مجلة الرسالة/العدد 733/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 733/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 733
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 21 - 07 - 1947



بين الشبان والشيوخ:

مسالة الشيوخ والشبان في الأدب بمصر، مسالة قديمة ظهرت بوادرها منذ سنين، إذ هب بعض أدباء الشباب يعلنون أن الشيوخ يستأثرون بمجالات الأدب، ويتجاهلون الشبان، ويسدون عنهم الطرق؛ وقامت إذ ذاك معركة كان هجوم الشباب فيها عنيفا، ودفاع الشيوخ متثاقلا غير مكترث. . وسكن عجاجها، ولكن دواعيها وآثارها بقيت كامنة، تبدو في أحاديث المجالس وخاصة بين الشباب، وتحجم عن الظهور في كتابة منشورة، لأن فرقاً الشباب قد انطووا تحت ألوية الأدباء الكبار، وخاصة من رأوهم بحيث يقدمون ويؤخرون، وينفعون وقد يضرون. . . ومن الشباب من لم يستطيع أن يعلن ثورته، لأن المشرفين على النشر من الشيوخ لا يمكنون له، أما مجاملة، أو لأن ما يكتب يند عن اللقيان.

استقرت الحال على ذلك، ودامت الهدنة طيلة السنين الماضية، ولكنها الآن أعيدت جذعة. . . فمن آثارها؟ أهو الدكتور طه حسين بك في (هلال) يونية الماضي، أم الأستاذ سيد قطب في (العالم العربي) هذا الأسبوع؟

قال الدكتور طه في مقاله بالهلال: أن الشباب يقولون للشيوخ أفسحوا لنا الطريق إلى الأدب والعلم والفن، والشيوخ لا يصدون الشباب عن أدب أو علم أو فن، وتساءل: أليس من الممكن أن يكون ينفسه الشباب على الشيوخ إنما ما قد ينتجه الأدب والعلم والفن من إقبال الناس على الشيوخ اكثر مما يقبلون عن الشباب؟ وقال أن الشهرة لا تكسب ألا بالعمل الشاق، والمال يسعى إلى العاملين وهم اشد مما يكونون ابتذالا له واستهزاء به. والشيوخ في طريقه إلى الراحة الموقوتة أو الدائمة، والشباب في طريقهم إلى أن يأخذوا مكان الشيوخ، والذوق كل الذوق ألا يتعجل الأبناء مصارع الاباء، والخير كل الخير أن تقوم الصلات بين الأجيال على المودة والحب لا على التنافس الذي يحفظ القلوب ويفسد الضمائر.

مر هذا الكلام عابرا سالما أربعين يوماً، ولكن الأستاذ سيد قطب عده اعتداء على دولة الشباب، فأعلن بدء المعركة بين الشبان والشيوخ في العدد الأخير من مجلة العالم العربي، قال إنه يواجه الدكتور وسائر الشيوخ بالحقيقة التي يحسها الشبان ويرددونها في ندواتهم ومجامعهم: إن هذا الجيل من الشيوخ قد تخلى عن امانته، لا لذلك الجيل من الشبان فحسب، ولكن للوطن، وللمجتمع، وللإنسانية، وأخيراً للضمير الأدبي كله).

وبين هذا التخلي عن الأمانة بأن شيوخ الأدب لم يرعوا قضايا الوطن المعلقة في خلال الحرب الماضية، وإنما انصرفوا إلى الدعاية لقضية المستعمرين في الإذاعة والصحف والكتب ابتغاء الذهب، وإيثاراً للذائذ الخاصة على مصائر الأوطان ومصالح الأقوام.

ولما وضعت الحرب أوزارها لم يكونوا في نصرة الشعوب العربية التي نهضت تطالب بحقها، ولم يكونوا في الميدان القومي، بل كانوا في ميدان الحزبية أبواقاً لها. . . ولم يناضلوا لتحقيق العدالة الاجتماعية إلا قلة منهم استجابي في تخاذل لهتاف الشعب، واندفعت الكثرة وراء أرستقراطية مصطنعة تتظاهر بها، ووراء رخاء مادي تناله من ذوي السلطان والثراء، ثم قال: (هجرتم صحفكم الأدبية العلمية النظيفة، ورضيتم صحفا أخرى، وواعدتمونا هناك، حيث لقيناكم وبجواركم الأفخاذ العارية والموضوعات القذرة)، وقال (إننا لم نجد عندكم الضمير الأدبي الذي كنا نتخيله في الأساتذة المرموقين. فانتم لا تحاولون أن تبرزوا على المسرح إلا أذيالكم وبطانتكم، والذين يؤدون لبعضكم خدمات شخصية قد لا يؤيدها الرجل الشريف!. . . وإننا معذورون إذا شككنا في شهادتكم لبعض الناس، وفي إغفالكم لبعض الناس!)

