مجلة الرسالة/العدد 715/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 715/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 715
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 17 - 03 - 1947



روائع الفن العالمي:

يقول (جيبو) في كتابه (علم الجمال): لا يخلد من إلياذة هوميروس إلا صلاة عجوز وابتسامة وداع بين زوجين. . .

ويقول (رومان رولان): لا شئ يؤثر على النفس تأثير تحفة فنية صاغتها يد فنان وكونها حذقه وتفكيره، فإذا سمع المرء إيقاع (بيتهوفن) الموسيقي أو تأمل لوحة من لوحات (رامبرانت) نسي ذاته وذابت أنانيته وشاهد الطيبة تتدفق من تلك القلوب الكبيرة ولمع في ناظريه شعاع ذكائهم. . .

ذكرت هذا الكلام وأحسسته في نفسي وأنا أنقل النظر والفكر من لوحة إلى لوحة في المعرض الدولي للفن الحديث الذي أقيم بالسراي الكبرى بالجزيرة وتفضل جلالة الملك بافتتاحه يوم الأحد الماضي وشاهده كثير من رجالات الدولة وكبرائها، ومحبي الفنون وهواتها.

وقفت أول ما وقفت في القسم المصري بالمعرض فاستغرقني التأمل في كثير من اللوحات الخالدة، أعجبني (الفرسان الثلاثة) لمحمد حسن بك و (بنات البحر) للأستاذ محمد سعيد و (الذكر) لمحمود سعيد بك، وهكذا أخذت أتأمل جميع المعروضات المختلفة في هذا القسم للمرحوم المثال مختار والمرحوم سحاب ألماظ والأساتذة جابر وأحمد عثمان وسعيد الصدر والسيدة إيمي نمر، ولكني أعجبت إعجاباً خاصاً بذلك الاتجاه الشعبي الذي اتجه إليه الأستاذ محمد مصطفى عزت في لوحته (قهوة بلدي في خان الخليلي)، وفي صورته الرائعة (نهر النيل)، وقد بلغني أن هذه الصورة الرائعة حظيت بالرضا السامي من جلالة الملك فأثنى على صاحبها ولا عجب أن تتجه عواطف ملك النيل وراعيه إلى (النيل).

وانتقلت بعد ذلك إلى القسم الفرنسي فشاهدت ما ضم من أعمال فنية رائعة في الرسم والنحت، وقطع نادرة من السجاد والتحف والنقوش وكلها تنطق بالشعر والجمال.

وفي القسم البريطاني شاهدت مجموعة من المطبوعات الملونة يرجع تاريخها إلى القرن التاسع عشر، وأربعين لوحة تصور عدة مناظر مختلفة وأكثرها مناظر علمية واقعية وهي الروح التي تسيطر على الفن الإنجليزي.

أما في القسم الروسي فقد استوقف نظري صورة البطولة (ثلاثة أبطال من التاريخ) و (أغنية البطولة) و (سباق)، أليست هذه الصور صورة تمثل روسيا في بطولتها وفي سباقها أصدق تمثيل. . .

وكان آخر المطاف بالقسم الأمريكي، وفي هذا القسم عرضت المجموعة التاريخية الفنية لجمعية الفنون الدولية وهي تشتمل على ستين صورة أمريكية يرجع تاريخها إلى القرنين التاسع عشر والعشرين. وكلها من أروع ما أخرج الفنانون الأمريكيون

قال صاحبي بعد أن انتهينا من مطافنا: أنظر. إن الفن بقوته وروعته يعلو على جميع الأطماع الإنسانية ويحطم جميع الفوارق، ألا ترانا هنا نوزع إعجابنا على المصري والإنجليزي والفرنسي والروسي والأمريكي من غير تفريق ولا تحيز، ولكنا لا نحتمل هذا ولا نستسيغه في المجال السياسي والزحام الدولي.

