مجلة الرسالة/العدد 730/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 730/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 730
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 30 - 06 - 1947



الموشحات:

نشرت (الراديو المصري) حديثاً في الموشحات الأندلسية للدكتورة سهير القلماوي، فيه نشأة فن الموشح في الأندلس، وتتبعت مراحل تطوره المختلفة، إلى آخر عهد العرب بأسبانيا، ومما يعد جديداً في هذا الموضوع ما ذكرته من أثر الموسيقى في فن التوشيح إذ قالت: (وفي عصر ملوك الطوائف برزت مدينة أندلسية بعنيف أثرها في الحياة الاجتماعية كلها وفي الناحية الفنية منها خاصة، تلك هي مدينة أشبيلية بما قد عرف من أهلها من ميل للفن وما قد اشتهروا به من إتقان لفن الموسيقى وشغف الشعبكله بها، وأثرت تلك البيئة المفعمة بالموسيقى في هذا الفن أبلغ الآثار، فقد قدمت له فنوناً من التجديد والحياة لم يكن ليعرفها شعر حديث ولا قديم).

وانتقلت بعد ذلك إلى ما نشأ عن هذا التأثر من استئثار الموسيقى بالشعر كما استأثر به فن البديع في المشرق، وكلف الوشاحون بالموسيقى حتى أغفلوا المعنى في سبيلها، ويبلغ هذا الكلف حد التكلف الذي يميل بالوشاح إلى الافتعال والتعسف ليخرج أنغاماً وألحاناً، ولكن سرعان ما تقوم حركة بين الشعراء لمقاومة هذا التكلف، فيأخذون من هذا التيار ما قد أتاح لهم من مميزات موسيقية تجد فيها المعاني الشعرية حياة جديدة، وخاصة فن الغزل لملاءمة طبيعته للموسيقى، ويزدهر الموشح في الغزل حنيناً، ولكن قوماً يخرجون به إلى المدح والوصف والهجاء والرثاء وسائر أغراض الشعر، فيحملونه ما لا يطيق، ويصل التوشيح بذلك إلى طور آخر من أطوار التكلف، لأن موسيقاه السهلة اللينة المتجددة تلائم أنواعاً من المعاني دون سواها؛ ولكن هذه المحاولة تتكشف عن كسب جديد لفن الموشح، فقد فتحت له آفاق الوصف ووصف الطبيعة بالذات على نحو لم يكن يعرفه الشعر العربي، وإذا هذه الطبيعة المتقبلة الفائرة بالحياة لا يلائمها إلا مثل هذا الشعر الفائر القوي بموسيقاه، وتبدأ حركة شعراء الطبيعة منذ ابن سهل قوية ولكنها تشتد وتزداد على الأيام قوة حتى تصل عند آخر شعراء غرناطة، عند ابن زمرك، إلى أقصى درجات قوتها وجودتها).

وتتوالى الأحداث على الدولة العربية بالأندلس فتنتزع منها بقاع يشعر الشعراء بالحنين إليها وإلى عهودهم فيها، ويمتزج هذا الحنين بالشعور بجمال الطبيعة، فينفتح باب م الشعر لا يليق به شيء مثل الموشح. وكأن الدكتورة سهير تضيف بذلك موضوعاً للشعر غير الموضوعات المعروفة عند شعراء العرب والتي يقال أن الأندلسيين لم يخرجوا عنها، وإنما كان تجديدهم في الوزن والقافية، ذلك الموضوع هو الحنين إلى الوطن الممتزج بوصف جمال الطبيعة.

وأعود إلى ما بدأت به الدكتورة بحثها من الكلام على أولية فن الموشحات، فقد ناقضت ابن خلدون في نصه على أن المخترع له هو مقدم بن عافر، وقالت إن الأندلسيين عرفوا قبله تخميس الأبيات في آخر العصر الأموي وأول عصر ملوك الطوائف الذي عاش فيه المخترع، ولكنها لم تأت بمثل لذلك تستند إليه مناقضتها، ولعلها استخلصت ذلك من أقوال بعض المؤلفين، وذكر ابن بسام في (الذخيرة) اسما آخراً لمخترع الموشحات هو محمد بن حمود العمري الضرير. على أن التخميس لا يلزم أن يكون توشيحاً.

