مجلة الرسالة/العدد 718/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 718/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 07 - 04 - 1947



نموت ولا نسلم

(تأليف الأستاذ عباس علام)

الأستاذ عباس علام أحد النابهين القلائل الذين أسهموا في بناء الأدب التمثيلي والقصصي في اللغة العربية، لا أقصد بذلك الذين ترجموا وآثروا النقل والاقتباس، وإنما أقصد الذين ألفوا وآثروا تصوير حياتنا الاجتماعية وما يتمثل فيها من المظاهر والميول والاتجاهات واستجابوا في هذا إلى مواهبهم الفطرية. وإلى غيرتهم القومية، وإلى رغبتهم في إصلاح الحياة الاجتماعية.

ويمتاز الأستاذ علام في معالجة هذا الفن بالفهم الدقيق للمجتمع المصري وما يتدافع فيه من التيارات. فهو خبير بهذا المجتمع حيث يبدو في الشارع، وفي المنزل، وفي النادي، وفي الصلات التي تقوم بين الناس في شتى النواحي المختلفة، ولهذا تجده إذ يقص عليك قصة من قصصه كأنه يروى لك حادثة شاهدتها ورأيتها. ولهذا تجده أيضاً في تلمس نواحي هذا المجتمع يضع إصبعه على موطن العلة ويمثلها لعينيك حقيقة واضحة، ويكفى له في هذا أنه استطاع أن يحمل الحكومة في يوم من الأيام على إصدار القانون الذي يحقق المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق الزوجية، وذلك تحت تأثير مسرحيته المعروفة (باسم القانون).

وهذا الكتاب الذي تقدمه اليوم إلى القراء (نموت ولا نسلم وقصص أخرى) يشتمل على عشر قصص من وضع الأستاذ علام وتأليفه، خمس منها في تصوير النواحي الوطنية، وخمس أخرى في معالجة النواحي الاجتماعية، وجميعها تحمل طابع كاتبها الفاضل من صفاء الروح وقرب الأسلوب وتسلسل الحوار وبراعة التصوير. ويظهر أن عناية الأستاذ الفاضل بالقصص المسرحي قد أثرت عليه في ذلك، فجميع قصصه في تسلسلها وتصويرها يمكن تحويلها إلى المسرح بأدنى جهد، وإنك لتقرأ القصة له فترى أشخاصا يتحركون ويتكلمون، وتتمثل لك صورة ناطقة لا ألفاظا جامدة ميتة على الورق، ولقد أحسن نجل المؤلف الفاضل إذ قام بتقديم هذه المجموعة من قصص والده إلى الطبع، واعدا بأن يتولى طبع جميع قصصه ومسرحياته وتقديمها إلى القراء، فإن هذا مظهر بر بالأبوة وبالأدب.

محمد فهمي عبد اللطيف

المربي

تمهيد في التصوف وأثر الأستاذ الكامل في تربية الروح

(تأليف الأستاذ حسن كامل الملطاوي)

ليس من ينكر من المنصفين أن الصوفية الحقيقيين كانوا من رواد المسلمين إلى المثل العليا، وكانوا في قضايا الحق والخير من العمال الأقوياء الأمناء. وتلك صحائفهم في كتب الجهاد لنشر الدين والفضيلة نضيرة مقروءة، ومناهجهم في تهذيب أتباعهم والتصاعد بهم في مدارج الرقي الروحي موصلة محمودة، وما زالت سيرهم بما تنضح به من إخلاص وإشراق وروحانية مناهل للواردين وذكرى للذاكرين.

بيد أنهم منوا في بعض مراحل تاريخهم بدخلاء حرموا المواهب الفكرية والروحانية والذوقية. فتعوضوا عنها بالتكبر على الناس والاستطالة، وجعلوا التصوف مجرد رسوم وإشارات، وأضافوا إليه شعبذات تردها الإسلامية ويجل عنها التصوف، شعبذات يقع أثرها في النفس تارة مضحكاً وتارة مبكيا.

وهكذا ذهبت في أهل الحقيقة الظنون مذاهب، ومزقتهم الأقاويل، وتطرف بعض الناس فرأوا التصوف الذي تهدف رسالته إلى إسعاد مظهراً من مظاهر الهبوط الاجتماعي!

