مجلة الرسالة/العدد 72/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 72/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 19 - 11 - 1934



الثورة العربية الكبرى

تاريخ مفصل جامع للقضية العربية في ربع قرن

تأليف الأستاذ أمين سعيد

هذا كتاب كبير يقع في ثلاثة مجلدات تبلغ في مجموعها ما يقرب من ألف وأربعمائة صفحة من القطع الكبير، وهو في وضعه الحالي يعتبر مرجعاً عظيماً للثورة العربية القومية منذ قيامها عقب الانقلاب العثماني 1908 إلى الوقت الحاضر. خشي المؤلف الفاضل الأستاذ أمين سعيد كما ذكر في مقدمة كتابه النفيس أن تنسى الثورة العربية وما تخللها من حركات وما أكتنفها من ملابسات (فتضيع معالمها وتطمس آثارها ويتعذر التأليف فيها فلا يجد الكاتبون العرب في المستقبل سوى رسائل مبعثرة أو مقالات منثورة أو كتب ألفت باللغات الأجنبية وقد وضعها واضعوها لخدمة غاية معينة).

لذلك تراه يضطلع بهذا العمل على ما فيه من صعوبات؛ فلابد له أن يدعم آراءه بالحجج والبراهين، وأن يسند براهينه بالوثائق والمستندات، وهذا كله مما لا يسهل جمعه وترتيبه. ولكن القارئ حين يتناول هذا السفر الجليل يحس بالدهشة لكثرة ما احتوى عليه من الوثائق والبيانات، هذا إلى ما حواه من الصور المتنوعة للأشخاص والحوادث.

ولقد قسم الأستاذ المؤلف كتابه تقسيماً جيداً فجعل المجلد الأول للنضال بين العرب والترك، يضم حوادث الفترة الممتدة من إعلان الدستور العثماني عام 1908 حتى قيام الحكومة الفيصلية في دمشق عام 1918، وجعل المجلد الثاني لتاريخ الحكومة الفيصلية من قيامها حتى سقوطها؛ ولقد أفرد به جزءاً كبيراً للثورة العراقية الكبرى وأدوارها مبيناً عوامل الثورة ومقدماتها وحروب الإنكليز في العراق والتصادم بينهم وبين الترك وما ترتب على هذا كله مع جلاء الحوادث والاهتمام بالتفاصيل كمن رآها رأي العين. أما المجلد الثالث فقد جعله لتاريخ القضية في الفترة الممتدة من عام 1921 إلى عام 1934، أورد فيه وصفاً وافياً لتاريخ إمارة شرق الأردن مع شرح القضية الفلسطينية والوطن القومي اليهودي وبيان أخبار الثورة السورية في اتصالها السياسي الداخلي بين السوريين والفرنسيين.

بذلك ترى هذا الكتاب الكبير قد اشتمل على عدة حركات قومية يتوق أبناء الشرق العربي إلى الوقوف عليها. ولعل من أعظم فوائد هذا الكتاب، أنه في طريقته المفصلة التي سار عليها، يعطي القارئ العربي فرصة نادرة ليقارن بين ما يسمعه من أحد أبناء الثورة وبين ما يشيعه عنها خصومها. هذا إلى أنه يكشف عن ناحية من نواحي نهوض الشرق عقب الحرب العظمى مبيناً إلى حد كبير وجهته وآماله.

ولقد راعى المؤلف الفاضل في كتابه التسلسل التاريخي للحوادث، وختم كل حلقة بملخص حلل فيه الحوادث تحليلاً مبيناً ما طرأ على القضية من تقدم أو تأخر.

وإني وإن كنت أرى اهتمامه بالتفاصيل الدقيقة وسرده الحوادث الكثيرة المتنوعة أكثر من اهتمامه بالتعليق عليها وبيان مقدمتها ونتائجها، أقرر أن لطريقته هذه في موضوع كهذا متشعب النواحي محاسنها إلى جانب معايبها، فلقد هيأت للقارئ كما قدمت الفرصة ليكون لنفسه حكماً، وذلك خير مما لو اقتصر المؤلف على طائفة من الحوادث واهتم بإيراد رأيه والدفاع عنه، فان القارئ في هذه الحالة وخصوصاً من يجهل تفاصيل المسألة العربية يكون مقيداً برأيه أو على الأقل في شك منه.

