مجلة الرسالة/العدد 720/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 720/الأدب والفن في أسبُوع

مجلة الرسالة - العدد 720
الأدب والفن في أسبُوع
ملاحظات: بتاريخ: 21 - 04 - 1947



خطبة. . ودهشة!

نقلت الأنباء البرقية تفاصيل الزيارة التي قام بها سلطان مراكش لمنطقة طنجة، وقالت هذه الأنباء فيما نقلته: (وقد أدى السلطان صلاة الجمعة في مسجد طنجة الكبير، ودهش الناس إذ رأوه يرتقي منبر المسجد ويلقي خطبة الجمعة بدل الإمام. .)

دهش الناس!! هكذا قالت الأنباء في روايتها بالنص، وحق للناس والله أن يدهشوا وأن يعجبوا، لأنهم يعتقدون في هذه الأيام أن مرتبة الخطبة في الجمعة مرتبة نازلة يكفي أن يتقلدها فقيه كتّاب، أو شخص يحسن قراءة الفقرات المسجوعة من كتاب. .

كلا أيها الناس، لا موضع للدهشة لو علمتم، فقد شرعت خطبة الجمعة لتكون قوة موجهة للعقول والأفكار، ولتكون صلة بين الحاكم والرعية في التوجه إلى الدين والأخذ بمظاهر الدنيا، وقد كانت مرتبة النبوة من قبل، وكان منبر المسجد مرقى الخلفاء الراشدين وحكام المسلمين، وكانت في موضوعها يوم ذاك تعالج الحال القائمة في صفوف الجماعة، وفي أسلوبها نموذج من الأدب العالي تتجلى فيه الروعة والبراعة، فلما صار الأمر في قيادة العرب للأعاجم، وارتضخت الألسن العامية واللكنة، وتدلت الأقدار عن مراقيها، كان شأن الخطبة ما نراه اليوم، مادتها كلام ملق مضطرب، وأداتها سيف من الخشب، وهدفها تعداد الفضائل للأيام والمواسم. . . إنه تقليد حسن ذلك الذي أحياه سلطان مراكش العظيم، فهل يمكن أن نراه تقليداً سائداً في جميع الأقطار الإسلامية؟.

الغرب والسيادة الأدبية:

تنشر (الأهرام) تحقيقات صحفية عن الحالة في إيطاليا بعد الحرب للصحفي النابه الأستاذ أميل خوري، وهي تحقيقات تتميز بدقة الملاحظة وعمق التفكير وتبين العلل الكامنة وراء الظواهر الواضحة. .

وإنما يعنينا من هذه التحقيقات كلمة عرض بها الكاتب إلى الحالة الأدبية في إيطاليا خاصة وفي أوربا عامة إذ قال: (والأضرار الأدبية التي أنزلها الفاشية الغاشمة بالأمة الإيطالية يلمس الباحث بعضها في ضعف الإنتاج الفكري ذي القيمة الصحيحة، فقد تضاءل عدد الأدباء المنتجين من أبناء الجيل الذي تفتحت أكمام نفسه لشمس الحياة في مطلع عه موسوليني والذي هو اليوم جيل الشباب في إيطاليا. وأظنني أكون أكثر إنصافاً وأقرب إلى محجة الصواب والحقيقة إذا قلت إن هذا النضوب تشكو منه بلاد أخرى، أو البلاد الأوربية بأسرها التي لم يقم فيها طاغية ولم تأخذ النظم الغاشمة على شبابها سبل الأدب الحر والتفكير الطليق، ففرنسا مثلا التي ظهر فيها غداة الحرب العامة الأولى رهط من كبار الكتاب والمفكرين لا نجد فيها من الكتاب الجدد سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة)

(فالداء إذن أوربي عام، لا إيطالي خاص، وأظنه مظهراً من مظاهر إحدى الأزمات الحادة التي يشكو منها الغرب والتي لا تدل على أن هذه القارة آخذة بالأسباب التي تضمن لها الاحتفاظ بعد وقت قصير بالسيادة الأدبية والفكرية التي بسطتها على العالم غداة خروجها من ظلمات القرون الوسطى. .)

