مجلة الرسالة/العدد 721/نقل الأديب
مجلة الرسالة/العدد 721/نقل الأديب
للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي
927 - حشو اللوزينج
ثمار القلوب في المضاف والمنسوب للثعالبي:
حشو اللوزينج يضرب مثلا للشيء يكون حشوه أجود من قشره وأفضل، وذلك أن حشو اللوزينج خير منه فيشبه به الحشو في الكلام يستغني عنه وهو أحسن منه. ومن أشهر ذلك قول عوف بن محلم:
إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
فقوله (بلغتها) حشو مستغنى عنه، ومعنى الكلام يتم بدونه ولكنه أحسن من جملته. . . قال أبو سعد رجاء: دخلت يوماً على أبي الفضل بن العميد فقال لي: امض إلى أبي الحسين بن سعد فقل له: هل تعرف أن لقول عوف (إن الثمانين وبلغتها) ثانياً في كون الحشو أحسن من المحشو. فسرت إليه وبلغته الرسالة فقال: سألني عنه محمد بن علي بن الفرات فسألت عنه أبا عمرو غلام ثعلب فقال: سألت عنه ثعلباً فلم يأت بشيء، ثم بلغني أن عبيد الله ابن عبد الله سأل المبرد فأنشده قول عدي بن زيد لابنه زيد بن عدي في حبس النعمان:
فلو كنت الأسير ولا تكنه ... إذن علمت معد ما أقول
قوله (ولا تكنه) حشو مستغنى عنه ولكنه في الحسن نظير (وبلغتها) قال مؤلف الكتاب (الثعالبي): قد افتتحنا كتاباً صغير الجرم لطيف الحجم في نظائر هذين الحشوين وترجمته بـ (حشو اللوزينج) فمما أودعته إياه أن المأمون قال يوماً ليحيى ابن أكثم: هل تغديت؟ فقال: لا وأيد الله أمير المؤمنين! فقال المأمون ما أظرف هذه الواو وأحسن موقعها. . . ومما عثر عليه من حشو اللوزينج في شعر البحتري قوله للمتوكل:
وجزيت أعلى رتبة مأمولة ... في جنة الفردوس غير معجل
فقد تم الكلام عند قوله في (جنة الفردوس) وقال (غير معجل) أي بعد عمر طويل لأن الجنة إنما يوصل إليها بالموت.
وفي شعر لأبي الطيب:
وتحتقر الدنيا احتقار مجرب ... يرى كل ما فيها وحاشاك ف فقوله (وحاشاك) حشو فيه ما فيه من الحلاوة، وعليه ما عليه من الطلاوة.
928 - الشريعة تأبى التضييق والحرج
الاعتصام للشاطبي:. . . إن عدّوا كل محدث العادات بدعة فليعدوا جميع ما لم يكن فيهم من المأكل والمشارب والملابس والكلام والمسائل النازلة التي لا عهد بها في الزمان الأول بدعاً، وهذا شنيع، فإن من العوائد ما تختلف بحسب الأزمان والأمكنة فيكون كل من خالف العرب الذين أدركوا الصحابة واعتادوا مثل عوائدهم غير متبعين لهم، هذا من المستنكر جداً. . . وأيضاً فقد يكون الزي الواحد والحالة الواحدة أو العادة الواحدة تعباً ومشقة لاختلاف الأخلاق والأزمنة والبقاع والأحوال، والشريعة تأبى التضييق والحرج فيما دل الشرع على جوازه، ولم يكن ثم معارض.
929 - يعدل حيا وميتا
كتاب الروضتين في أخبار الدولتين: قال (ابن الأثير) ومن عدله أيضاً (من عدل نور الدين) هو من أعجب ما يحكى أن إنساناً كان بدمشق غريباً استوطنها وأقام بها لمِا رأى من عدل نور الدين (رحمه الله) فلما توفي تعدى بعض الأجناد على هذا فشكاه فلم ينصف، فنزل من القلعة وهو يستغيث ويبكي وقد شق ثوبه وهو يقول: يا نور الدين، لو رأيتنا وما نحن فيه من الظلم لرحمتنا، أين عدلك؟ وقصد تربة نور الدين ومعه من الخلق ما لا يحصى، وكلهم يبكي ويصيح، فوصل الخبر إلى صلاح الدين فقيل له: احفظ البلد والرعية وإلا خرج عن يدك، فأرسل إلى ذلك الرجل وهو عند تربة نور الدين يبكي والناس معه، وطيب قلبه، ووهبه شيئاً، وأنصفه، فبكى أشد من الأول، فقال له صلاح الدين: لم تبكي؟
قال: أبكي على سلطان عدل فينا بعد موته.