في معرض الآثار العربية:

وأقامت دار الآثار العربية معرضاً افتتحه معالي وزير المعارف في الأسبوع المنصرم وحضره كثيرون من هواة الآثار الفنية والمعنيين بالدراسات التاريخية والأثرية والأدبية، وقد عرضت الدار في هذا المعرض أكثر من مائة وخمسين قطعة لا يعرف تاريخها بالضبط ولهذا سمتها الدار بالآثار غير المعروفة وإن كان من المرجح أن أقدمها لا يسبق في وجوده القرن التاسع الميلادي كما أن أحدثها لا يتجاوز القرن الخامس عشر.

وتشتمل هذه المعروضات على حلي من الذهب الخالص وقطع من القاشاني الفارسي الجميل والزخرف المزوق ونسائج من الصوف البديع وغير ذلك من الزجاج المضيء والصور التي تؤرخ عصرها بما تحمل من طابع الذوق والفن. ومن أروع ما شاهدت مجموعة أثرية نادرة من مختلف القطع كان المغفور له علي إبراهيم باشا قد أوصى بعرضها قبل وفاته بأيام

ولقد شاهدت هذا المعرض، وقضيت ساعة كاملة أتفحص ما فيه من القطع الأثرية الغالية النادرة ثم خرجت وكأني قد استوعبت كتاباً ممتعاً في تاريخ الحضارة الإسلامية، بل لقد تمثل لي فيما شاهدت متعة فنية وفائدة عقلية مما لا يمكن أن يتمثل في قراءة أي كتاب، ذلك لأن الآثار تحمل طابع الذوق وطابع العقل.

على أن مما يؤسف له أن هذا المعرض وأمثاله لا يستلفت في مصر إلا أنظار الهواة لهذا الفن، أعني عشاق الآثار والتحف القديمة، مع أنه معرض ثقافي يجب أن يهتم به طلاب الثقافة من كل لون، وهذا يرجع إلى ضعف الاهتمام بهذه الناحية في مدارسنا وفي دراساتنا، بل إن وزارة المعارف نفسها لا تزال تنظر إلى هذه الناحية على أنها من مظاهر الكمال كما يقولون فلا تبذل لها من العناية والاهتمام ما يجب، أليس من المؤلم أن تضيق دار الآثار العربية منذ سنوات بمحتوياتها، وترتفع بذلك الشكوى إثر الشكوى ولكن لا سميع ولا مجيب، وكأن الأمر لا يعني وزارة المعارف في كثير ولا قليل. . . حقاً إنها حال تدعو إلى الأسف. . .

ذكرى الأستاذ الأكبر مصطفى عبد الرزاق:

تألفت لجنة برياسة الأستاذ الكبير أحمد لطفي السيد باشا لتخليد ذكرى المغفور له الشيخ مصطفى عبد الرزاق، وقد أهابت هذه اللجنة بأصدقاء الفقيد وتلامذته ومريديه والمخلصين للدراسة والبحث العلمي أن يسهموا في مساعدة اللجنة على إنشاء جائزة باسم الفقيد الكريم لتشجيع الدراسات الإسلامية في مصر.

وإنها لفكرة طيبة، نرجو أن لا تكون نخوة يثيرها الحزن على فقد ذلك الإمام ثم تخبو شأن فكرات لها مماثلة، كما نرجو أن تنهض هذه اللجنة بما يجب نحو ذكرى الفقيد من جمع آثاره ونشرها وإذاعتها إلى جانب ما تهتم له بإنشاء تلك الجائزة العلمية، ونحن نعرف أن الشيخ مصطفى عبد الرزاق قد أنفق حياته الحافلة للصالح العام، فخدم الأزهر، وخدم الجامعة، وخدم الوزارة، وخدم في ميدان الثقافة العامة، كما خدم في هيئة سياسية لها مكانتها، فهل لهذه الجهات أن تجتمع كلها ظهرة واحدة على تخليد ذكراه وإحياء تراثه وإذاعته؟ إنها لو فعلت ستؤدي شيئاً له قيمته وخطره، وستنهض بالواجب على أتم ما يكون الواجب، ولكن هيهات، فإن شعورنا نحو من نفقد من رجالنا يتضاءل بمرور الأيام، ورحم الله شوقي إذ يقول:

