مجلة الرسالة/العدد 729/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة/العدد 729/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة - العدد 729
من هنا ومن هناك
ملاحظات: بتاريخ: 23 - 06 - 1947



اللهم عفوك:

في مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري: (حكى الصابي عن بعض الرسل قال: دعينا إلى باب مسعود، يعني إبن محمود إبن سبكتكين بغزنة، فشاهدنا بالباب أصناف العسكر وملوك جرجان وطبرستان وخراسان والهند والسند والترك، وقد اقيمت الفيلة عليها الأسرة والعماريات الملبسة بالذهب مرصعة بأنواع الجواهر، وإذا بأربعة آلاف غلام مرد وقوف سماطين وفي أوساطهم مناطق الذهب، وبأيديهم أعمدة الذهب، ومسعود جالس في سرير من الذهب لم يوضع على الأرض مثله، وعليه الفرش الفاخرة، وعلى رأسه تاج مرصع بالجواهر واليواقيت، وقد أحاط به الغلمان الخواص بأكمل زينة، ثم قام مسعود إلى سماط من فضة عليه خمسون خواناً من الذهب، على كل خوان خمسة أطباق من ذهب فيها أنواع من الاشربة، فسقاهم الغلمان، ثم قام مسعود إلى مجلس عظيم الأقطار، فيه ألف دست من الذهب، وأطباق كبار خسروانية، فيها الكيزان، وعلى كل طبق زرافة من الذهب، وأطباق ذهب فيها المسك والعنبر والكافور، وأشجار الذهب مرصعة بالجواهر واليواقيت، وشموع من ذهب في رأس كل شمعة قطعة من الياقوت الأحمر تلمع لمعان النار، وأشجار العود قائمة بين ذلك، وفي آخر المجلس رحى من ذهب تطحن المسك والكافور والعنبر، وفي ناحية من المجلس بحيرة في جوانبها من الجواهر والعنبر والفصوص شيء يقصر الوصف عنه. وذكر أشياء أخر تحير الأسماع). . .

يد. . وشكرها:

كان عبيد الله بن عباس ابن عم النبي صلوات الله عليه من أكثر الناس جوداً وأعظمهم سخاء وبذلا، وهو أول من مد الموائد على الطرق، ومن جوده أنه أتاه رجل وهو بفناء داره فقال يا ابن عباس إن لي عندك يداً سابقة وقد احتجت إليها، فصعد فيه بصره فلم يعرفه ثم قال: وما يدك عندنا؟ قال الرجل: رأيتك في مرة واقفاً بزمزم، وغلامك يمتح لك الماء منها، والشمس قد صهرتك، فظللتك بطرف ردائي حتى شربت

قال ابن عباس إني لأذكر ذلك، وإنه ليتردد بين خاطري وفكري، ثم قال لقيمه: ما عندك؟ قال: مائتا دينار وعشرة آلاف درهم، قال أدفعها إليه، وما أراها تفي بحق يده عندنا. . .

واحدة بواحدة:

التقى برنارد شو الكاتب الساخر المعروف مرة بالممثل الهزلي المشهور شارلي شابلن، فقال شو: إنني شديد الإعجاب بك يا مسيو شابلن ولكنني لم أشهد قط فلماً من أفلامك، فرد عليه شابلن في سرعة قائلاً: وأنا كذلك شديد الإعجاب بكتاباتك ولكني لم أقرأ منها شيئاً أبداً.

وكان المرحوم الشيخ عبد العزيز البشري جالساً مع بعض أصحابه فأقبل عليهم صديق فصافحهم جميعاً إلا الشيخ عبد العزيز، فقال له أحد الحاضرين لماذا لم تسلم على الشيخ فقال: لا مؤاخذة لقد كنت أحسبه امرأة! فرد الشيخ عبد العزيز: ولكني يا أخيكنت أحسبك رجلاً. . .

