مجلة الرسالة/العدد 728/الأدب والفن في الأسبوع

مجلة الرسالة/العدد 728/الأدب والفن في الأسبوع

مجلة الرسالة - العدد 728
الأدب والفن في الأسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 16 - 06 - 1947



التربية ورفع المستوى الاجتماعي:

أقامت الجامعة الأمريكية في مساء الخميس حفلتها السنوية النهائية لتوزيع الإجازات العليا على الطلبة المنتهين في قاعة يورت التذكارية. وكان من مواد هذه الحلقة بحث قيم للدكتور جون س. بادو رئيس الجامعة أمريكية بالقاهرة في (التربية ورفع المستوى الاجتماعي) أبان فيها ما يسود العالم من القلق الاجتماعي، وما يشاهد في مصر من سوء الحالة المعيشية، وذكر أن ما تبذله الحكومة من العناية لحل المشاكل الاجتماعية يجب أن تؤازره الطبقة المتعلمة التي تتخرج في المدرسة، فيجب أن تعنى المدرسة بتلك المشاكل أجل العناية، فتربى في تلاميذها الوعي الاجتماعي لحفزهم إلى تحمل نصيبهم في دفع البؤس عن مواطنيهم، وليكون هدفهم المساهمة في رفع مستوى المجتمع المصري إلى مستوى أعلى وافق أوسع من لان هذا هو مقياس نجاح المدرسة أن تجعل المسؤولية الاجتماعية من أهم ما تعنى به من التربية في منهاجها، فيوجه المدرسون إليها عنايتهم ضمن ما يعنون به من المواد الدراسية، وذكر كيف استطاع أحد أساتذة اللغة اليونانية أن يجعل من دراسة الآداب اليونانية القديمة حافزاً للاهتمام بمشاكل المجتمع وحاجياته، لأنه يربط قصص الماضي وأساطيره بالوقت الحاضر ومشاكله.

ونقول أن هذا المثل الطيب ينفع احتذاؤه نفعاً كبيراً في دراسة الأدب العربي الحديث في مدارسنا عند البحث في سير رجاله وأثارهم في النهضة الحديثة وخاصة ما واجهوه من المشاكل التي لا تزال نواجهها أو نواجه أمثالها، فنخرج بذلك عن النطاق المضروب حول (التاريخ الموجز لحياة الشخصية، ومعرفة أسماء أهم آثارها، ثم حفظ من نظمها أو نثرها).

ولا شك أن ذلك يبعث في الدراسة الأدبية الحركة والحياة إلى ما يؤتيه من الإلمام بالمسائل القومية، وما يحققه من الرسول إلى هدف التربية في الوعي الاجتماعي.

توفيق الحكيم برد الوسام الفرنسي:

ذكرت (أخبار اليوم) أن الأستاذ توفيق الحكيم أرسل إلى سفير فرنسا كتاباً يرد به إلى فرنسا وسامها (اوفيسيه داكاديمي) الذي منحته إياه الجمهورية الفرنسية في أول مارس سنة 1938 تقديراً للأدب، لمناسبة ترجمة بعض كتبه إلى الفرنسية؛ ونشرت نص هذا الكتاب، وهو يتضمن انه حمد لفرنسا ذلك التقدير، ثم شاءت الأيام أن تفجعه في عاطفة الإعجاب التي يكنها لها، فالأدب من أهم خصائصه (الحرية والإنسانية)، ولم يكن يتوقع أن فرنسا تعتدي على الإنسانية إلى حد حبس الطعام عن أفواه جياع لا حول لهم ولا طول. . . وكان حظ الحرية ماثلاً، فقد غضبت فرنسا لان مصر تركت للأمير عبد الكريم حرية اختيار نزوله ومقامه، وهو ليس بمذاب ولا بمجرم، إلى أن قال:

(فما معنى الأدب أذن في رأي فرنسا. . . إذا لم يكن للحرية والإنسانية عندها من معنى. . .)؟

وقد احسن الأستاذ الحكيم بذلك، وكان فيه لبقاً واعياً. . . فإنه لم يخسر إلا شيئاً تافهاً لا قيمة له، إلى جانب ما كسبه من إرضاء شعوره، فضلاً عما يجره هذا الصنيع من جميل الذكر، وما يحدثه من حسن الأثر!.

آلا ليت (المتفرنسين) كلهم توفيق الحكيم!

الأدب المصري القديم:

نشرت مجلة (مسامرات الجيب) مقالاً للعالم الأثرى المعروف الأستاذ سليم بك حسن بعنوان (أدبنا المصري اقدم أتدب في العالم) تضمن معلومات مهمة، منها تصحيح لبعض القضايا الأدبية المشهورة، مثل الدرامة التمثيلية التي تعزى نشأتها إلى بلاد اليونان، وكذلك القصص الخرافي؛ فيفنى سليم بك أولية اليونان في ذينك الفنين، ويقول بأن الأدب المصري القديم أول أدب ظهرت فيه الدرامة التمثيلية والقصص الخرافي، ويقول (كان المصري أول من قص القصص، ومنه تعلم العالم القصص وفنونه فلا تكاد تقرأ في كتاب من الكتب قصصاً إلا وتجد انه يرجع إلى اصل مصري قديم مع بعض التغيير والتبديل حسبما تقتضيه البيئة والأحوال، ولا أدل على ذلك من أن بعض قصص ألف ليلة وليلة مصرية في عنصرها الأصلي. وقصة يوسف عليه الإسلام نجد مثيلها في القصص المصري القديم وهي قصة الأخوين).

