مجلة الرسالة/العدد 724/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 724/الأدب والفن في أسبوع

ملاحظات: بتاريخ: 19 - 05 - 1947



حول جائزة الآداب:

أثير في أول الأمر بعض الغبار حول قرار لجنة الفحص لجائزة فؤاد الأول للآداب الذي أعلنه معالي رئيسها الأستاذ الجليل أحمد لطفي السيد باشا في حفلة توزيع الجوائز بالجامعة، قال معاليه أن الوقت لم يتسع أمام اللجنة للمفاضلة فرأت تأجيل منح الجائزة إلى العام القادم.

وكاد يسكن ذلك الغبار لولا أن أثاره عالية كثيفا الأستاذ عباس محمود العقاد في مقال عنوانه (علامة الاستفهام في قرار لجنة الآداب) نشرته (أخبار اليوم) وجه فيه الأستاذ الكبير النقد إلى تصرف اللجنة لأنها قبلت العمل وأجابت الدعوة وهي تعلم الموعد المقرر وتعلم المهمة المطلوبة، وتسأل: (ولماذا لم تتنحى عن العمل منذ اللحظة الأولى إذا كانت قد علمت أنها لا تستطيع الوصول فيه إلى نتيجة؟).

ومما قاله الأستاذ العقاد أن اللجنة تشهد على نفسها أنها لم تطلع على ثقافة وطنها اطلاعاً يكفي للفصل فيها وأن اللجان التي تقبل أمثال هذه المهام ينبغي أن تكون مرجعاً يستفاد منه العلم بحركة الثقافة الأدبية في بلادها؛ ورد على اعتذار اللجنة بتنوع الموضوعات الذي يحتاج إلى وقت أوسع للموازنة والتمييز، بأن تعدد الموضوعات هو الذي أعان لجنة العلوم على الفصل فيما عرض عليها، فاختارت لجائزة هذا العام موضوعاً خصته بالتفصيل وتركت الباب مفتوحاً للموضوعات الأخرى في الأعوام المقبلة. ولم صنعت لجة الآداب مثل هذا الصنيع لما كان أيسر عليها من تخصيص هذه السنة بجائزة الشعر أو بجائزة القصة أو بجائزة البحوث والدراسات وما اليها، فيتسع وقتها للفصل والتمييز.

وخلص الأستاذ العقاد بعد ذلك وبعد عبارات (حريفة) وجهها إلى اللجنة، وبعد أن ذكر أنه في خلال سنوات الخمس التي قررها المرسوم أصدر ثمانية عشر كتاباً جديداً، لا تقدر اللجنة أن تسقطها من الحساب أو تهملها في ميزان الترجيح، خلص الأستاذ بعد كل ذلك إلى (أن قرار اللجنة معناه تفسير المرسوم على معنى لا يفهم له معنى سواه: وهو أن الجائزة مشروطة في هذا التفسير بأن يعطاها صاحب الآثار الأدبية في السنوات الخمسة الأخيرة ما لم يكن شخصا يسمى عباس العقاد. . .).

وقد سمعت في بعض المجالس الأدبية على هذا الموضوع فوجدت الكثيرين يوافقون الأستاذ العقاد على صميم نقده، وإن كان الكثيرون لا يرون رأيه في الإعلان عن إنتاجه بنفسه مع تقديرهم له وإحلاله محله اللائق به، أما اتهامه اللجنة بالقصد على مجاوزته في منح الجائزة فهو من قبيل الحكم على النيات.

الشعبة الثقافية العالمية:

كانت بعض المدن الأوربية في أثناء الحرب الماضية موئل كثير من رجال الأمم التي غلبت على امرها، وفيهم وزراء المعارف في هذه الأمم ورؤساء الهيئات الثقافية والتعليمية، فكان ذلك داعيا إلى التفكير في تكوين هيئة ثقافية عالمية تكون شعبة من هيئة الأمم المتحدة، وولدت هذه الفكرة في لندن سنة 1945 وتألفت الشعبة فعلا ووسعت مدى الانضمام إليها بإباحته لمندوبي الأمم غير المشتركة في هيئة الأمم المتحدة، وواصلت نشاطها في سان فرانسسكو، حتى اقتنعت هيئة الأمم بفكرتها واعتمدتها من شعبها بمقتضى المادة (57) من ميثاقها. ثم انتقلت الشعبة بعد ذلك إلى باريس حيث اخذ في تنظيم أعمالها ووضع الخطط التي تكفل تأدية رسالتها.