وهذا الذي يقوله الكاتب صحيح، وإن الباحث ليلمس آثاره وشواهده لأول نظرة يلقيها على الحالة الأدبية والفكرية في أوربا، ولكن ليس معنى هذا أن أوربا ستفقد سيادتها الأدبية والفكرية كما يتوقع الكاتب، لأنها حال عامة تتمثل في جميع قارات العالم، فنحن مثلا في مصر لم نجد الشبان الذين استطاعوا أن يشغلوا الأذهان عن أولئك الشيوخ الذين سيطروا على الحركة الفكرية منذ الحرب الأولى ولا تزال أسماؤهم إلى اليوم تتداولها الألسن وتشخص إليها الأبصار، وهذه أيضاً هي الحال في جميع الأقطار العربية وفي كل مناحي الشرق.

وهذه الحال في حقيقتها لا ترجع إلى إقفار الأذهان من النبوغ، بل إنها ترجع إلى ضآلة التقدير للقيم الأدبية، فالعالم الآن يعيش في نشوة علمية اقتصادية يغذى بها عواطفه ومشاعره، فالناس يعنيهم أن يلتفتوا إلى الصراع القائم بين المذاهب الاجتماعية والسياسية الآن أكثر مما يعينهم الأدب الخالص، وليس هذا مما يدعو إلى التشاؤم والخوف على مستقبل الأدب والقيم الروحية فإن العالم لابد أن يضيق بهذه الحال الطارئة، ويعود الناس في يوم قريب متلهفين يبحثون على صلاتهم الطبيعية بالحياة، ولن يكون ذلك إلا إذا هدأت الأعصاب المتوترة واطمأنت الأفكار القلقة وانتهى ذلك النضال العنيف القائم حول الرغيف.

المؤتمر الثقافي العربي الأول: أذاعت الأمانة العامة للجامعة العربية أن اللجنة الثقافية بها تعمل على تهيئة الوسائل لعقد المؤتمر الثقافي العربي الأول في لبنان في شهر سبتمبر القادم، وأن اللجنة لا تزال تتلقى كثيراً من الأبحاث والتقارير من مختلف البلاد العربية عن المواد التي سيتناولها المؤتمر في جداول أعماله، وسيشترك في هذا المؤتمر مندوبو البلاد العربية وكثيرون من العلماء والباحثين في الثقافة العربية كما سيحضره بعض المستشرقين للاستماع أو المحاضرة، وسينتهي المؤتمر إلى اتخاذ قرارات حول مواد الثقافة العربية في اللغة والأدب والتاريخ والتربية الوطنية ويبدي ما يراه من المقترحات لتعديل برامج التعليم والثقافة بما يحقق الفكرة الموحدة. .

مؤتمر للآثار العربية:

كما أذاعت الأمانة أيضاً أن الإدارة الثقافية بالجامعة تتخذ العدة لإقامة مؤتمر آخر في الصيف القادم للبحث في شؤون الآثار الموجودة في البلاد العربية والعمل على صيانتها وتبادلها، وهذان المؤتمران هما أول المؤتمرات التي تعقدها الجامعة العربية مستهدفة فيها توثيق عرى الصداقة بين البلاد العربية وتنشيط الاتجاه القومي العربي فيها، ونحن إذ نحبذ هذه المؤتمرات وندعو إلى الإكثار منها حتى تكون طريقاً من الطرق لتوثيق الروابط بين أبناء العروبة وتوحيد الاتجاه الفكري في البلاد العربية، فإننا نرجو أن لا تجعل الجامعة العربية الشأن في هذه المؤتمرات قاصراً على الرجال الرسميين، وأن تتعدى بها دائرة المؤتمرات الحكومية التي تقف في إبداء الرأي عند التقاليد المرعية، بل يجب على الجامعة أن تفتح الباب الواسع للباحثين الطلقاء والمفكرين الأحرار حتى تثمر هذه المؤتمرات ثمرتها، وتؤدي مهمتها

آثار الهند:

أعلن الزعيم الهندي المسلم أبو الكلام آزاد عضو الحكومة الهندية المؤتمر أنه سيطلب إلى الحكومة البريطانية، إعادة بعض القطع الأثرية الهندية التي نقلت إلى المتاحف البريطانية، ومن القطع الغالية التي سيطالب الزعيم الهندي بإعادتها الجوهرة المعروفة باسم (جبل النور) وهي الجوهرة التي قدمتها شركة الهند الشرقية البريطانية عام 185 إلى الملكة فيكتوريا والتي أضيفت إلى مجوهرات التاج البريطاني يوم ذاك ولا تزال تشع فيه حتى الآن. .

