مجلة الرسالة/العدد 719/نقل الأديب
مجلة الرسالة/العدد 719/نقل الأديب
للأستاذ محمد اسعاف النشاشيبي
914 - أتق شر من أحسنت إليه
كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، لإسماعيل بن محمد العجلوني:
(اتق شهر من أحسنت إليه) وفي لفظ من تحسن إليه. قال في الأصل: لا أعرفه، ويشبه أن يكون من كلام بعض السلف، قال: وليس على إطلاقه بل هو محمول على اللئام دون الكرام، ويشهد له ما في المجالسة للدينوري عن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه): الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا لطف. وعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ما وجدت لئيماً قط إلا قليل المروءة. وفي التنزيل: (وما نقموا منهم إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله).
وقال أبو عمرو بن العلاء يخاطب بعض أصحابه: كن من الكريم على حذر إذا أهنته، ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن العاقل إذا أحرجته، ومن الأحمق إذا رحمته، ومن المفاجر إذا عاشرته، وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك أو تسأل من لا يجيبك، أو تحدث من لا ينصت لك. . . وعن البيهقي في الشعب عن محمد بن حاتم المظفري قال: أتق شر من يصحبك لنائله، فإنه إذا انقطعت عنه لا يعذر، ولم يبال بما قال وقيل فيه.
915 - خلت الديار قسدت غير مسود!
قال أبن خلكان: كان أبو بكر محمد بن أحمد الشاشي المعروف بالمستظهري الملقب فخر الإسلام - فقيه وقته،. . . وانتهت إليه رياسة الطائفة الشافعية، وصنف تصانيف حسنة. . . وتولى التدريب بالمدرسة النظامية بمدينة بغداد سنة (504) إلى حين وفاته، وكان قد وليها قبله الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وأبو نصر أبن الصباغ صاحب (الشامل) وأبو سعيد المتولي صاحب (تتمة الإبانة) وأبو حامد الغزالي، فلما انقرضوا تولاها هو. وحكى لي بعض المشايخ من علماء المذهب إنه يوم ذكر الدرس وضع منديله على عينيه، وبكى كثيراً وهو على السدة التي جرت عادة المدرسين بالجلوس عليها، وأنشد: خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن العناء تفردي بالسؤدد
وجعل يردد هذا البي، وهو يبكي، وهذا إنصاف منه، واعتراف لمن تقدمه بالفضل والرجحان عليه.
916 - فوزر بلائهم أبداً عليه
تاريخ الطبري: لما قسم هارون الرشيد الأرض بين أولاده الثلاثة (محمد الأمين وعبد الله المأمون والقاسم المؤتمن بعد مبايعتهم) قال بعض العامة قد أحكم أمر الملك، وقال بعضهم: بل قد ألقى بأسهم بينهم، وعاقبة ما صنع في ذلك مخوفة على الرعية، وقالت الشعراء في ذلك فقال بعضهم.
أقول لغمة في النفس مني ... ودمع العين يطرد اطرادا
خذي للهول عدته بحزم ... ستلقي ما سيمنعك الرقادا
فإنك إن بقيت رأيت أمراً ... يطيل لك الكآبة والسهادا
رأى الملك المهذب شر رأي ... بقسمته الخلافة والبلادا
رأى به ليقطع عن بنيه ... خلافهم ويبتذلوا الودادا
فقد غرس العداوة غير آل ... وأورث شمل الفتهم بدادا
وألقح بينهم حرباً عواناً ... وسلس لاجتنابهم القيادا
فويل للرعية عن قليل ... لقد أهدى لها الكرب الشدادا
وألبسها بلاء غير فإن ... وألزمها التضعضع والفسادا
ستجري من دمائهم بحور ... زواخر لا يرون لها نفادا
فوزر بلائهم أبداً عليه ... أغياً كان ذلك أم رشادا
917 - مهما
الكشاف: (مهما) هي ما المضمنة معنى الجزاء، ضمنت إليها ما المزيدة المؤكدة للجزاء في قولك: متى ما يخرج أخرج، أينما تكونوا يدرككم الموت، فإما نذهبن بك، إلا أن الألف قلبت هاء استثقالا لتكرير المتجانسين، وهو المذهب السديد البصري. فإن قلت: ما محل مهما؟ قلت: الرفع بمعنى أيما شي تأتنا به، أو النصب بمعنى أيما شيء تحضرنا تأتنا به، و (من آية) تبيين لهما، والضميران في (به وبها) يرجعان إلى مهما؛ إلا أن أحدهما ذكر على اللفظ الثاني أنت على المعنى، لأنه في معنى الآية، ونحوه قول زهير:
ومهما يكن عند أمرئ من خليفة ... وإن خالها تخفي على الناس تعلم
وهذه الكلمة في عداد الكلمات التي يحرفها من لا يد له في علم العربية، فيضعها غير موضعها ويحسب مهما بمعنى متى ما، ويقول: مهما جئتني أعطيتك، وهذا من وضعه وليس من كلام واضع العربية في شيء، ثم يذهب فيفسر مهما تأتنا به من آية بمعنى الوقت، فليحد في آيات الله وهو لا يشعر، وهذا وأمثاله مما يوجب الجثو بين يدي الناظر في كتاب سيبويه.
918 - . . . ولكن أين من يصبر على أحكام العقل؟
رسالة الغفران للمعري: قد تجل الرجل حاذقاً في الصناعة بليغاً في النظر والحجة، فإذا رجع إلى الديانة ألفي كأنه غير مقتاد، وإنما يتبع ما يعتاد. . . ويلقن الطفل الناشئ ما سمعه من الأكابر، فيلبث معه في الدهر الغابر. والذين يسكنون في الصوامع، والمتعبدون في الجوامع، يأخذون ما هم عليه كنقل الخبر عن المختبر، لا يميزن في الصدق من الكذب لدى المعبر. فلو أن بعضهم ألقى الأسرة من المجوس لخرج مجوسياً، ومن الصابئة لأصبح لهم قريباً سياً. وإذا المجتهد نكب عن التقليد، فما يظفر بغير التبليد. وإذا المعقول جعل هادياً، نفع بريه صادياً، ولكن أين من يصبر على أحكام العقل، وبصقل فهمه أبلغ صقل؟ هيهات عدم ذلك في من تطلع عليه الشمس، ومن ضمنه من الرمم رمس، إلا أن يشذ رجل في الأمم، يخص من فضل يعمم. . .
919 - . . . فأبى وحمى أنفا وقائل متى قتل
أنساب الأشراف للبلاذري: قال عبد الملك يوماً لجلسائه: من أشد الناس؟ قالوا: أمير المؤمنين. قال: اسلكوا غير هذه الطريق. قالوا: عمير بن الحباب. قال: قبح الله عميراً، لص، ثوب ينازع عليه أعز عنده من نفسه ودينه. قالوا: فشبيب. قال إن للحرورية طريقاً. قالوا: فمن؟ قال: مصعب، كانت عنده عقيلتا قريش: سكينة بنت الحسين، وعائشة بيت طلحة، ثم هو أكثر الناس مالاً، جعلت له الأمان، وضمنت أن أولية العراق، وعلم أني سأفي له لصداقة كانت بيني وبينه، فأبى، وحمى أنفاً، وقاتل حتى قُتل. فقال رجل: كان يشرب الشراب، قال: ذاك قبل أن يطلب المروءة، فأما مذ طلبها فلو ظن أن الماء ينقص من مروءته ما ذاقه.