وفي مساء الاثنين الماضي وبنادي الخريجين المصري تحدث الدكتور محمد عوض محمد بك رئيس قسم العلوم الاجتماعية بتلك الشعبة في (رسالة الشعبة الثقافية في هيئة الأمم المتحدة) فبين أغراضها التي تتلخص في تثقيف الناشئة والكبار تثقيفا إنسانيا يرمي إلى خدمة قضية السلم العالمي ببث الأفكار الصحيحة والتقريب الثقافي بين أبناء العالم، لا فرق في ذلك بين الشعوب والأجناس، فتنتفي الأفكار المخطئة ويجنب الناشئون التربية التي تحض على كراهية الشعوب الأخرى، مما كان يؤدي إلى سوء التفاهم فالحروب.

وقال المحاضر إن هيئة الأمم إذا كانت تعالج المشاكل السياسية والاقتصادية فإن الشعبة الثقافية تريد وقاية العالم من هذه المشاكل.

ثم أفاض الدكتور عوض في الحديث عما أقامت به الشعبة في باريس فقال أنها جعلت لكل فرع قسما مختصا، فهناك قسم الصحافة والإذاعة والسينما، وقسم التربية، وقسم الآداب والفنون، وقسم العوم الاجتماعية، وقسم العلوم الطبيعية، وأخذ كل قسم يبحث فيما خصص له، ومن الأمثلة التي ذكرها بنشاط هذه الأقسام وبيان عملها موضوع الآداب المقارن الذي اقترح أن يكون به قسم الآداب والفنون، وذلك بأن يقوم الأساتذة المتمكنون في اكثر منأدب واحد بدراسة مقارنة بين الآداب المختلفة ونشر هذه الدراسة بمختلف وسائل النشر

ومن تلك الأمثلة ما اقترح أيضاً من إنشاء معهد دولي للدراسات المختلفة، وعقد مؤتمرات سنوية تمثل فيها الهيئات تمثل فيها الهيئات الثقافية في أنحاء العالم.

وقد أجاب المحاضر عن السؤال عن علاقة لجنة التعاون الثقافي في الجامعة العربية بالشعبة الثقافية العالمية بأن الجامعة العربية هيئة سياسية والشعبة ثقافية بحتة، وكل ما يمكن أن يكون من الصلة بينهما أن تدعى لجنة التعاون الثقافي العربية إلى مؤتمرات الشعبة الثقافية العالمية، وتكون هذه المؤتمرات فرصة للعمل على تحقيق الأهداف الثقافية المشتركة.

الشاعر المكار:

هو الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني، وقد وصفه بالمكر الأستاذ عباس محمود العقاد في مناقشة دعابية دارت بينهما في (أخبار اليوم) حول ما كان قد أعلنه الأستاذ المازني منذ سنين من إنكار الشاعرية على نفسه وبراءته من الشعر والشعراء، فقد خاطبه الأستاذ العقاد واصفاً ذلك بأنه (مكرة صغيرة صنعتها أنت أيها الصديق بيديك وانتظرت عاقبتها حتى الآن أربع سنوات أو خمس سنوات) وقال له (ولعلك قدرت أن الناس لا يسمعونك تنكر الشاعرية على نفسك وتتأخر من صف إلى صف ومن رعيل إلى رعيل، حتى يتسابقوا إليك في الصف الثاني، أو الصف الثالث، أو الرابع، ليجدونك قابعا هناك تنتظر المطاردين والكاشفين، فما هو إلا أن يلمحوك في زاوية من الزوايا حتى يلقوا عليك القبض ويسلسلوك ويحملوك إلى الطليعة في أول الصفوف، ثم يمثلوا معك دور (الشاعر على رغم انفه) كما مثلوا دور الطبيب على رغم أنفه في رواية موليير)

ورد الأستاذ المازنى على ذلك بإقراره إذ قال (كل ما قاله صديقي الأستاذ العقاد صحيح، ولست استثنى قوله أنى مكار وأني شاعر)

ثم علل الأستاذ المازنى كفة عن قرض الشعر بأنه كان بطئ النظم، ولم يكن يرضى عما يقول، وانه أساء الظن بصدق سريرته فيما نظم من الشعر وتوهم أن العواطف التي وصفها والتي ولدت ما أعرب عنه من أراء لم تكن صادقة وإنما كانت تقليدا لا اكثر، وأنه كفر بالخلود والأدب كله (وطلع في دماغه) أن ينكر أنه أديب.

