مجلة الرسالة/العدد 732/تفسير الأحلام

مجلة الرسالة/العدد 732/تفسير الأحلام

ملاحظات: بتاريخ: 14 - 07 - 1947


9 - تفسير الأحلام

للعلامة سجموند فرويد

سلسلة محاضرات ألقاها في فينا

للأستاذ محمد جمال الدين حسن

الرموز في الأحلام:

والأشياء التي تمثل في الحلم بالرموز ليست كبيرة العدد، وهي تنحصر في: جسم الإنسان كمجموعة، والأباء، والأبناء، والإخوة، والأخوات، والولادة، والعرى - وثمة شيء آخر. والتمثيل النموذجي الوحيد، أي الذي يتكرر ظهوره باستمرار، لجسم الإنسان كمجموعة هو (المنزل)، كما يقرر ذلك الفيلسوف (شرنر) الذي أراد أن ينسب إلى هذا الرمز دلالة شاملة فوق ما يستحقها. والناس يرون في أحلامهم أنهم يهبطون الدرج الخارجي للمنزل وقد انتابهم شعور من الفرح أحيانا ومن الفزع أحيانا أخرى. والمنزل إذا كان أملس الحائط فهو يرمز إلى رجل، أما إذا كان يحتوي على بروزات وشرفات تصلح للتعليق بها فهو يرمز إلى امرأة. والأب والأم يظهران في الحلم على شكل (إمبراطور) و (إمبراطورة) أو (ملك) و (ملكة) أو أية شخصية عظيمة أخرى. أما الأبناء والأخوة والأخوات فإنهم يعاملون في الحلم برقة أقل، فيرمز إليهم (بحيوانات صغيرة) أو (حشرات). والولادة تمثل غالباً بإشارة إلى (الماء)؛ فنرى أننا إما نقع في الماء أو نخرج منه، أو ننقذ أحداً من الغرق أو ينقذنا منه، أي أن العلاقة بين الأم والطفل تبدو في صورة رمزية. أما الموت فيمثل بالاستعداد للقيام (برحلة) أو (سفر) بالقطار، بينما ترمز (الملابس) و (البزة الرسمية) إلى العرى. وهنا ترون أن الخط الذي يفصل بين التمثيل الرمزي والتمثيل التلميحي يمثل إلى التلاشي.

ونحن لا يسعنا بجانب هذا الفقر في الإحصاء إلا أن نعجب أيما عجب عندما نرى أن أشياء كثيرة من التي تنتمي إلى أفق آخر من الأفكار تمثل بعدد وافر من الرموز، وهذه الأشياء التي أعنيها هي كل ما يختص بالحياة الجنسية من أعضاء التناسل والعمليات الجنسية والجماع. فكمية فائقة منالرموز في الأحلام عبارة عن رموز جنسية، ومن هن يختل التوازن إذ أن الأشياء التي تعالجها الرموز قليلة العدد بينما الرموز نفسها عديدة بشكل غريب، بحيث يمكن لكل من هذه الأشياء القليلة أن يعبر عنه برموز كثيرة متماثلة تقريباً من الوجهة العلمية. ولذا فإننا عندما نقوم بتفسير هذه الرموز فإن هذه الخاصية تتسبب في جرح الشعور العام لأن هذه التفسيرات كلها تعتبر واحدة إذا قسناها بالأشكال المختلفة التي تمثل بها في الأحلام. وهذا من غير شك لا يسر كل من يقدر له أن يعرفه، ولكن ماذا في وسعنا أن نعمل؟.

ولما كانت هذه هي المرة الأولى التي أتكلم فيها عن الحياة الجنسية، فإنني أجدني مديناً لكم ببعض الشرح عن الخطة التي سأتبعها في معالجة هذا الموضوع. فالمحلل النفساني لا يرى أي داع لأن يخفى شيئاً أو يلمح إليه بطريقة غير مباشرة، وهو لا يجد غضاضة في ال بمادة غزيرة كهذه المادة، وإنما هو من الرأي القائل بأن من الأصوب والأفضل لنا أن نأمن جانب التأويلات المختلفة. ولئن كنت أتحدث إلى خليط من الرجال والنساء، فلن يغير هذا من الموقف شيئاً. فليس هناك من العلوم ما يمكن معالجته بطريقة تصلح لفتيات المدارس، كما أن النساء الموجودات قد عبرن بحضورهن إلى هذه القاعة تعبيراً ضمنياً عن رغبتهن في المعاملة كالرجال سواء بسواء.