وكان الظن بالمتعلمين أن يقبلوا على التصوف ليحسنوا العمل به كما أراده السابقون، ولسهموا في كشف الضباب الذي غلفه، فيعود نوره إلى الإشراق في القلوب فيملؤها سعادة وطمأنينة، ويعود بقوته الحقيقة إلى المجتمع الإنساني الذي مشى فيه لؤم الحياة، والذي أشقته المادة وبهظته الدنيات، فينقيه جميعا، ويوجد عالما مرتفعا قدسيا ولكنهم من أسف أعفو أنفسهم من الواجب، وقنعوا بإطلاق ألسنتهم بالثلم والهدم، بالحق وبالباطل

واليوم، نستنشي الرجاء من الشباب المثقف إذ نرى واحداً منهم وهو (الأستاذ حسن كامل الملطاوي) الذي تداولت كفايته الوظائف الطبية، يقدم لنا رسالته الجيدة في التصوف. والطريف أن المؤلف على ما لديه من ألوان الغذاء الصوفي المهضوم لم تتصل دراسته ولا عمله بشئ يمت إلى التصوف بصلة، فهو منذ عهد الطلب من المشتغلين بشؤون الاقتصاد والمال.

قال مؤلفنا في مقدمته لرسالته: (وقد جهل بعض الناس رسالة الصوفية فعابوهم وأنكروا عليهم مسلكهم ظلما وزورا أو جهلا وغرورا، ولا عجب فالناس أعداء ما جهلوا، فمن قائل إن الصوفية بدعة لا أصل لها في الدين، ومن قائل إن الصوفية قوم كسالى متواكلون، ومن قائل إنهم متشددون، وكل هذا بعيد عن الصواب، وسأحاول إن شاء الله أن أبين في هذه الرسالة على قصرها شيئا من فضل هؤلاء السادة الأماثل، ولعلي أبلغ من ذلك المراد من إعطاء الناشئة الإسلامية فكرة صحيحة عن الصوفية وما تدعو إليه وما تؤديه للإسلام من خدمات في تربية القلوب وإصلاح الأرواح. . .).

ونستطيع أن نطمئن الأستاذ إلى أنه بلغ المأمول، فرسالته على إيجازها تنقل إلى الأذهان والأرواح التي تجهل التصوف معاني متسامية تهزها وتبهرها وتفتحها. . .

تكلم المؤلف موفقا عن معنى الصوفية، ومتى، وكيف نشأت، ومم اشتق اسمها، وعرض لغايتها، ثم لخص محسنا قواعد التصوف، واستطرد إلى إيضاح سبل الصوفية في نشر مبادئهم، وأوضح كيف يختار المريد شيخه، ثم عقب بترجمة مناسبة لأستاذه ومسلكه (الشيخ عبد السلام الحلواني) رحمه الله.

والمؤلف في كتابته يورد عن السلف الصالح عبارات جذابة. وترجمته لشيخه تتأرجح بالوفاء والحب، وتستأهل الثناء الأوفى، فقليل الآن من المريدين من يشكر لصنيعه أستاذه وقليل منهم من يسقى المودة بينه وبين شيخه، وخاصة بعد أن يذهب هذا إلى العالم البعيد. عالم الموت.

والذي يلفتني في ترجمة الشيخ - وهي حافلة كلها بما بجدد في الأذهان ذكرى الأسلاف الأمجاد من الصوفية - مناقب يجب أن تكون من ألمع مناقب المربين الصوفيين. . . تلك هي: استغناؤه عن الناس، وتعففه عما في أيدي مريديه، وتواضعه لهم. . .

ولا جرم أن شيخا لا يستوفي هذا الشمائل، فلا يقيم الموازين لغير المال، ويعمل تحت ستار المشيخة شحاذا أو سلابا، ويلقى الناس في ترفع شامخ، هو أبعد ما يكون عن التصوف، بل هو أبرز مظهر للفساد الخطير الذي دب إلى الصوفية، والذي يضرع رجالها الصادقون إلى الله أن بهو ويبدل منه الروحانية والسمو.

والكلمة الختامية للمؤلف التي يناجي فيها شيخه ويشيد فيها بفضله هي بما فيها من حب صاف ووفاء خالص وعواطف حارة مؤثرة صلوات الشيخ الراحل الذي وقف على تربية الشباب عمر، والذي كان المؤلف من أقرب خلصائه.

وليس لدى ما آخذه على الرسالة سوى أن مؤلفها بما أوتى من طبع مشرق نقي وثروة في الثقافة الصوفية ضافية كان حقيقاً أن يطيل إمتاعنا بكتابته، لا سيما وأن أمامه منتدحاً كيراً للقول.

ولقد نشر المؤلف رسائل خاصة لأستاذه، وكنت أوثر لو صفيت هذه الرسائل من بعض أشياء لا يضار الجوهر من تصنيفها، بل لعل التصفية كانت تزيدها بروزاً وجملاً.

أما بعد، فالصوفية يطربون لهذه النفحة المباركة من المؤلف الصالح، ويعتزون بإقبال أمثاله على خدمة الدين والتصوف.

آجره الله ما فعل.

لبيب السعيد

نائب المشيخة البيومية بالدقهلية