وسيرى القارئ العربي في كتاب الأستاذ أمين سعيد كثيراً من مواقف التضحية والبطولة، وكثيراً من مواطن الهول والصراع العنيف مما يجعل للكتاب إلى جانب ناحيته التاريخية، ناحيته الجذابة القوية، فيقبل الأدباء على مطالعته في شغف واهتمام ولذة. وإني لأنتهز هذه الفرصة فأتقدم إلى الأستاذ أمين سعيد بأجمل الثناء على ما تجلى في مؤلفه الجليل من أريحية ووطنية وهو يمثل ذلك من شباب الأمة العربية الخليق.

الخفيف

الخط الديواني الملكي

للأستاذ مصطفى بك غزلان

رئيس التوقيع بديوان جلالة الملك

ازدهر الخط العربي في صدر القرن الماضي، وظهر في عالم الفن جمهرة من القادرين على إجادته وإتقانه، وكانت الأستانة يومئذ كعبة الآمال، ومرجع أفذاذ الرجال في الفنون العربية الجميلة. بلغ من ولوعهم بهذه الصناعة أن تخذها الخلفاء والسلاطين مفخرة يفخرون بإجادتها وإحسانها، وزينة يدلون بها على أساتذتها وأساطينها، فكان السلطان (محمود) يجيد خط (الثلث) (وجلي الثلث) ولا تزال (لوحته) القيمة التي خطها بقلمه الجميل تحتل الصدر من (المسجد الحسيني). وصار على أثره السلطان عبد المجيد، فكان خطاطاً وسطاً لم يبلغ شأو أبيه. . . وله قطعة كبيرة تتصدر (القبلة) في ذلك المسجد.

تطاول الخط على سائر الفنون الجميلة منذ أحبه الخلفاء والسلاطين وعلت مكانته يوم أن فتحت قصور العواهل على رحباتها لكبار الخطاطين، يعلمون الخلفاء ذلك الفن الجميل.

ودام للخط العربي هذا الحظ الميمون، والآستانة تصدر إلى العالم العربي من سحره الفاتن وجماله الرائع، ما خلب اللب، واستولى على النفس، حتى وفد على القاهرة المرحوم عبد الله بك زهدي بدعوة من خديو مصر إسماعيل.

جاء ليكتب (الكسوة) بعد أن كتب الحرم النبوي الشريف، فلقي من لدن ولي الأمر التعضيد والتأييد.

وكان يومئذ في مصر نهضة مباركة، نشأت في شخص المرحوم محمد أفندي مؤنس، ولكنها كانت في حاجة إلى إذكائها وتنميتها، فطلع (زهدي) على الناس، بخط الكسوة وسبيل أم عباس، وتداولت الأيدي بعض نماذجه في الثلث والنسخ. فكانت بادرة سعيدة، صعدت بالمرحوم مؤنس إلى الذروة العليا من ذلك الفن البديع.

وكان الرجل خيراً بفطرته، فأخذ يذيع فنه على الناس ويعلمهم إياه، لا ينتظر أجراً ولا شكراً، فكانت داره يومئذ أشبه بمدرسة داخلية، يتعلم فيها الطلاب وينعمون بحديقتها الرحبة، بل يأكلون ويشرون.

ومن يومئذ بدأ الخط يتحول إلى القاهرة، وكانت العناية شديدة بإتقانه وأجادته، وكان له شأو رفيع وشأن جليل في المدارس الابتدائية والثانوية بله العالية.

تلك خلاصة موجزة بسطتها بين يدي القارئ، لأستطيع التحدث إليه عن فتح جديد في الخط العربي، طلع به علينا الفنان النابغة الأستاذ مصطفى بك غزلان رئيس التوقيع بديوان جلالة الملك.