والجهاز التناسلي للذكر يمثل في الحلم برموز كثيرة قد نستطيع أن نتبين في معظمها وجه المقارنة بوضوح. فمثلا العدد المقدس (ثلاثة) عبارة عن رمز للجهاز بأكمله. أما الجزء المعروف منه وهو ما يهم الجنسين على السواء، أعني القضيب، فيرمز إليه أولا بأشياء تشبهه في الشكل أي طويلة منتصبة مثل (العصا) و (المظلة) و (الأعمدة) و (الأشجار) وما شابه ذلك. كما أنه يرمز إليه كذلك بأشياء لها مثله خاصية الاختراق، ومن ثم إيذاء الجسم أي الأسلحة المدببة من أي نوع كانت مثل (المدية) و (الخنجر) و (الرمح) و (السيف). والأسلحة النارية أيضاً (كالبندقية) و (الطبنجة) و (المسدس) يستخدم كثيراً لما لها من شكل يجعلها رموزاً صالحة للاستعمال. فنجد أن المطاردة بواسطة رجل مسلح بمدية أو بندقية في آخرها حربة تلعب دوراً كبيراً في أحلام القلق للفتيات الصغيرات. وربما كان هذا الرمز أكثر الرموز ظهوراً في الأحلام، وها أنتم الآن تستطيعون ترجمته من تلقاء أنفسكم. والاستعاضة عن القضيب بأشياء يفيض منها الماء مثل (الصنبور) و (الينبوع) وكذلك الاستعاضة عنه بأشياء لها القدرة على الاستطالة مثل (المصابيح التي تعلق على بكرة) و (الأقلام التي ينزلق فيها الرصاص داخل وخارج الغلاف) تعتبر من الرموز السهلة الفهم. ومما لاشك فيها أيضاً أن (المطرقة) و (قلم الرصاص) و (مبرد الأظافر) و (البنة) وغير ذلك من (الأدوات) عبارة عن رموز جنسية مذكرة من السهل جداً معرفة وجه المقارنة بينها وبين القضيب.

ولهذا العضو صفة خاصة (وهي جزء من ظاهرة الانتصاب) تمكنه من القيام من تلقاء ذاته غير مكترث بقانون الجاذبية، وهذه الصفة تؤدي إلى أن يرمز إليه في الحلم (بمنطاد) أو (طائرة) وأخيراً فقط (زبلن). بيد أن الأحلام لها طريقة أخرى أشد غرابة في الرمز إلى الانتصاب وذلك بأن تدمج العضو الجنسي في الجزء الرئيسي من الشخص بحيث يرى الحالم (أنه نفسه يطير). أرجو أن لا تقلقوا لسماعكم لأول مرة أن الأحلام الجميلة التي نعرفها كلنا والتي نرى أنفسنا نطير فيها، يجب أن تفسر على أنها تهيج جنسي أو أحلام انتصاب، فهذا التفسير قد أثبته أحد علماء التحليل النفسي وهو (ب. فيدرن) بشكل لا يدع مجالا للشك. هذا علاوة على أن (مورلي فولد) وهو رجل يثنى عليه كثيراً لأحكامه الرزينة، قد أجرى تجارب كثيرة على أوضاع اصطناعية للأيدي والأقدام فوصل إلى نفس النتيجة مع العلم بأن نظرياته كانت تبعد في الواقع كثيراً عن نظريات التحليل النفسي (بل لعله في الحقيقة لم يكن يعلم شيئا بالمرة عن هذا العلم) كما يجب عليكم أن لا تفكروا في المعارضة باعتبار أن المرأة ترى أيضاً أنها تطير في الحلم، فالأفضل لكم أن تتذكروا أن الغرض من الأحلام هو إشباع الرغبات، وأن الرغبة في أن تصير رجلا كثيراً ما تقابل في المرأة سواء شعرت بها أم لا. وفضلا عن ذلك فإن الشخص الذي له إلمام بعلم التشريح أن تستطيعوا التمويه عليه إذا قلتم له إنه من المستحيل على المرأة أن تحقق هذه الرغبة عن طريق احساسات تشبه احساسات الرجل، لأنه يعلم أن الجهاز التناسلي للمرأة يحتوي على عضو صغير يشبه القضيب، وهذا العضو الصغير، المسمى بالبظر، يلعب في الطفولة وفي السنوات التي تسبق المعاشرة الجنسية نفس الدور الذي يلعبه القضيب.