فقال صلاح الدين: هذا هو الحق، وكل ما ترى فينا من عدل فمنه تعلمناه.
930 - كان يحلق لحيته وشواربه
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع لشمس الدين السخاوي:
عبد الملك بن عبد الحق بن هاشم الحربي المغربي كان صالحاً معتقداً، يذكر أن أصله من الينبوع. . . وقد ولى بمكة مشيخة رباط السيد حسن بن عجلان، ومات بها في ليلة السبت ثامن شعبان سنة خمس وأربعين، وبنى على رأس قبره نصب بل حوط نعشه، وهو مما يزار ويتبرك. وكان يحلق لحيته وشواربه. . .
931 - في شعر البحتري
قال الصفدي في شرح اللامية: أنشدت يوماً بعض الأفاضل قول البحتري من قصيدته المشهورة:
وأزرق الصبح يبدو قبل أبيضه ... وأول الغيث قطر ثم ينسكب
فقال بدل ينسكب: (ينهمر) فقلت: كيف تصنع في الأول وهو قوله:
هذي مخايل برق خلفه مطر ... جَود وورى زناد خلفه لهب
فقال بدل لهب: (شرر) فقلت هذه القصيدة بائية، فلم يحر جواباً لكنني اعترفت له بالإحسان لسرعة الجواب في الثاني.
قلت. في القصيدة هذان البيتان:
قلب يطل على أقطاره ويد ... تمضي الأمور ونفس لهوها التعب
وما صحبتك من خوف ولا طمع ... بل الشمائل والأخلاق تصطحب
و (على أقطاره) هي رواية الديوان، وروى ابن الأثير البيت وفيه (يطل على أفكاره) ثم قال: فقوله (قلب يطل على أفكاره) من الكلمات الجوامع، ومراده بذلك أن قلبه لا تملؤه الأفكار ولا تحيط به، وإنما هو عال عليها، يصف بذلك عدم احتفاله بالفوادح وقلة مبالاته بالخطوب التي تحدث أفكاراً تستغرق القلوب، وهذه عبارة عجيبة لا يؤتي بمثلها مما يسد مسدها.
932 - أيها الصدر قد اجتمع عندك رءوس أهل النار
النجوم الزاهرة لأبي المحاسن يوسف بن تغري بردى: وفيها (سنة 488) توفي عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بُندار القزويني شيخ المعتزلة، كان إماماً في فنون، فسر القرآن في سبع مائة مجلد - وقيل في أربع مائة وقيل في ثلاث مائة - وكان الكتاب وقفاً في مشهد أبي حنيفة (ض) وكان رحل إلى مصر وأقام بها أربعين سنة، وكان محترماً في الدول، ظريفا حسن العشرة، صاحب نادرة. قيل: إنه دخل على نظام الملك الوزير وكان عنده أبو محمد التميمي ورجل آخر أشعري، فقال له القزويني: أيها الصدر، قد اجتمع عندك رءوس أهل النار. قال نظام الملك: وكيف ذلك؟ قال: أنا معتزلي، وهذا مشبّه (يعني التميمي) وذلك أشعري، وبعضنا يكفر بعضاً. فضحك النظام. وقيل: إنه اجتمع مع ابن البراج متكلم الشيعة، فقال فقال له ابن البراج: ما تقول في الشيخين؟ فقال سفلتين ساقطين. قال: من تعني؟ قال: أنا وأنت. . . وكانت وفاة القزويني هذا في ذي القعدة وقد بلغ ستاً وتسعين سنة، ودفن بمقابر الخيزران عند أبي حنيفة (ض).