وهذه التهم التي وجهها الأستاذ سيد قطب إلى شيوخ الأدب صحيحة في جملتها، وان كان قد بالغ في بعضها واشتط في بعض. .

ولكن هل هي القضية بين الشبان والشيوخ في الأدب؟

لقد كان كلام الدكتور طه في هذه القضية، أما الغارة التي شنها الأستاذ قطب، فليس من العدل أن يخص بها الشيوخ دون الشبان! لأنها قضية الوطن مع الأدباء عامة شيخهم وشبابهم، وإن كانت تبعة الشيوخ فيها اكبر، بحكم الإقبال عليهم في الأعمال التي أخذها عليهم، وبحكم مكانتهم والثقة بهم. ولم يكن فيما قاله من قضية الشبان والشيوخ في الأدب إلا ما جاء في الفقرة الأخيرة من أن الشيوخ لا يبرزون على المسرح لا أذيالهم وبطانتهم، وانهم ينحرفون في شهادتهم لبعض الناس وفي إغفالهم لبعض الناس، ولكن كيف فات الأستاذ قطب أن هؤلاء الذين يسميهم أذيالاً وبطانات من الشبان الذين يقودون المعركة باسمهم ضد الشيوخ؟

الاتحاد الثقافي المصري:

عرف القراء مما كتبناه في العدد الماضي من الرسالة، إنه تقرر أن يقام الاتحاد الثقافي المصري على أنقاض الاتحاد المصري الإنجليزي المنحل.

ونضيف الآن إلى ذلك إنه تجري الآن تصفية أمتعة الاتحاد القديم ومحتوياته ليأخذ كل عضو لا يرغب في الانضمام إلى الاتحاد الثقافي - ما يستحقه نقدا أو عينا، وفي جملة هذه الأشياء مكتبة الاتحاد، وفي مكتبة قيمة تحوي كبيرا من المؤلفات العربية والإنجليزية، واكثر هذه المؤلفات تتناول الموضوعات المصرية من مختلف نواحيها، وكانت الفائدة الوحيدة التي جنتها مصر من ذلك الاتحاد، استفادة الشباب المثقفين المصريين الذين انضموا إليه من تلك الكتب.

ولقد أثير موضوع مكتبة الاتحاد قبل نشأة فكرة الاتحاد الثقافي، من حيث مصيرها والأسف عليها، فلما استقر الرأي على تكوين الاتحاد الثقافي، هشت نفوس الآسفين لملاءمة المكتبة لفكرة الاتحاد الجديد. . . ولكن التصفية ستحتم عرضها للمزايدات والمساومات. . . وهنا تبدد أمل النفوس الهاشة، ولا يزال الأمر موضع التفكير.

ونحن نعلم أن بين الأعضاء المصريين من كانوا يهبون المئات والآلاف لحلفائنا الأعزاء. . . ولإنشاء نادي العلمين الذي انكشف بعد الجلاء عن عراء. . . ولما أضيف إلى (العلمين) ميم (المعلمين) كانت كميم المساكين، ومن أولي بالعراء منن المساكين؟

فهلا تفضل أولئك الواهبون بأقل مما كانوا يهبون لإنقاذ المكتبة؟

ولكن الأمل ضعيف في هؤلاء، فمالهم احب إليهم من العلوم والآداب والفنون، ولا احسبهم سينضمون إلى الاتحاد الثقافي، ولا باس بذلك فحسبنا الشباب المثقفون ومن في حكمهم من الشيوخ، أما المكتبة فيمكن فداؤها بجزء من ألف الجنيه التي كانت الحكومة تمنحها سنويا للاتحاد القديم، وستستمر على منحها للاتحاد الثقافي الجديد.

هذا وستدعي الجمعية العمومية من الأعضاء المصريين إلى الاجتماع في أوائل أكتوبر القادم، لتكوين الاتحاد الثقافي. والفكرة السائدة أن أعضاء مجلس الإدارة سيكونون جميعاً من المصريين، وان غير المصريين الراغبين في الانضمام إلى الاتحاد يعتبرون أعضاء منتسبين.

