديويين والولاة، وكانت الحدود بين مصر والدولة صاحبة السيادة عليها تنتقل بين السويد والعقبة إي تنتهي مره هنا وأخرى هناك.
فما الذي حرك السياسة البريطانية عام 1906 لإثارة مسألة العقبة وجعلها مسألة دوليه وما الذي دفعها لكي تفرض إرادتها فرضا على الدولة صاحبة السيادة على مصر؟ أكانت تقرأ في عالم الغيب والشهادة تطورات ضرب فلسطين ومواقع قتال أم معارك الدردنيل عام1915؟ أما التقارير الرسمية والأوراق السريه فقد أظهرت للعيان أن خطط اقتحام المضايق وغاليبولي قد وضعتها قيادة البحر مع قيادة البر في سنة 1906 وهي السنة التي تمت فيها اتفاقات العقب بين مصر وإنجلتره من جانب والدولة العلية من جانب آخر، فهل كان هذا من قبيل المصادفة ليس إلا؟ لا أستطيع لذلك جواباً لأن للسياسة الأوروبية أسراراً وطلاسم أعجز عن فهمها.
مر كل هذا بذاكرتي بعد أن قدم اليهودي كتابه مجلداً تجليداً حسناً ومهدى إلى ممثل الدوله التي مهدت له الدراسة وسهلت له التنقل في ربوعها ليبحث مسألة علميه، وليساهم بقسط ضئيل من المعلومات والأبحاث عن أرض النقب، والنقب اسم متسع يشمل أجزاء من فلسطين وغيرها في نظره.
وتمر الأيام والسنوات تترى وتشاء الأقدار أن أعيش بمصر بعيداً عن الحياة العامه، فتهتز نفسي يوماً اهتزازاً قوياً، ذلك لأن الجرائد اليومية تنشر ضمن أخبارها برقيه من فلسطين تنبئ بان جماعات صهيونية زحفت على أرض النقب وأنشأت في بضع ساعات عشر مستعمرات يهودية في أماكن لم تكن مسكونة من قبل.
نعم نقلت العمال والزراع والسكان ومواد البناء والبيوت مفككه وآلات الزرع والأثاث على السيارات في ليله واحدة وأنشأت المستعمرات إنشاءً وأحكمت البناء ولم تقدر السلطات على الوقوف أمام هذه الحركة ولا ردها، ولم يكن هناك سكان لأن أراضي النقب غير عامرة، أما أهل البلاد وأصحابها فكانوا في نوم عميق.
هنا انتبهت وعدت إلى حملة ارناط أطلب الوحي منها. ألم ينقل المراكب والسفن مفككه على الجمال؟ ألم يحط مشروعه بالكتمان ليبرز عنصر المفاجأة والمخاطرة، ألم يكن سريعاً في تصميمه وتنفيذ أغراضه. ولكن جاء رد الملك سريعاً وحاسماً، لم يحجم ويتردد، لم يستشر ولم يترك الوقت يغالبه بل انشأ الأسطول ودفعه إلى البحر، وجاء بالحاجب لؤلؤ وكان مضفراً وشجاعاً ومجداً فاخذ الأمر بالمفاجأة والمخاطرة والأقدام وكتب للمسلمين صفحه من المجد.
فأين عمله من عملنا اليوم ونحن إذا رصفنا بين مصر والعباسة أمضينا الشهور والسنوات وغيرنا يقيم عشر مستعمرات في ليله واحدة؟.
رأس النقب يعمر وخليج العقبة تعود إليه الحياة، إنها لكبيره على النفس لأن صفحه جديده من العراك والتصادم تبدأ، لو كنا أحياء نشعر بالإعصار القادم علينا.
إذا أردت أن تعرف بالضبط مدى هذه الصيحة، أفتح خريطة لهذه المنطقة تجد حدود أربع دول تتلاقى في بقعه واحدة هي نهاية خليج العقبة، وتبدأ حدود مصر من (طابة) وهي مع فلسطين لا يشاركهما فيها أحد، أي إذا أردت الذهاب لشرق الأردن أو الحجاز أو نجد، يجب أن تمر بالممر الفلسطيني وهو مثل ممر دانتزيج المشهور، وبهذا الممر تتصل فلسطين لأول مره في التاريخ مع المحيط الهندي وأستراليا بدون أن تحتاج لقناة السويس. ماذا يخبئه لنا هذا الاتصال وماذا سيكون من أثر هذا الممر الأرضي؟ أشياء كثيرة سيعرفها الأبناء والأحفاد قبل أن يلمسها الأحياء الآن لاهون بأنفسهم وأطماعهم أما من الناحية الأخرى فهنالك تتلاقى حدود مملكتين هما العربية السعودية وشرق الأردن، وتقع مدينة العقبة في داخل حدود الثانية.