فقد يعرف المتتبعون لتاريخ هذا الفن أن الخط الديواني نقل فيما نقل من الآستانة إلى مصر، وكان خطاً خاصاً لا يعرفه عامة الشعب ولا يقرأه دهماء الناس، بل كان قاصراً على (الفرمانات الشاهانية) (والإرادات السنية)، التي تصدر عن السلاطين، إلى الولاة، ثم على براءات الرتب والنشانات.

ولما كانت مصر يومئذ تابعة للدولة العلية، وكانت تلك الدولة هي صاحبة الحق في منح هذه الرتب، وتلك النشانات فالبراءات إذن تأتي من دار الخلافة مكتوبة ممهورة بخاتم الدولة إلى أن رخص للولاة والخديوين بمنح الرتب المحدودة القيمة، يومئذ اختير لكتابتها بعض الأتراك الذين يعرفون هذا النوع، وهم قليل حتى في الآستانة؛ فقديماً كان كتاب آل عثمان يستأثرون بهذا النوع من الخط لأنه كان الخط الرسمي للباب العالي كما قدمنا؛ ومن ثم كانوا يعدونه من الأسرار الفنية التي لا تزاع لجمهور الخطاطين، ليكون مرجعها إليهم ومفتاحها بأيديهم، أما بقية الخطوط فلها نماذج مختلفة بأقلام أساطين الفن على اختلاف مراتبهم.

واليوم بفضل الرعاية الملكية، نستقبل نماذج الخط الديواني التي عكف على كتابتها وتنسيقها وتنميقها خطاط مصر الأكبر الأستاذ مصطفى غزلان بك، وأدخل عليها حسناً جديداً وذوقاً مصرياً خالصاً لا تلحظه فيما كتب بهذا الخط من الفرامانات القديمة.

وقد طبعها ديوان الأوقاف الملكية، على نفقة صاحب الجلالة الملك في مطبعة المساحة طبعاً دقيقاً أنيقاً جعل هذه النماذج في موضوعها وشكلها مظهراً رائعاً من مظاهر الفن الخالد الخالص.

في المصايف

بقلم إبراهيم عبده

للأديب إبراهيم عبده أسلوب رقيق وخواطر لطيفة يطالع بها القراء من حين إلى حين. وهذا الكتاب الذي أحدثك عنه قد انتظم الكثير من ملاحظاته وخواطره الطريفة في المصايف، وطبيعي أن تكون المصايف موضع حديث إبراهيم، فهي متلقى الناس من كل صنف ومن كل طبقة، وهي مجال واسع تقع فيه عين الأديب الناقد وخصوصاً من يهتم بالناحية الاجتماعية كالأديب المؤلف على كثير مما يثير خواطره ويرسل قلمه. افتتح المؤلف كتابه في رأس البر ثم انتقل بنا إلى السويس فبور سعيد فالإسماعيلية فالإسكندرية، وختم الكتاب بفصل رقيق هو حديث العودة. أجمل ما يحسه القارئ في هذا الكتاب تلك الروح الهادئة التي تتجلى في سطوره أشبه بالنسمة الهادئة تهب عليك في ليالي الصيف وأنت في معزل على الشاطئ. وأنك لتحس من هذا الشاب بميل شديد إلى القصص. ولقد أحسن صنعاً بإيراده خواطره في المصايف على تلك الصورة التي تجدها في كتابه، فلقد كان يأتي بها مرة على طريقة الحوار بينه وبين فتاة كان قد عرفها في الخرطوم ودار على ذكرها كتابه الأول (الحياة الثانية)، ومرة كان يتبع طريقة المراسلة، مما أبعد كتابه عن الملال وأكسبه كثيراً من الجاذبية والظرف.

ولئن كان لي أن آخذ على إبراهيم شيئاً وهو في صدر حياته الأدبية فهو أنه يجتهد في تقليد أحد كبار الكتاب عندنا تقليداً يظهر في أسلوبه وفي طريقة الدخول على موضوعه وتوجيهه ويخشى منه على أصالته وشخصيته، وهو في غنى عن هذا فله كما ذكرت استعداد قوي. نعم لا جناح عليه أن يحذو حذو من تأثر به في تجويد فنه والعناية بآثاره، ولكن على أن يحتفظ مع ذلك بشخصيته وروحه.

الخفيف