بقي أمر نحب أن نفضي به إلى المشرفين على تكوين الاتحاد الثقافي، ذلك إنه، وقد هدأت الحالة النفسية التي نشأت مما حدث في الاتحاد القديم والتي كان من نتيجتها الشعور الحاد بالمصرية، يجب أن نشرك شقيقاتنا العربيات في الاتحاد الثقافي، ويكون اسمه (الاتحاد الثقافي العربي) لأن العرب جميعاً يتجهون إلى الوحدة الثقافية، بل هي واقعة فعلا، وجميع الآراء متفقة على تنمية هذه الوحدة، وإنها ألزم أنواع التعاون العربي لصالح جميع الأمم العربية.

الشعر والصور:

تتحايل مجلات اللهو والتسلية بشتى الحيل على نشر صور النساء المغرية بأوضاعها المثيرة بأوضاعها المثيرة. . . فهذه ذات نظرة فاتنة، وهذه ترجل شعرها بطريقة مبتكرة، وهذه تداعب كلبها، وهذه صاحبة اجمل (مايوه) وهذه تبدو في (مايوه سنة 1947) وهذه لا يرضي عنها الشيخ أبو العيون. . .

ولم يقتصر على ذلك نشاط الصحفيين المشتغلين بهذا النوع من الصحافة، بل امتد إلى الشعراء يستعينون بهم على جديد في ذلك المضمار. . .

- ما رأيك يا أستاذ في هذه الصورة؟

- وجه حالم. . يوحي بالشعر!

وينزل الوحي) على الشاعر فيكون (جوازاً) لنشر الصورة. . . وقد أكثرت تلك المجلات في الأسابيع الأخيرة من نشر هذه الصور مع أشعار الشعراء، وقد لا يري في ذلك باساً من ينظر إلى المسالة من الناحية الفنية البحتة، ولكن الواقع أن ما ينشر من الشعر على هذه الطريقة لا يرضي الخاصة ولا يعجب العامة، لأنه مصنوع لا يعبر عن عاطفة ولا ينبئ عن احساس، وإنما يقال بدافع الرغبة في شئ ينشر، فهو أشبه بتصريحات بعض الكبار للصحفيين التي تكذب في اليوم التالي، لأنهم أرتجلوها ثم رأوا أنها لا تليق بهم!

ذكرى محمد عبده:

احتفل في هذا الأسبوع بذكرى المغفور له الشيخ محمد عبده فنشرت الصحف وبعض المجلات كلمات تناولت صاحب الذكرى من نواحيه المختلفة.

والشيخ محمد عبده حقيق بالذكرى، والناس في حاجة إلى دروس من حياته، فقد كان من أوائل المجددين في العصر الحديث. جدد في الفكر الاسلامي، وكان ممن حرروا الكتابة العربية من تكلف السجع، فقد عدل عما بدا به من التزامه، فأرسل كتابته طليقة منه، فساهم بذلك في رقي الأسلوب الكتابي وخلوصه من أغلال الصنعة؛ وقد كان الفضل في ذلك لتوجيه أستاذه السيد جمال الدين الأفغاني الذي كان يدعو تلاميذه إلى صرف الجهد عن الزخارف اللفظية في الكتابة إلى تأدية المعاني والأفكار مع أحكام التعبير. . .

ومن آثار الشيخ محمد عبده الأدبية (شرح نهج البلاغة) وشرح (مقامات بديع الزمان وكتابته في مؤلفاته ورسائله الخاصة تضعه في صفوف البلغاء من الكتاب. وتمام صفاته الأدبية براعته في الخطابة، فقد كان من خطباء الثورة العربية البارزين الذين قادوا الجماهير وغرسوا في النفوس بذور القومية المصرية.

ذكرى حافظ:

في مثل هذا اليوم الذي يصدر هذا العدد من الرسالة أي في (21 يوليه سنة 1922) نعى حافظ إبراهيم، فنحن اليوم في ذكراه الخامسة عشرة، وليت شعري ماذا يفعل قومنا في أحياء ذكرى هذا الشاعر الذي قاوم الاحتلال بشعره، والذي وضع سيفه في الجندية المغلوبة على امرها، وشهر سيفا آخر لم يكن إلا شعره، وجهه إلى صدور المحتلين.

ما أحوجنا اليوم وفي هذه المرحلة التي تمر بها قضية الوطن قاصدة نحو تمام التخلص من احتلال وادي النيل - إلى ذكرى شاعر النيل والى شعره الوطني الذي عبر به عن الأم بلاده وأمالها داعيا إلى الجهاد لتحريرها وإصلاح عيوبها ورفعة شأنها.

وما أحوجنا اليوم، وفي هذه الآونة التي اتجهت فيها الأمم العربية نحو الوحدة والتضامن في الدفاع عن حقوقها إلى ذكرى حافظ إبراهيم الذي دعا إلى الوحدة العربية، وقال الشعر في شؤون الشرق والإسلام، وغرد في حفلات التكريم العربية الجامعة.