لننظر الآن ماذا يقول القدماء عن العقبة: هي عقبة ايله وهي مدينه بين الفسطاط ومكة على شاطئ البحر تعد في بلاد الشام وهي جليلة بها مجتمع حاج الفسطاط والشام. وورد عن أيله في قاموس الكتاب المقدس أنا فرضه شهيرة في أرض أدوم على الشاطئ الشرقي من الخليج، مر بها بنو إسرائيل وكانت ذات شأن في زمن سليمان والأرجح أن داود تغلب عليها ثم استرجعها أهل أدوم. ونقل المقريزي في خططه أنها (كانت حد مملكة الروم وعلى ميل منها باب معقود لقيصر وكان بها قوة مسلحة يأخذون المكس، وكانت في الإسلام منزلاً لبني أميه وأكثرهم موالي عثمان بن عفان وكانوا سقاة للحج، وكان بها علم كثير وآداب ومتاجر وأسواق عامرة وهي كثيرة النخل)، وقال عن العقبة (لا يصعد أليها من هو راكب، ولذلك أصلحها فائق مولي خمارويه بن أحمد بن طولون ومهد الطرق إليها)، وعرض في خططه الحوادث التي نحن بصددها أي إلى حملة البرنس أرناط بتفصيل أعم مما ذكره في السلوك فقال نقلاً عن القاضي الفاضل: (في سنة 566 أنشأ صلاح الدين مراكب مفصله وحملها على الجمال وسار بها من القاهرة في عسكر كبير لمحاربة (أيله) وكان الإفرنج قد ملكوها وامتنعوا بها فنازلها في ربيع الأول وأقام المراكب وأصلحها وطرحها في البحر وشحنها بالمقاتلة والأسلحة وضيق عليها الحصار في البحر حتى فتحها ثم أسكن فيها جماعه من ثقاته وقواهم بما يحتاجون إليه من سلاح وغيره وعاد إلى القاهرة) وعن القاضي الفاضل أيضاً (في سنة 577 وصل كتاب من نائب القلعة أن المراكب على تحفظ وخوف شديد من الإفرنج إذ وصل البرنس (يقصد ارناط صاحب الكرك) وسير عسكرة إلى ناحية تبوك، وربط جانب الشام لخوفه من عسكر يأتي لمحاربته من مصر) وإنما سقنا كل هذه الإشارات ووضعنا في وسط كلامنا ماسجلته المراجع لكي نثبت للقارئ المتيقظ الذي يهمه أمر مصر والبلاد العربية ومستقبل الأجيال القادمة شيئاً واحداً: هو أن خليج العقبة ورأسه حيث ملتقى الحدود الأربعة كان موقعاً استراتيجياً مهماً جداً يؤثر في عوامل التاريخ وبناء الممالك وفي حفظ الحدود وسوق الجيوش في الجاهلية وفي الإسلام وقد ظهرت خطورته في الحروب الصليبية وكاد أن يكون ضياع هذا الركن حاسماً لولا أن قيض الله للمسلمين الملك القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي، الذي عرف في الوقت المناسب أن يسد هذا الخرق ويحفظ هذا الثغر ويقي البلاد من عبث (أرناط) وأخطار رجاله.