وهناك رموز جنسية مذكرة يصعب فهمها قليلا مثل (الأفاعي) و (الأسماك) ومثل الرموز المشهور (الثعبان). كما أن الصعب علينا فعلا أن نتكهن بالسبب الذي من أجله تستخدم (القبعات) اهتمامو (المعاطف) بنفس الطريقة، غير أن معناها الرمزي لا ريب فيه من غير شك. وأخيراً فإن لنا أن نتساءل إذا كان من الممكن أن نعتبر تمثيل القضيب بأحد الأعضاء الأخرى مثل اليد أو القدم تمثيلا رمزيا؟ أظن أن سياق الحوادث وما نصادفه من الرموز المؤنثة المقابلة لذلك سيضطرنا إلى الاعتراف بهذه النتيجة.

أما الجهاز التناسلي للأنثى فيرمز إليه بكل الأشياء التي تشترك معه في صفة الإحاطة بفراغ أو التي تصلح للاستعمال كأوعية مثل (الحفرة) و (الحب) و (المغارة) وكذلك (الجرة) و (الزجاجة) و (الصناديق) من مختلف الأحجام والأشكال، و (الخزانة) و (الأدراج) و (الجيوب) وما شابه ذلك و (السفن) أيضاً تدخل ضمن هذا الاعتبار. وكثير من الرموز حرية بأن تشير إلى الرحم أكثر من أي عضو تناسلي آخر، مثل (الدولاب) و (الموقد) وأهم من ذلك كله (الحجرة). والتمثيل الرمزي بالحجرة هنا يرتبط مع التمثيل بالمنازل، بينما (الأبواب) و (البوابات) تمثل الفتحات التناسلية. وهناك أيضاً مواد من أنواع مختلفة ترمز إلى المرأة (كالخشب) و (الورق) والأشياء المصنوعة منها مثل (الكتب) و (الموائد). أما من عالم الحيوان (فالقواقع) و (أم الخلول) يجب أن تدخل على أي حال ضمن الرموز المؤنثة التي لا يخطئها الظن. وأما من أجزاء الجسم نفسه (فالفم) يمثل الفتحة التناسلية، بينما نجد أن (الكنائس) و (المعابد) بين الأبنية عبارة عن رموز للمرأة. ومن هذا ترون أن هذه الرموز كلها ليست على درجة واحدة من سهولة الفهم.

والنهود كذلك يجب أن تدرج ضمن الأعضاء الجنسية وهي تمثل (بالتفاح) و (الخوخ) و (الفواكه) على العموم. أما شعر العانة في الجنسين فيرمز إليه في الحلم (بغابة) أو (أيكة). وترجع العلة في تمثيل الجهاز التناسلي للأنثى غالباً (بأصقاع) تحتوي على غابات وصخور ومياه إلى طبيعته التبوغرافية المعقدة، بينما التركيب الميكانيكي الدقيق للجهاز التناسلي للذكر يؤدي إلى الرمز إليه بكل الأنواع المعقدة التي لا يمكن وصفها من (الآلات).

غير أن هناك رمزاً آخر للجهاز التناسلي للأنثى يستحق الذكر هنا وهو (صندوق الجواهر) بينما (الجواهر) و (الكنوز) تستخدم في الحلم كرموز تمثل الشخص المحبوب، و (الحلوى) تقوم غالباً مقام اللذة الجنسية. أما التلذذ الجنسي الناتج عن اللعب في الأعضاء التناسلية للشخص نفسه فيرمز إليه بأي نوع من أنواع (اللعب) ومن بينها (اللعب) على البيان. والتمثيل الرمزي (للعادة السرية) (بالانزلاق) و (التزحلق) وأيضاً (يجذب فرع من الشجرة) يعتبر تمثيلا نموذجياً. ومن الرموز التي تستحق النظر أيضاً (سقوط أو اقتلاع الأسنان) ومعناها المبدئي من غير شك هو الخصي كعقاب للإدمان على العادة السرية. ومن الغريب أن عملية الجماع نفسها تمثل في العلم بدرجة أقل مما كنا نتوقع بعد كل هذا، ولكنا نستطيع أن نذكر هنا أنواع الرياضة ذات النغم المطرد مثل (الرقص) و (ركوب الخيل) و (التسلق)، وكذلك (تعرض الإنسان للشدائد) كأن تدهمه مركبة كما أن في إمكاننا أيضاً أن نضيف إلى ذلك بعض الأشغال اليدوية وكذلك التهديد بالأسلحة من غير شك.

(يتبع)

محمد جمال الدين حسن