مجلة الرسالة/العدد 72/الشخصية

8 - الشخصية «مجلة الرسالة/العدد 72/الشخصية» للأستاذ محمد عطية الابراشي المفتش في وزارة المعارف (3) الشعور بالواجب: من الوسائل التي تساعد على التنفيذ، وعلى تقوية الشخصية العملية، تلك الصفة الحية وهي الشعور بالواجب، وإجابة نداء الضمير؛ فالإنسان حينما يشعر بوازع نفسي بأنه يجب عليه أن يفعل كذا، أو بأنه يجب عليه ألا يفعل كذا، فان هذا الشعور وحده يرمي إلى مغزى خلقي، ويستدعي نشاطاً عقلياً لفعل الشيء أو محاربته، فهو بمثابة مؤثر داخلي يؤثر فيه تأثيراً قوياً. وإن إجابة هذا المؤثر أو الباعث النفسي خير كفيل لاستنهاض الهمة، ومضاعفة العزيمة. قال (إمرسون) إن الإنسان إذا استحثه الواجب لأن يقوم بعملٍ ما، قام به) وليس الشعور بالواجب أو تلبية نداء الضمير، أو الصوت الداخلي، مقصوراً على طبقة دون الأخرى، ولا على جيل من الأجيال، ولا سن من الأسنان. وإذا تذكرنا أن الشعور بالواجب يتضمن حكم النفس وضبطها، أمكننا أن ندرك العلاقة بين شخصية وبين الشعور بالواجب وإجابة الداعي النفسي؛ ففي كل أمر من أمور الحياة نجد أن هدوء البال، وراحة الضمير، والاطمئنان، والجمال - ثمرة من ثمرات الطاعة، ومراعاة القوانين العلمية والفنية. وإننا إذا بحثنا في تاريخ العظماء والأدباء والفنانين، وجدنا أن ذوي الشخصيات الخالدة (في التاريخ) كانوا من ذوي الضمائر الحية الحساسة، الذين يجيبون نداء الضمير، ويصغون إلى صوت الله فيهتدون بهديه، وكانوا يحسون بالواجب فيقومون به، ويعملون على تنفيذه. وكثيراً ما يكون الضمير الحي والشعور بالواجب سبباً في إنقاذ الإنسان من صروف الحياة، ومن السقوط إلى الهاوية فلا يكون فريسة للنفس الشريرة. فكل إنسان تفتح أمامه السبل المختلفة، ولكن الروح الطاهرة لا تفكر إلا في الطرق الشريفة السامية، أما الروح الدنيئة فلا تنظر إلا إلى الطرق الدنيئة، ومعظم الناس يسلكون طريقاً وسطاً. وإن الشعور بالواجب، وحب الفضيلة، والتمسك بالخير تكسب الشخص قوة وروعة ووقاراً، وتبعث في نفسه الحياة، وتقوده إلى الطريق السوي، وتعوده الصبر والمثابرة، وتقوي الإرادة، وهي التربة الصالحة التي فيها تنمو وتثمر الشخصية القوية الغنية. (4) قوة الوازع الديني: إننا في البحث في الشخصية الإنسانية لا يمكننا أن ننسى الدين وأثره، والوازع الديني وقوة تأثيره في حياة الإنسان، فكثيراً ما يواجه الإنسان بأزمات وشدائد لا قبل له بها، ولولا الثقة بالله والإيمان به لجزع، وتملكه اليأس، واستولت عليه الهموم من كل جانب. ولكن الوازع الديني هو الذي ينتشله من وهدة القنوط، ويبعث في نفسه، ويحييه من يأسه، وينير الطريق أمامه بعد أن كان مظلماً، ويهديه بعد الضلال، ويسليه عند الشدة. فالعنصر الوجداني قوي في العقيدة الدينية، وهو يستحث الشخص في أداء الواجب، وإرضاء الضمير، والصبر، والمثابرة، ويوحي إليه بفعل الخير واجتناب الشر، ويدعوه إلى الحركة والعمل في الحياة، ويرشده، فيعمل الإنسان العمل وكله أمل وثقة بالله، يؤدي واجبه ويترك النتيجة لله، لا يفكر في الماضي؛ لأنه قد فات. وينظر في الحاضر، ويترك المستقبل لله يفعل ما يشاء. وبهذه الوسيلة يهدأ باله، ويطمئن خاطره، وتقوى شخصيته، ويكون سعيداً في الحياة. والإنسان عادة يطمئن إلى رجال الدين والمتدينين الذين يثقون بالله تمام الثقة، ويفعلون ما يفعلون ابتغاء مرضاة الله. أما الرجل الذي لا دين له فلا ضمير له، ولا يمكنك أن تطمئن إليه. ومعظم المصلحين في العالم كان الوازع لهم في الإصلاح دينياً، أمثال الأنبياء والخلفاء والأئمة من المسلمين، وهليل والرباني (عقيبة) من الإسرائيليين، ومارتن لوثر، وكارليل، ورسكن من المسيحيين. فالوازع الديني هو الذي أمدهم بثروة في العقل، وقوة في الروح، وعظمة في الخلق، فأثروا في جيلهم، وفي الأجيال التي أتت من بعدهم. ولسنا اليوم في حاجة إلى رجال يقومون بالواجب فحسب، ولكننا في حاجة إلى رجال يمكنهم أن يحثوا غيرهم على القيام به. الخلاصة: وصفوة القول أننا في الشخصية العملية نحتاج إلى ما يأتي: 1 - أن يكون لنا غرض معين في الحياة، نعمل للوصول إليه بحيث نعتمد على أنفسنا ولا نكون صدى الأصوات غيرنا فنكرر ما يقولون ونفعل ما يفعلون، ولا نتأثر بهؤلاء المترددين الذين لا يعرفون لهم غرضاً في الحياة، ولا يثبتون على حال، ولا نشغل أنفسنا بكثير من المشروعات التي لا يمكن تنفيذها، بل بمشروع واحد في وقت واحد، ثم نعمل على إجادته وتنفيذه، ثم الابتداء بغيره وهكذا. 2 - أن يكون لدينا حب شديد لأعمالنا، ورغبة كبيرة في تكملتها، ونعمل على أن لا نفقد تلك الرغبة في تهذيبها ومضاعفتها. 3 - الشعور بالواجب والقيام به في الحال على أكمل وجه، فلا نؤخر عمل اليوم إلى الغد، ولا نفكر فيما سنحصل عليه من الجزاء عند القيام بالعمل، بل نجعل الجزاء أمراً ثانوياً، ونؤدي العمل لا لشيء إلا لأنه يجب أن يؤدى، ونثق بغيرنا كما نثق بأنفسنا، ولا نهزأ بالمثل العليا التي يتخذها سوانا. 4 - قوة الوازع الديني مع التمسك بالدين، بحيث لا نفكر في الماضي، ونعمل على انتفاع بالحاضر، ونقوم بواجبنا كما ينبغي، ونترك المستقبل لله. وبهذه الوسيلة نستريح وتستريح نفوسنا. (تم البحث) محمد عطية الابراشي