يزار كثيراً، فدون الكثير ... فغباً، فينسى، كأن لم يزر

شعور كريم: نهض جماعة من تلامذة الأب الكرملي ومريديه الذين انتفعوا بعلمه واغترفوا من بحره لتخليد ذكرى أستاذهم وشيخهم فرأوا أن خير سبيل في ذلك هو إحياء تراثه ونشر كل ما يعرفون من آثاره، وخاصة ما ترك من مؤلفات لم تطبع، وما كتب من مقالات لم تظهر، على أن يضيفوا إلى هذا كل ما كتبه الكاتبون عن ذلك الباحث العظيم الذي خسرته اللغة العربية وخسره العلم والأدب.

ويقولون إن مثل هذه الآثار التي تعدها الجماعة للنشر (رسائل) تبودلت بين المغفور له أحمد تيمور باشا والأب الكرملي، وهي رسائل تدور على مناقشات وتحقيقات في اللغة والأدب والتاريخ ويقوم بطبع هذه الرسائل والتعليق عليها الأستاذان كوركيس عواد وميخائيل عواد وهما من تلامذة الفقيد وخاصته.

وإلى جانب هذا تهتم لجنة التأليف والترجمة والنشر في وزارة المعارف العراقية بإخراج مؤلفات الفقيد وطبعها طبعاً محققاً مصححاً حتى يعم النفع بها من جهة، ويكون إخراجها براً بذكرى الكرملي من جهة أخرى.

وهذا شعور كريم، وعمل خير وبر، خير حيث يتيسر الانتفاع بتلك الآثار الجليلة، وبر لأنه دلالة وفاء لذكرى رجل وقف حياته على خدمة العلم، ويا حبذا لو نهجنا هذا النهج في إحياء ذكرى أدبائنا وعلمائنا بأن نحرص على آثارهم من الضياع، ونضن بمخلفاتهم أن تباع، وأن نقوم بطبع كل ما تركوه من مؤلفات، وإذاعة ما أبدوا من آراء وتحقيقات، فإن هذا كله أجدى وأنفع من تلك الحفلات التقليدية التي نقيمها، وتلك الخطب (التأبينية) التي نتفضل عليهم بها، وهي خطب لا نفع بها للأحياء ولا بر فيها بالأموات.

ذكرى اليازجي:

احتفلت لبنان في الأسبوع الماضي بذكرى مرور مائة عام على مولد الشيخ إبراهيم اليازجي، وأذاعت محطة الإذاعة هناك بهذه المناسبة برنامجاً حافلاً اشترك فيه كبار الأدباء والشعراء وفي طليعتهم الشاعر الكبير شبلي ملاط بك إذ ألقى قصيدة عامرة صور فيها عصر اليازجي وحظه في عصره أقوى تصوير وأروعه.

وإن مما يؤسف له أن تمر هذه الذكرى فلا يشعر بها أديب أو شاعر في مصر، ولا تهتم الإذاعة المصرية عندنا بأن تصنع فيها شيئاً مما صنعته زميلتها في لبنان، مع أن ذكرى اليازجي دين في عنقنا، وواجب يفرضه عرفان الجميل علينا.

حقاً، إن اليازجي قد نبت في لبنان، فكانت موطن مولده ونشأته، ولكنه جاء إلى مصر أديباً كبيراً وعالماً نحريراً فمنح مصر من أدبه وعلمه كل خير وبركة، إذ أصدر بها مجلة (البيان) ثم مجلة (الضياء)، وعني عناية خاصة بتصحيح أساليب الأدباء وتقويمها والتنبيه على الأخطاء الشائعة في لغة الصحفيين، وجمع هذا كله في كتاب سماه: (لغة الجرائد)، وكان الكاتب أو الشاعر في مصر لا يأخذ حظه من التقدير أو الاعتبار إلا إذا فاز بشهادة من اليازجي تزكيه في قومه، وقد ظل الرجل في مصر يفيد بعلمه وأدبه ويجاهد في خطته حتى أعياه الجهد ومات بداء السرطان في ضاحية الزيتون.