نصيحة للمؤلفين:

قال أبو عثمان الجاحظ: (ينبغي لمن كتب كتاباً أن لا يكتبه إلا على أن الناس كلهم له أعداء، وكلهم عالم بالأمور، وكلهم متفرغ له، ثم لا يرضى بذلك حتى يدع كتابه غفلا، ولا يرضى بالرأي الفطير، فأن لابتداء الكتاب فتنة وعجباً، فإذا سكنت الطبيعة، وهدأت الحركة، وتراجعت الأخلاط، وعادت النفس وافرة أعاد النظر فيه، فتوقف عند فصوله توقف من يكون وزن طبعه في السلامة أنقص من وزن خوفه من العيب، ويفتهم معنى قول الشاعر:

إن الحديث تغر القوم خلوته ... حتى يلج بهم عي وإكثار

ويقف عند قولهم في المثل: كل مجر في الخلاء يسر، فيخاف أن يعتريه ما اعترى منأجرى قوسه وحده أو خلا بعلمه عند نقد خصومه وأهل المنزلة من أهل صناعته، ليعلم أن صاحب القلم يعتريه ما يعتري المؤدب عند ضربه وعقابه، فما أكثر من يعزم على خمسة أسواط فيضرب مائة، لأنه ابتدأ الضرب وهو ساكن الطباع فأراه السكون أن الصواب في الإقلال، فلما ضرب تحرك دمه، فأشاع فيه الحرارة، فزاد في غضبه، فأراه الغضب أن الرأي في الإكثار، وكذلك صاحب القلم، فما أكثر من يبتدئ الكتاب وهو يريد مقدار سطرين ويكتب عشرة، والحفظ مع الإقلال أمكن، وهو مع الإكثار أبعد). . .

أي الحكمين أقسى:

لما حكم القضاة على سقراط الحكيم بالموت قال لهم: (لقد حكمتم علي بالموت لأنني لم أتملقكم ولم أخاطبكم بالكلام الذي تودون سماعه، ولكنني غير نادم على ما فعلت. حكمتم علي بالموت والحق قد حكم عليكم بأنكم أشرار ظلمة). . .

المبدأ الأول للحكمة:

قيل لأحد الحكماء: من أي إنسان ينبغي أن تؤخذ مبادئ الحكمة فقال: من الأعمى لأنه لا يضع قدمه على الأرض إلا بعد أن يتحقق موضعه بعصاه. . .

الأموات يحكمون الأحياء:

يقول جوستاف لوبون في كتابه روح الاشتراكية: (إذا أجتمع عدد من الناس ليعالجوا مسألة سياسية أو دينية أو خلقية، فالأموات هم الذين يتباحثون لا الأحياء، وذلك لأن الأحياء إنما يتكلمون بروح أجدادهم وما سمعوه عنهم، فليس كلامهم في الحقيقة إلا صدى لنداء الأموات الذي لا مفر للأحياء من الإصاخة إليه). . .

العمل للعمل:

يقول الكاتب الأمريكي أمرسون: (الطبيعة تقول للإنسان اعمل يا بني. اعمل في كل حين. اعمل سواء أكنت مأجوراً أو غير مأجور. كل ما عليك أن تعمل وجزاؤك لن يضيع. . . اعمل مهما كان نوع العمل ومهما فشلت فلا تجبن ولا تيأس. إنك للعمل خلقت وبالعمل ستفوز، وأقل جزائك على عمل تنجزه أنك أنجزته). . .

وظيفة للضحك:

قال المسيو دي فاريني: (إن الضحك احتجاج على عمل مناقض لأصول الاجتماع وتنبيه إلى سلوك النظام المتبع، فهو إذن ذو وظيفة اجتماعية إصلاحية، ولذلك انفرد الإنسان به دون الحيوان).

أيد ثلاثة:

قال يونس النحوي: (الأيدي ثلاثة. يد بيضاء ويد خضراء ويد سوداء، فاليد البيضاء هي الابتداء بالمعروف، واليد الخضراء هي المكافأة على المعروف، واليد السوداء هي المن بالمعروف)

يقول زنوج أفريقيا في أمثالهم:

إن ما يقال أمام أسد ميت لا يمكن أن يقال أمام أسد حي.

الملك محق في كل ما يقول سواء أكان باطلاً أم حقاً.

قد يكون من الحقيقة قولك إنك قتلت فيلاً، أما أن تقول إنك حملته فكذب.

العالم يقوم على ثلاثة أشياء: زرع الذرة، وحصدها، وأكلها.

لا يتحول الرغيف إلى تمساح وإن أبقيته في الماء عشر سنوات.

إن ما يرضعه العجل هو ما أكلته البقرة.

من لا يملك شيئاً لا يعاديه أحد.

لسانك أسد فإن أطلقته قتلك.

لا تعاشر من لا تعرف طباعه.

الذكاء أفضل من القوة.

سحب امرأتك ولكن لا تأمن جانبها.

الرجل الصالح لا يهجر أصدقاءه في محنهم.

(الجاحظ)