لون من الشعر المصري:

نشرت (الأهرام) الأبيات التالية للأستاذ محمد الأسمر تحت عنوان (عذراء قنا):

عذراء من أرض قنا ... شريفة المحلة

ألفيتها عريانة ... لم تستر بحلة

قبلتها فقهقهت ... ضاحكة من قبلتي

ولم أزل ألثمها ... حتى شفيت علتي

حبيبتي تلك وما ... عنيت غير (قلتي)

وهذه الأبيات الظريفة تمثل الروح المصرية الفكهة، كما يمثلها الشعبيين في (القلة) أيضاً:

(جايه من الترعة في الضحك والكركرة)

(والبوسة منها حلوة زي السكرة)

وكما مثلها منذ قرون الشعراء المصريون من أمثال البهاء زهير وأبي الحسين الجزار والسراج الوراق؛ ومما يلاحظ شبه أبيات الأستاذ الأسمر بما كان يقوله الشعراء في تلك العصور في وصف الأشياء التافهة كقول أحدهم في مسبحة:

ومسبحة مسودة لونها ... يحكى سواد القلب والناظر

كأنني عند اشتغالي بها ... أعد أيامك يا هاجري ولقد كان بعض المتصدين لتاريخ الأدب يعيبون هذا اللون من الشعر، لأنه يقال في الأشياء التافهة، وفاتهم أن كل شيء بصلح موضوعاً للأدب ما دام موضع حس الأديب ومناط شعوره.

التغزل في القدم:

قرأت في مجلة (آخر ساعة) تحت عنوان (قدم تبتسم) ما يلي:

(تقول فلورا تريستان: لم أر بين الشعراء على كثرتهم من عني بالتغزل في قدم محوبته. . . هذا العضو الذي لولاه ما اندفعت صاحبته إليه. ولكن هناك بيتاً واحداً من الشعر قاله فكتور هوجو في هذا الصدد:

(كانت قدمها تبدو باسمة بالقرب من قدمي).

لقد وجد إذن من تغنى بقدم محبوبته، ولكن ما أقبح الصورة! من يتصور قدماً تبتسم؟ إن نعلاً فاغراً فاه قد يستطيع أن يتثاءب. . . ولكن القدم لا تبتسم).

وليست الصورة قبيحة، لأن الشاعر يريد بابتسام القدم أنها مشرقة ناضرة، والنعل الفاغرة فاها قد يصح تثاؤبها إذا لوحظ في صورتها التثاقل والتراخي، لأن مدار الاستعارة على ملابساتها، ولكن الصورة، وإن نفيت عنها القبح، ليست شيء.

ثم أقول: وكذلك أهمل شعراء العرب التغزل في القدم، ولم يخطر ذلك، فيما وقفنا عليه، إلا لنصيب بن رباح إذ قال:

تخطو على الأرض، ليت القلب منبسط ... تخطو على جانبيه هذه القدم

إذا مشت تركت أقدامها أثراً ... فوق الثرى كاد مثل الركن يستلم

وهناك شيء مثل هذا، في الشغف بالقدم، ولكنه غزل عملي، إن صح أن يكون الغزل عملاً؟ ذلك أن المأمون قبل قدم جاريته (عريب) فقالت له: والله يا أمير المؤمنين لولا ما شرفها الله من وضع فمك الكريم عليها لقطعتها. حلفت ألا تغسل هذه القدم إلا بماء الورد. وقالوا إنه برت فظلت حياتها لا تغسلها إلا بماء الورد.

مصطلحات المجمع اللغوي:

يتساءل كثير من الناس عن الكلمات العربية التي يضعها مجمع فؤاد الأول للغة العربية في العلو والفنون والشئون المختلفة، وبين هؤلاء المتسائلين من يتهم المجمع بالكسل والتقصير في مهمته، وقد يكون لهم العذر في ذلك، لأنهم لا يكادون يرون شيئاً من أعماله وآثاره، ولكن ليس معنى ذلك أنهم على حق في كل ما يرمون به المجمع، فهو يعمل وإن كان بطيئاً متوانياً، فلم تذهب دوراته الماضية عبثاً، بل أنتج وإن كان نتاجه يجب إلى القلة العزلة والانزواء. . . بدليل أنه لم يصل إلى أولئك المتسائلين لأنه لم ينشر كما يجب أن ينشر، وخاصة بعد أن توقفت مجلة المجمع عن الظهور من جراء الحرب الماضية، ولعلها تستأنف الظهور قريباً، فقد أعدت مواد العدد الخامس، ويقال إنه قد بدئ بطبعه.

وضع المجمع مصطلحات العربية تزيد على عشرة آلاف مصطلح في الكهرباء واللاسلكي، والاقتصاد السياسي، والطب والرسم والموسيقى والطبيعة والكيمياء والهندسة والقوانين وعلوم الأحياء وفن العمارة والشئون العامة. وقد استخدم بعض هذه المصطلحات في الكتب المدرسية، وشاع كثير منها في البلاد العربية حتى أن وزارة العدل العراقية أدخلت مصطلحات القانون المدني التي وضعها المجمع في قانونها الجديد، ولذلك طبعت هذه المصطلحات مستقلة في كتيب نشرته في العراق. . .

أما مدى انتشار هذه المصطلحات في مصر فليس يعدو مجموعة منها (هي ما تم من سنة 1934 إلى 1939) طبعتها وزارة المعارف وتبيعها لمن يطلبها وأكثر الناس لا يعلمون بها، وليس هناك من الكسب ما يغري المكاتب ودور النشر بنشرها.