هذا هو اليازجي، عاش لمصر بعلمه وأدبه، فكان الواجب علينا أن نكون سباقين للقيام بالواجب نحو ذكراه. . .

جامعة القلم:

طالعت في الصحف أخيراً أن جماعة من الأدباء ورجال اللغة الذين خبروا تصحيح الكتب وتقويم الأساليب وشئون الطباعة قد تألفوا فيما بينهم وأسموا رابطتهم (جماعة القلم) واتخذوا لهم مكاناً وجعلوا من غايتهم مساعدة المؤلفين والناشرين والطابعين على إخراج المؤلفات مصححة مضبوطة محققة بما يضمن خلوها من أخطاء الصناعة وأخطاء الطباعة.

وقد أذاعت هذه الجماعة أو الجامعة كما تقول: أن الذي دفعها إلى هذه الغاية ما لمسته من كثرة الأغاليط والأخطاء في المؤلفات والمحاضرات والأغاني والأفلام والمقالات والرسائل التي تخدش اللغة وتحرف الكلم عن مواضعه وتضلل القراء وتهوي بقيمة المؤلفات وتسئ إلى سمعة مصر زعيمة الشرق، فرأت أن تنهض لتلافي هذا كله حتى تخرج المؤلفات خالية من الزلات بريئة من العثرات

ومهما يكن من شئ فإنها غاية حميدة ومهمة تقع موقعها من الحاجة، فإن المطبوعات الكثيرة التي تقذف بها المطابع في هذه الأيام تخرج مشحونة بالأخطاء والشناعات، وبما يضحك ويبكي من فنون الأغاليط، وذلك يرجع إما لعجز المؤلفين أو قصور الناشرين أو عجلة الطابعين، وشيوع الأخطاء في المؤلفات من أخطر الأخطار على الثقافة العامة لأنه يؤدي إلى شيوع اللحن وانحلال اللغة في الألسن وضعف ملكتها في الأذهان، ولكن ما جدوى هذا وقد أصبحنا في عصر يتظرف أبناؤه باللحن في اللغة، ويرون الحرص على صحيح التركيب وصواب اللفظ من دلائل الجمود والتأخر.

إننا نطالب بشيء أجدى من هذا، إننا نطالب وزارة المعارف بإنشاء رقابة لا تسمح بإخراج الكتب والمؤلفات إلا إذا استوفت شرائطها من سلامة الأسلوب وصواب الأداء وحينئذ يضطر المؤلفون والكاتبون إلى تحري الصواب فيما يكتبون.

الأستاذ ليفي بروفنسال:

قدم إلى مصر منذ أسبوع إجابة لدعوة جامعة فاروق الأول بالإسكندرية المستشرق الفرنسي المعروف الأستاذ ليفي بروفنسال لإلقاء سلسلة من المحاضرات الأدبية باللغة الفرنسية، وقد تقرر أن يلقي أربع محاضرات، ألقى الأولى منها فعلاً مساء يوم الخميس الماضي بقاعة المحاضرات بكلية الطب في جامعة فاروق الأول وكان موضوعها (الشعر العربي الكلاسيكي في إسبانيا)، ويلقي الثانية مساء الاثنين (اليوم) وموضوعها (الشعر العربي الشعبي في إسبانيا)، والثالثة في مساء الخميس القادم وموضوعها (العلاقة بين الشعر العربي الأندلسي والشعر الأوربي الوسيط)، أما الرابعة فسيتحدث فيها الأستاذ المحاضر عن (غرناطة الإسلامية وقصر الحمراء) وسيكون الموعد بإلقائها مساء السبت من الأسبوع القادم.

والأستاذ بروفنسال بقية من المستشرقين المخضرمين، وهو أحد الأعلام الذين أسهموا في إخراج وتحرير دائرة المعارف الإسلامية وله كثير من الدراسات الأدبية والتحقيقات التاريخية النافعة، وكل ما نرجو أن تعنى كلية الآداب في جامعة فاروق بتدوين تلك المحاضرات ونقلها إلى اللغة العربية حتى تكون مرجعاً يرجع إليه وينتفع به.

(الجاحظ)