مجلة الرسالة/العدد 715/صور من حياة الإنجليز الاجتماعية في اقرن الثامن
مجلة الرسالة/العدد 715/صور من حياة الإنجليز الاجتماعية في اقرن الثامن
عشر
للكاتب العظيم يوسف أديسون
بقلم الأستاذ علي محمد سرطاوي
1672 - 1719
حياة المؤلف:
(أتم دراسته في جامعة أكسفورد، متمكناً من اللاتينية تمكناً أثار إعجاب الشاعر دريدن، للقصائد الرائعة التي كان ينشرها بتلك اللغة. ونشر 1704 ملحمة بعنوان (كمباين) أي الحملة، أشاد فيها بالنصر العظيم الذي انتصره الإنجليز في معركة بلنهيم. وفي 1706 عين عضواً في مجلس النواب البريطاني فوزيراً للدولة. وسافر بعد ذلك إلى أيرلندا سكرتيراً لحاكمها العاماللورد ورتون. وكان صديقاً حميماً لرجال الأدب في عصره مثل ستيل، وسوفت وفي عام 1709 ابتدأ سلسلة مقالاته الاجتماعية والأدبية التي صور فيها حياة الإنجليز أتم تصوير، والتي ننقل عنها هذه الصور الاجتماعية، وأخذ ينشرها في صحيفة صديقه الحميم ريتشارد ستيل التي كانت تصدر باسم تتلر. وفي عام 1712 تعاون مع صديقه ستيل على إصدار صحيفتي السبكتاتور والغارديان. ولما عاد حزب الأحرار إلى الحكم عام 1715 عين سكرتيراً عاماً لأيرلندا وأصدر جريدته السياسية فري هولد. وفي عام 1716 عين مديراً للتجارة وتزوج من الكونتس وروك. وترك الخدمة العامة سنة 1718 براتب تقاعدي مقداره ألف وخمسمائة جنيه في العام وتوفي في السنة التالية ودفن في كنيسة وستمنستر مقر العظماء.
لقد رثاه شاعر وهجاه آخر بعد موته، وللرثاء والهجاء قصة نوجزها فيما يأتي: كان توماس تكيل يعيش في رعاية أديسون وكان يعطف عليه أشد العطف وقد تخرج في أكسفورد أيضاً. وكان الشاعر الكسندر بوب ينشر ترجمة الإلياذة، وكلما نشر فصلاً، أسرع تكيل إلى نشر الفصل ذاته من ترجمته في جرائد ستيل، فكان يجن بوب من ذلك ويفترض أ أديسون هو الذي يحرضه على ذلك. ولذلك كان الرثاء الموجع من الشاعر تيكل، والهجاء المقذع من بوب)
مباراة في التكشير:
أشرت في مقال سابق، إلى اقتراح قُدّم بإجراء مباريات بين الفنانين، وتخصيص الجوائز، تشجيعاً للإنتاج المحلي في الصناعات اليدوية بين الصناع البريطانيين؛ وقد أدهشني بعد ذلك الإعلان التالي في صحيفة بوست بوي في عدديها الصادرين في الحادي عشر من الشهر الجاري والخامس عشر من شهر أكتوبر التالي، (سيعطى إناء خزفي قيمته ستة جنيهات جائزة لسباق يقام في كولزهل من مقاطعة وروك شير بين الجياد الصافنات، وسيعطى إناء خزفي آخر، أقل قيمة من الأول، لسباق بين الحمير، وخصص خاتم ذهبي، لمباراة تقام في نفس اليوم بين الرجال في التكشير).
أما أولى هذه المباريات فقد تكون لها فائدة معقولة؛ وأما المباريات الأخريان، فلا أرى لهما فائدة معقولة. أما لماذا يريدون إقامة مباراة بين الحمير وأخرى بين الرجال في وروك شير، دون أي مكان في إنجلترا، فهو أمر لا أستطيع له فهماً وتعليلاً. لقد قرأت كثيراً عن الألعاب الأولمبية، فلم أجد فيها سباقاً للحمير أو مباراة للتكشير؛ ولكن مهما كانت الأسباب المؤدية إلى ذلك، فقد اتصل بعلمي أن مجموعات من الحمير تدرب ويسخى عليها في الطعام، وأن عدداً كبيراً من الرجال على بعد عشرة أميال من مكان المباراة - يقضي الواحد منهم الساعات أمام المرآة يمرن عضلات وجهه استعداداً لذلك اليوم العظيم.
لقد أثارت الجائزة المقترحة تنافساً كبيراً بين طبقات الشعب، حتى ليخشى أن تتشوه الوجوه، ويعرف الرجل أنه من وروك شير، بمجرد تكشيره. لقد كانت التفاحة الذهبية جائزة الجمال الساحر في الماضي، فأصبح الخاتم الذهبي جائزة تشويه ما ركب الخالق من جمال في الوجوه.