فإذا كانت لنا تلك الأوليات في فنون القصص، إلى أدبنا العربي وفنونه، فقد جمعنا المجد من أطرافه.

شيء جدير: لم أجد لهذا (الشيء) اسماً فينا نعرف من أنواع الأدب، فهو ليس بنظم لأنه لا يخضع لوزن، ولم يكتب كما يكتب النثر، بل وضع في هيئة الشعر، ويشغل السطر منه فراغ بيت موزون، ويتحد كل سطرين في قافية، ويأخذ كل أربعة اسطر حتى محدوداً، ليتكون من الجميع (رباعيات) فهو كلم مقاس مقفى. . . فماذا يكون؟ هو (رباعيات عمر الخيام بقلم توفيق مفرج) وقع في يدي هذا الأسبوع، وكنت قرأت عنه في بعض الصحف الكبيرة ثناء وحمداً، فجعلت اقرأ ما احتواه، فإذا هو على النسق الذي قدمت صفته، وهاك (الرباعية) الأولى:

(انهض! فالصباح قد قذف بالشمس إلى الفضاء

فهرب الليلْ، واختفت نجوم السماء

والشعاعْ، يتساقط كنصال السهام

فيصيب أعالي الحصون، والجبال، والآكام).

وقد استرعى نظري ضبط أخر كثير من الكلمات بالسكون كما في هذه السطور، فلم هذا التسكين؟ اهو لضرورة وزن يخضع لتفاعيل جديدة؟

لقد قرأنا ترجمات لرباعيات الخيام نظمها السباعي ورامي والزهاوي وغيرهم، نظماً عربياً معقولاً، فما الذي صنعه صاح (أحدث ترجمة!) لرباعيات الخيام؟

عدت إلى صدر الكتاب فلمحت أربعة أبيات. . . معذرة! أربعة أسطر، يهدى بها الكتاب، ونصها:

(إلى التي تملئ (كذا) البيت بالحب والهناء

إلى المرأة الفاضلة جنة الأرض والسماء

إلى زوجتي التي أوحت إلى الشعر والغناء

أقدم هذا الكتاب ميثاقاً للحب والوفاء)

إذن فالرجل يعد هذا شعراً. . ليس فحسب، بل شعراً وغناء! وعلى هذا النمط من (الشعر) ترجم رباعيات الخيام. ولا شك أن له أن يفعل، تمتعاً بحق (الحرية الشخصية) ولكن الذي لا يجوز السكوت عليه هو تورط كبريات الصحف في المجالات على حساب الأدب، إلا أن يكون الزملاء يكتبون عن الكتب من بعيد دون قراءتها ومعرفة أي شيء هي. . .

قروي فنان:

هو عبد الغفار دراج من قرية (جماجمون) بمركز دسوق، قال محرر جريدة (النداء) إنه سمع به ورأى له صوراً بارعة فقام برحلة إلى قريته (جماجمون) والنقي به هناك في (الجرن) وأراد المحرر أن يتحقق صدق ما بلغه عن فن عبد الغفار فدفع إليه صورة جلالة الملك وطلب منه أن ينقلها أمامه، فجلس عبد الغفار إلى (طبلية) وبدأ العمل. . . ورسم صورة الملك كما رسم غيرها رسماً جيداً؛ وقد رأينا مجموعة من تصويره منشورة بالنداء، منها صورة رسماً جيداً؛ وقد رأينا مجموعة من تصويره منشورة بالنداء، منها صورة جميلة لقروي شيخ جلس القرفصاء يدخن في (الجوزة) وأمامه إبريق الشاي على موقد وبجواره جرة ودجاج وباقي أمتعة بيته، وقد بدا الهدوء والدعة على وجه الشيخ العائد من حقله ليستمتع بالراحة في بيته ويرسل متاعبه مع دخان النرجيلة إلى الفضاء وعبد الغفار لا يقرأ ولا يكتب، وهو في الثامنة والثلاثين من عمره، وقد هوى الرسم من صغره، وبدأ بمحاكاة صور المجلات التي كانت تقع في يده، ثم اخذ يرسم القرويين من أبناء بلده ويبيع لهم الصورة بقرش.

وقد رأى صاحب (النداء) أن يضمه إلى قسم التصوير بالجريدة. . . وهكذا يبدأ (الأستاذ عبد الغفار دراج) مرحلة جديدة من حياته، فيصبح فناناً صحفياً. . . يقوم دليلاً حياً على ما في ريف مص من مواهب إلى ما فيه من خيرات.