أفيكون الأستاذ المازنى قد رجع عن تجريد نفسه من الشاعرية إذ يعترف الآن بأنهشاعر؟ وكل ما في الأمر أنه مورط بما اقره من مكره الذي كانت نتيجته كما قال الأستاذ الاتقاد: (أن يصغي الناس إلى المطيبين في ركاب المغنيات والمغنين، ولا يصغوا إلى المازنى في أغانيه وأناشيده، ولا إلى المازنى في مترجماته التي لو نظمها الخيام أو هاينى أو شيكسبير عربية فصيحة لما جاوزه في التجويد والإتقان)

ولكن هل يستطيع الأستاذ المازنى أن يتلافي (مكرته) ويخرج من ورطته فيعود إلى قرض الشعر؟ ما احسبه يستطيع، فقد اكتفى الناس منهأيضاً بما بلغة من الشان في الكتابة، وذلك حسب الناس وحسبه، وهو الذي طغى على شعره، ولولا لكان من المحتمل أن يتلمسوه حيث يقبع هاربا ويحملوه إلى الطليعة في أول الصفوف ليقوم بدور (الشاعر على رغم انفه).

نواة الجيل الأدبي

خصت مجلة (المصور) الأدب بصفحة من صفحات عددها الخاص (المجتمع المصري) كتبها الدكتور طه حسين بك تحت عنوان (بعض بيئاتنا الأدبية) ويعتبر هذا المقال - على وجازته - الفصل الأول في تاريخ أدبنا الحديث. فهو حدثنا عن نواة النهضة الأدبية التي نبتت في مستهل القرن العشرين والتي اطرد نموها حتى أثمرت الأدب العربي الحديث الذي اصبح يعد أدبا من الآداب العالمية الكبرى.

يحدثنا الدكتور طه عن البيئة الأدبية الأولى التي اتخذت لها مكانا مختارا في الممر الضيق الذي يفصل بين إدارة الأزهر القديمة وبين الرواق العباسي في مدخل الجامع الأزهر حيث كان مجلس جماعة من الأزهريين يعرف الناس منهم في هذا الجيل (محمود حسين الزناتي، وأحمد حسن الزيات، وطه حسين)

كانوا يختلفون على ذلك الممر قبل أن يرتفع الضحى لينتظروا درس الأستاذ المرصفي في الأدب، وبعد صلاة العصر لانتظار درس الأستاذ آلاما في البلاغة وتفسير القرآن الكريم.

يقول الدكتور: (وكانت هذه الجماعة تتحدث حين تلتقي بما تسمع من الأستاذين - أحدهما أو كليهما أحاديث الإعجاب والاكبار، وبما تسمع من الأساتذة آخرين في الفقه والنحو والمنطق والأصول، أحاديث السخرية والعبث، ثم كانت تعلق على إقبال المقبلين وانصراف المنصرفين، وعلى ما يكون بينهم من تفاوت في الأشكال والأزياء والسمات. تذهب في هذا كله مذهب النقد أو مذهب العبث والتشنيع، لا تحفل ولا تأبه لأحد ولا تتحرج من لفظ!)

واتصلت هذه البيئة ببيئة أدبية جديدة من طراز أخر هي (الجريدة) التي كانت يديرها أستاذ الجيل (أحمد لطفي) السيد باشات الذي كان يحدثهم عن مونسكيو، وروسو وفولكير، وجولسيمون. وكانت (الجريدة) ملتقى الشباب من الأزهر ومن المدارس العليا يزخر بهم مكتب مديرها معممين ومطربشين، يقول الدكتور (وكذلك التقى الشباب) الناشئ بعضهم ببعض فأخذت الأسوار تنهار بعض العمائم والطرابيش، والتقوا بالشباب الناضج والكهول والشيوخ من إعلام الحياة المصرية على اختلاف فروعها، فأخذ دم جديد يدور في جيل جديد من المصريين) ويتقدم الزمن وتتعاقب السنون وتتخذ هذه البيئة الجديدة في نفسها ناديا أخر في دار العبد الرازق التي أثرت في الحياة العقلية المصرية أقوى أثر وأبقاه.

ولا شك أن خرجي هذه البيئة في مقدمة اللذين قادوا الحركة الفكرية ووجهوا النهضة الأدبية في صدر هذا القرن - لذلك رأينا أن نسجل هنا بعض تضمنته من حديثها ما قال الدكتور طه حسين بك الذي أحسنت به (المصور) إلى المجتمع الأدبي في عددها (المجتمع المصري)

(العباس)