ونعلم الآن أن هذا الموقع لم يكن مجمع الحاج من مصر والشام فحسب بل كان أكثر من هذا كان طريق الاتصال الوحيد بين مصر والشام حينما انقطع الطريق المعتاد بينهما بتهديد الصليبيين وأنه لولاه لتعذر على شيركوه وابن أخيه صلاح الدين إنقاذ مصر، ولولاه لتعذر على جند مصر الحصول على شرف القتال بمعارك فلسطين والشام. وإذا قلت أن طريق البحر كان مفتوحاً بين مصر والحجاز فلدينا وصف شامل عن رحلة ابن جبير الأندلسي من القاهرة لجدة ومالقيه من المتاعب في طريق البر والصحراء وطريق البحر من عيذاب وما تعرض من أخطار. فنحن أمام موقع هام من مواقع التاريخ يستدعى أن تتلاقى الحدود بشكل يسمح باجتماعها في نقطه واحدة. وتنحدر من الماضي إلى العصر الحاضر وأهم مظاهر الدنيا هي الحروب، فقد ذكرت المؤلفات الرسمية التي نشرتها وزارة الحربية البريطانية عن تاريخ الحرب العظمى الأولى طبعة 1928 ما يأتي (لقد أصبح من المحتم بعد نشوب معركتي غزه الأولى والثانية مارس وأبريل سنة 1917، احتلال العقبة، وقد تم ذلك بواسطة لورنس في يوليو 1917، وباحتلالها مهد الأسطول في جعلها قاعدة حربيه ومركزا عسكرياً ممتازاً ساعد كثيراً في تهيئة وأعداد العمليات الحربية التي سندت ميمنة جيش اللنيي في قتاله مع الأتراك) ولبيان ذلك نرجع إلى ما كتبه حاكم القدس السابق (سنورس) فقد قرر (أن فترة الجمود التي سادت الجزيرة قد انتهت باحتلال العقبة التي أخذت مكان رابغ والوجه، وجاءت الحرب العظمى الثانية فإذا بخليج العقبة من أحسن الأماكن أماناً لتفريغ العتاد الأمريكي والمؤن والذخائر لبعده عن غارات الطائرات، وكان أن أنشأت السلطات العسكرية البريطانية خطاً حديدياً إضافياً يبدأ من مدينة معان وهي على الخط الحديدي الحجازي ويتجه إلى الجنوب مشرقاً حتى ينتهي إلى رأس النقب. ومن هناك نظراً للانحدار الشديد تعذر أن يصل القطار إلى البحر فاكتفى بإنشاء طريق معبد للسيارات أنتهى إلى ثغر العقبة
هذه كلمه أولى عن المنطقة الواقعة على رأس خليج العقبة وهي في الوقت نفسه رأس النقب إذا أطلقنا هذا الاسم على الشكل المخروطي الذي يبدأ عريضاً من الشمال ويتقارب كلما انحدر جنوباً وهو الجزء من فلسطين الواقع بين حدود مصر وحدود شرق الأردن والذي صمم الصهيونيون على استعماره واستغلاله للوصول إلى البحر الأحمر، وهم يتحدون بعملهم التاريخ والطبيعة والأقطار العربية. فما الذي أعددناه لمواجهة هذا النشاط الإنشائي؟
تبدو لي دائماً الحركة الصهيونية لأنها تحاول أن تأخذ شكلاً توسعياً جارفاً، ولكني مع هذا ألمس أنها تسير وئيداً بخطوات منظمة ومتصلة وهي حركة خطيرة لأنها لا تحمل طابع الغرور والإدعاء ولا تعتمد على الغراء والزخرفة والتشويق وإنما على الوسع والطاقة والعلم والتنظيم، وتمر الأيام فإذا بخبر من رأس خليج العقبة ينبئ بان أول منظمة يهودية لصيد الأسماك قد ظهرت على شاطئ البحر الأحمر وستكون بعد هذه الخطوة خطوات. فماذا أعددنا للعمل في هذه الناحية؟ وهل المياه الإقليمية لمصر والمملكة السعودية محروسة؟ وما هي القوه التي تحرسها في خليج العقبة في الوقت الذي تمر به أكبر الحوادث في مستقبل العالم العربي؟ لا أعرف شيئاً عن اجتماعات العرب واتجاهات الجامعة فأنا بعيد عن الحاضر أعيش في التاريخ، ولذلك انقل من كتاب بعث به السلطان صلاح الدين إلى أخيه من الأسرى الذين أتى بهم لؤلؤ إذ قال (هؤلاء الاسارى قد ظهروا على عورة الإسلام وكشفوها، وتطرقوا بلاد القبلة وتطوفوها، ولو جرى في ذلك سبب والعياذ بالله لضاقت الأعذار إلى الله والخلق وانطلقت الألسن بالمذمة في الغرب والشرق) وتقدم الشعراء بمدح الحاجب لؤلؤ فمن ذلك قول أبي الحسن ابن الدروي.
مرّ يوم من الزمان عجيب ... كاد يبدي فيه السرور الجماد
إذ أتى الحاجب الأجل بأسرى ... قرنتّهم في طيهّا الأصفاد
بِجِمالِ كأنهن جبالٌ ... وعلوج كأنهم أطواد
قلت بعد التكبير لما تبدّي ... هكذا هكذا يكون الجهاد
حبذا لؤلؤ يصيد الأعادي ... وسواه من اللآلى يصاد
وهو شعر كما ترى يتفق مع حالنا اليوم في البيت الأخير.
أحمد رمزي