وليس من شك في أن إنجلترا قد انتهبت الآثار الهندية انتهاباً، وأنها نقلت إلى متاحفها من الهند كثيراً من القطع الغالية والآثار التاريخية التي لا تقدر بثمن، وهذه محنة لحقت بالآثار في جميع بلدان الشرق، فقد نهبت تلك الآثار في غفلة الزمن وظلمة الأحداث ونقلت إلى دور الغرب ومتاحفه، ولقد مضى عليها زمن طويل وهي تعيش غريبة عن أوطانها وبين أهل غير أهلها، وما نحسب أن دول الغرب تذعن لتصفية هذه المسألة في سهولة.

سيطلب مولانا أبو الكلام، ولكن هل تسمع الحكومة البريطانية لهذا الطلب؟! هيهات. .

تصوير المخطوطات العربية:

سافرت إلى سوريا ولبنان البعثة التي أوفدتها الجامعة العربية لتصوير المخطوطات العربية التي كانت قد اختيرت للتصوير في العام الماضي، وتجد الإدارة الثقافية بالجامعة في انتقاء المخطوطات العربية الأخرى التي ستقوم بتصويرها بعد أن تنتهي البعثة من عملها في سورية ولبنان.

والذي نحب أن نقوله لرجال الإدارة الثقافية بالجامعة العربية هو أن الشأن في المخطوطات العربية الموجودة بالأقطار العربية هين ميسور، ففي الإمكان تبادل هذه المخطوطات ونقلها وتصويرها بواسطة الهيئات العلمية والثقافية، ولكن الشأن كل الشأن هو تصوير المخطوطات القيمة المجهولة التي توجد في مكاتب تركيا والأسكوريال ومكاتب أوربا عامة، فلعل الجامعة تعني بأمر هذه المخطوطات قبل كل شيء، ولعلها تهتم بتصويرها حتى تكون في متناول أيدي العلماء والباحثين من أبناء العروبة.

وهناك مجال آخر يجب أن يكون مثار اهتمام الجامعة، ونعني بذلك المخطوطات التي هي في حيازة الأفراد. فهناك مخطوطات في المكاتب الخاصة غالية القيمة نادرة الوجود، وقد تكون النسخ التي يملكها الأفراد منها هي النسخ الوحيدة، فلعل الجامعة توجه اهتمامها إلى تصوير هذه المخطوطات والإسراع بجمع شملها قبل أن تبدد وتتغير وتضيع في قسمة التركات وفي مطاوي الإهمال، وعندي أن الاهتمام بهذه المخطوطات أولى، لأن المخطوطات التي في المكاتب العامة محفوظة ويمكن الحصول عليها في أي وقت.

(الجاحظ)

أدباء العروبة في المنصورة:

افتتحت جامعة أدباء العروبة شعبة ثالثة لها في المنصورة في اليوم العاشر من (إبريل)، واتخذت من دار الأستاذ سعد الشناوي رئيس الشعبة الجديدة مكاناً للمهرجان، وحرص صاحب المعالي دسوقي باشا أباظة رئيس الجامعة على اختيار هذا اليوم بالذات لأنه يتصل بذكريات حبيبة تجعل عوامل الإلهام، وبواعث الشاعرية، وينابيع البيان، دانية لمن يريد أن يقول. فهو يعيد إلى الذاكرة صفحة مشرقة من صفحات المجد القومي يعتز بها الشرق كله بشهادة دار ابن لقمان، وهو يوافق عيد مولد جامعة أدباء العروبة ومرور العام الأول على تأليفها، ثم هو يقبل مع الزهور في بواكير الربيع، ويأتي في أعقاب جلاء الإنجليز عن المدائن المصرية.