وإنه لمن دواعي الغبطة أن ألفت نظر الفنانين الهولنديين، إلى اغتنام هذه الفرصة لرسم مجموعة من الوجوه التي ستشترك في تلك المباراة العتيدة.
وتذكرني هذه المناسبة، بحديث اتصل بي من رجل قرأ الإعلان عن مسابقة التكشير التي نحن بصددها، فحدث أصحابه القصة التالية: حينما سقطت مدينة تامور، كان بين الاحتفالات الشعبية، مباراة في التكشير، على خاتم قدمه قاض من حزب الأحرار. وكان أول المتبارين رجل فرنسي، مرّ عرضاً بتلك المدينة، وخيل إليه أن نحافته وقبح وجهه، ربما كانا عوناً له على نيل الجائزة، فوضعت له منصة أمام الجمهور وطلب إليه أن يصعد إليها وأن يواجه الناس. وابتدأ يشد عضلات وجهه، ويديرها يمنة ويسرة، وقد استطاع أن يظهر عشرين سناً من أسنانه في التكشيرة الأولى؛ وسرت همسات الاستياء بين الناس مخافة أن يظفر هذا الأجنبي بشرف الجائزة، ولكن حسن الحظ أظهر أنه لا يجيد إلا التكشير المرح، فلذلك لم يظفر بالجائزة.
واعتلى المنصة بعده إنجليزي، يعتبر الأول في فن التكشير، فأجاد إجادة لا مزيد عليها، حتى لقد قيل إن عشرات من النساء الحبالى أجهضن، ولكن المحكمين أخبروا بأن الرجل يعقوبي (نسبة إلى أتباع الملك جيمس الثاني أو ابنه)، وساء الجمهور أن ينال رجل يخرج في عقيدته السياسية على العرف العام، وأن يصبح بطل التكشير في المقاطعة، فطلبوا إليه أن يقسم يمين الولاء للنظام الحاضر، فرفض وكان السرور عظيماً بإخراجه من بين المتبارين
وتقدم بعده للمنصة عشرات من المتبارين كان سوء الحظ حليفهم، ولست أنسى من بينهم فلاحاً يعيش في طرف ناء من المقاطعة، رزقه الله فكين طويلين، كشر بهما عن سحنة الشياطين نعوذ بالله منها. وقد أدهش الجمهور بمهارته في تكشيرة معقدة، وكادت الجائزة أن تعطى له لولا أن أحد المتبارين برهن للمحكمين على أنه استعمل الغش في المباراة؛ ذلك أنه قد مرن عضلات وجهه على نوع من عصير الفاكهة أكسب تلك العضلات هذا اللين العجيب، وأن حبة زعرور قد وجدت قريبة من مكان وقوفه، فوافق المحكمون على إخراجه باعتباره محتالاً.
وتقدم بعد هؤلاء إسكافي يدعى جيلز جورجون دلت المقدمات على أنه سيربح الجائزة لإظهاره ألواناً من التكشير، اخترعها، وهو يجاهد في رتق الأحذية. لقد ذهبت الملامح الإنسانية من وجهه في التكشيرة الأولى؛ وانقلب وجهه في الثانية إلى ما يشبه المزراب، وأصبح قرداً بشعاً في الثالثة، وأصبح رهيباً كذئب البحر في الرابعة، وككسارة اللوز في الخامسة، وكان إعجاب الجمهور عظيماً بمهارته فمنح بالإجماع الخاتم الذهبي. وأعجب ما يتصل بهذا الإسكافي ونيله الجائزة، أن فتاة ريفية جميلة طالما تودد إليها هذا الرجل فرفضته في الماضي، وما كانت تراه يتسلم الجائزة الثمينة بين إعجاب الجمهور وهتافه وتصفيقه حتى سارعت إليه تطلب وده، وتزوجا في الأسبوع التالي. وكان خاتم الخطبة تلك الجائزة التي تعتز وتباهي لداتها بها.
ليس في النية أن تنتهي هذه المقالة بأفكار جدية، إنما ألفت نظر المسؤولين عن إقامة هذه المباريات إلى الجرم الشنيع الذي يقترفونه في حق مواطنيهم بتشجيعهم مباريات حيوانية منحطة من هذا النوع، أقل ما يقال فيها أنها دعوة علنية إلى التشبه بالقردة والحيوانات؛ وأنهم يملئون رؤوس هؤلاء الجهلاء بطموح رخيص، بدلاً من الارتفاع بهم إلى مستوى تهذيبي يليق بالإنسان.
علي محمد سرطاوي