وهناك مصطلحات وضعتها اللجان الفرعية ولم يقرها المجمع بعد، وقد رأى تعرض هذه المصطلحات على الهيئات العلمية المختلفة، وأن تتلقى اللجان ما يرد من الملاحظات عليها، وخصوصاً المصطلحات التي وضعتها لجنة المصطلحات الطبيعة بالمجمع في علوم التشريح ووظائف الأعضاء والأنسجة وأمراض الجلد وغيرها لأن هذه المصطلحات الطبية التي تبلغ نحو أربعة آلاف مصطلح قد لا يتسع وقت المجمع للنظر فيها فيكتفي ببحث اللجنة إياها على ضوء ما تتلقاه من ملاحظات الهيئات العلمية، للوصول إلى اللفظ العلمي الصحيح؛ وذلك أن المجمع رأى أن تعرض اللجنة عليه المصطلحات الطبية الشائعة التي تتناولها أقلام الكتاب والأدباء، أما المصطلحات التي تتعلق بالتفصيلات الفنية فإن لم يتسع لها وقت المجمع يكتفي فيها بعمل اللجنة. ولذلك كتبت اللجنة إلى الهيئات العلمية أنها لا ترى مانعاً من أن يستعمل المؤلفون في كتبهم هذه المصطلحات بشرط أن ينصوا على نسبتها للجنة حتى لا يظن أنها من قرارات المجمع النهائية. .

التربية الفنية:

نشرت (الأهرام) إن وزارة المعارف تعد مرسوماً بإنشاء لجنة استشارية للفنون الجميلة، تختص بإنشاء متاحف الفنون الجميلة والإشراف الفني على تنظيمها وتنسيق معروضاتها واقتناء الطرف وحفظها وترميمها، وتنظر في سياسة تعليم الفنون الجميلة في مصر وفي الخارج وتعمل على الاشتراك فيها، وتقدم الإعانات للجمعيات الفنية لتشجيعها، وتنشئ الجوائز والمكافآت للفنانين، وتعمل على حماية الآثار والمواقع التاريخية والمناظر الطبيعية والميادين العامة وما يقام فيها من نصب وتماثيل ومنشئات تذكارية، وتضع الاقتراحات والرغبات المتصلة بوسائل تشجيع رجال الفنون من أبناء البلاد، وتربية الملكات الفنية وتهذيب الذوق عند الجمهور.

وهذا البرنامج الضخم يتلخص في كلمتين هما (التربية الفنية) وليس هذا التلخيص للتقليل، إنما المقصود حصر الفكرة للدلالة على عظم شأنها، فتربية الشعب، جمهوراً وتلاميذ مدراس، تربية فنية قوامها إبراز المواهب وتعهد الملكات وترقية الذوق العام، ليست بالأمر الهين اليسير الذي تستطيع أن تستقل به اللجنة المزمع إنشاؤها بوزارة المعارف، بل هو يحتاج إلى جهود أكبر من ذلك، والمأمول أن تكون هذه اللجنة أولى الخطوات في هذا الطريق. . .

إن هذا الشعب تكمن فيه بذور الفن، وإنني أعتقد أن الإنسان على العموم فنان بالطبع، فهو إن لم يكن منتجاً، متذوق لجمال أي ناحية من نواحي الفنون، وليس أصلح للناس ولا أنفع لهم من استغلال طبائعهم الفنية في ترقيتهم وتهذيب نفوسهم.

ومما يؤسف له أن الحياة الفنية أصبحت عندنا في غاية الاضطراب والفوضى، تكثر فيها العناصر الدخيلة التي يعوزها الاستعداد أو تنقصها الدربة، ومن وراء ذلك ملكات مقبورة ومواهب مهملة.

وإذا كانت الدولة تنفق مبلغاً كبيراً من المال في استقدام الفرق الأجنبية لترقية فن التمثيل وإرضاء أذواق الطبقة العالية، فإن الطبقات الأخرى من الشعب لأحوج إلى هذه العناية بدلاً من أن تتركها فريسة للمتجرين بالفنون، الهابطين بها في سبيل الإثراء وجمع الأموال. . .

وأظن إنه قد مضى ذلك العهد الذي كنا فيه نجمل الأحياء التي ينزل بها (الخواجات) ونزين الطرق التي يسلكونها، وندع المواطنين تقذي الأتربة عيونهم، وتملأ روائح العفونة أنوفهم، ويهاجمهم الذباب من كل حدب وصوب. مضى ذلك العد ولكنا صرنا إلى حال لا يتهم فيها بالأجانب ولا بالمواطنين!

ولا سبيل إلى تهذيب ذوق الجمهور إلا بالنظافة وتعويده على الإحساس بالجمال، والشعور بجمال المحسات طريق إلى إدراك الجمال المعنوي، وهذه هي غاية التربية الفنية المنشودة، ومن وسائلها تحقيق برنامج اللجنة الفنية التي تنشئها الآن وزارة المعارف والتي نرجو لها التسديد والتوفيق.

العباسي