ومن هذه المعاني المؤتلفة، والذكريات المتفقة، يجد الأديب مداداً لكلماته، ويرى الشاعر أفقاً واسعاً لخياله، فإذا جمعنا إلى هذا كله ما تميزت به المنصورة من سحر وجمال وروح وريحان لم يبق لصاحب البيان الأصيل حجة في عدم الإمتاع، ولا لذي الباع الطويل في الشعر معذرة في القصور عن الإبداع.

وقد تبارى الشعراء والأدباء في القول فأسمعونا كلاماً ليس حسناً كله ولا قبيحاً كله، ولكنه يتصل بالحسن أحياناً فيثير العواطف ويهز المشاعر، ثم يهوي إلى درك القصور والتفاهة فينصرف عنه المستمعون ويتحدث بعضهم إلى بعض فيما لا يتصل مع هذا الكلام بسبب!

كان أول الخطباء هو الأستاذ حسين رأفت بك مدير الدقهلية، وكان الناس يعتقدون أن كلمته ستكون أدنى ما تكون من لغة الإدارة منها إلى لغة الأدب، فلما استمعوا إليه كأديب وكخطيب أدركوا أنه أديب بالفطرة لا بالكسب، وكاتب بالطبع لا بالتكلف!!

ولعله الخطيب الوحيد الذي تكلم عما للأدب من أثر في حياة الأمم، وما للشعر من فعل في تهذيب العاطفة وتربية الوجدان وتنشئة الذوق الأدبي، وطبعه على غرار يمكن أبناء الأمة من إدراك ما في الحياة من معاني السمو والجمال، ومن عباراته اللطيفة قوله (وهل هز شاعر الأمم في كل العصور وحدا بها إلى غايات المجد على مر الدهور، إلا تلك البروق المنبعثة من آفاق البلاغة، كلما أضاء لهم سناها مشوا فيه، وهل تدين الحضارة في تقدمها، والإنسانية في تطورها، إلا لأولئك الرسل الكرام من حملة الأقلام؟)

أما معالي دسوقي باشا رئيس الجماعة فقد كان كلامه كالنبع الصافي يتدفق بالمعاني السامية والعبارات الأنيقة، ويتحدث عن رسالة جامعة الأدباء فيقول: إنها تعمل لجمع كلمة الغرب ورفع شأن الأدب، وتوثيق عرى الصداقة بين أدباء وطننا في سائر أرجائه، وبين أدباء العالم العربي في جميع أقطاره، وما العرب إلا:

أمة ينتهي البيان إليها ... وتؤول العلوم والعلماء

وتعاقب بعد الرئيس والمدير شعراء وأدباء؛ منهم من أجاد فاستحق الثناء والتقدير وأثبت وجوده بإنتاجه وحسن بيانه، ومنهم من خانه التوفيق فأذاع خطأه على الناس واستوجب النقد من حيث كان يريد الشهرة والظهور.

ومن حقنا أن نأخذ على قلم المراجعة والتصحيح في جامعة الأدباء، عدم عنايته بحذف القصائد والكلمات التافهة المغسولة التي اعتبرها أهل الذكر موضع الضعف في المهرجان، وكان من الواجب ألا يقول إلا من يحسن القول، لا كل من يريد أن يقول! ولولا المجاملة في الحق لصار أدب الجماعة خالصاً كله، ولكن لكل شيء آفة، وآفة الأدب دخول الفضوليين فيه، واستباحتهم حماه، وانتسابهم إليه وهم من غير أهله!!

ولولا أننا نكرم صفحات (الرسالة) أن تسجل ما لا خير فيه ولا فائدة في الحديث عنه لعرضنا على الفقراء بعض ما قيل مما لا يستحق أن يقال، ولكنا نؤثر أن ندع الزبد يذهب من تلقاء نفسه ولن يبقى إلا ما يصلح للبقاء.

(المنصورة)

علي عبد الله