وما أحوجنا اليوم، وقد استراح شعراؤنا من الوطنيات والقوميات و (المناسبات) وتعلقوا بذيل فكرة (الفن للفن) إلى الانتفاع بذكري حافظ إبراهيم.

(العباس) هوى وفقر

للمرحوم التيجاني يوسف بشير

سما بالهوى فقري ومن لك بالهوى ... سماوي معني كله أبداً نبل

هوى ساوقته النفس والشعر فانتمي ... إلى القلب واستولي مقاوده العقل

وهبت له نعمي الحياة وزدته ... ذخائر أسرار المفاتن من قبل

وهبت له الدنيا فاثري ولم أهب ... له التبر منها أن مشرعه ضحل

عجبت لها كم ذا أروح واغتدى ... على ظمأ، يروي سواي ويبتل

وما بي ما أفلت منها وإنما ... تخيرت من دنيا الصبابة ما يحلو

ولي في كنوز الروح سلوى وغنية ... بحسبي لا خلف لديها ولا مطل

غفرت لها أني شقيت وأنها يصح ... بها مرضي النفوس وأعتل

وهل كان ما أسموا نضاراً وفضة ... وما كاثروا الدنيا به وهم قل

وما هموا فيه الزمان ولم يزل ... يقدس من رحمانه العلم والجهل

سوي الترب وطأنا سوانا فصكه ... دنانير لم يأخذ بناصرها العدل

ضللنا وسامرنا خداعاً وبهرجاً ... ونكب عن نهج الحقيقة من ضلوا

جراح!

للأستاذ محمد برهام

يا ويح نفسي. هل عمري سأقضيه ... على الأسى، وشبابي الغض اطويه؟

يقال لي (كل ما في الكون مبتسم) ... فما لعين أصابت ظلمة فيه؟

لا الخرد الغيد تسبيني ملاحتها ... ولا الرياض بمرأى الطرف تسبيه

أعمي وما هو أعمي، غير أن رؤى ... عن الجمال، ودنيا الحسن تقصيه

ليت الذي سرد من دنياه ينصت لي ... حتى أقول الذي عندي وأمليه

أمشي وئيداً بأعصاب محطمة ... ومن يراني خطوي ليس يرضيه

يترحم الحطو تصغيراً، فيظلمني ... بالقول يطلقه، والذنب يلقيه ترمي رديئاً، ولو لم تقض عن عجل ... لكنت بالخير لا بالسوء ترميه

ذهن ملول، فأن يوكل له عمل ... يروح ينقضه طوراً، ويبنيه

يستحسن الليل ما لم يستسغه ضحي ... والرأي يرجع عنه، ثم يبديه

أني أطل بمنظار برمت به ... على الوجود وصرف الدهر مهديه

قد أعجز الكون في شتى محاسنه ... عن أن يسوق لعيني أي ترفيه

حاولت تحطيمه لكن حلوكته ... أخشى تدور على جهدي فتفنيه

فما حياتي أسواناً ومغترباً ... أن العليل جوار الناس يشفيه

دعني من الناس أدناهم وأبعدهم ... كل أقل شكاة منك تؤذيه

فداو نفسك بالسلوان عن أمل ... ظللت عمرك مخدوعاً ترجيه

واهاً لدمع يد الآلام تدفعه ... إلى الأمام، وكف الحزم تثنيه

هو الصديق الذي أشكو فيرحمني ... ويعلم السر في همي ويخفيه

أحلام وردة

للأستاذ أحمد عبد الحفيظ سلام

هات يا صبح ورقرق في رياضي نسماتي

وابعث الأضواء ترقص حول غصني ومضاتي

وانثر الطل على كاسي وتوج ورقاتي

أنني نضرت من فجر حياتي أمنياتي

ريثما انساق من مهدي إلى شعر فتاتي

أيها الجدول واف الروض بالري النمير

واقذف الموجات في شطي ولطف من هجير

واسق أغصاني وسلـ - سل نفحاتي وعبيري

أنني رقشت من أضـ - واء أحلامي مصيري

ريثما اهتز من سحر الهوى فوق الصدور

خضبي يا شمس من لألائك الباهي وشاحي والثميني يا فراشا - تي بأهداب الجناح

واسكبي الأنفاس في ثغري كأنفاس الصباح

كي انمي في هوى أطيا - فك البيض الوضاح

زهرة يروي شذاها ... صدر أصحاب الجراح

غني يا طير وردد ... نغمة العشاق غني

وأملا الكون فإني ... منك قد ألهمت فني

حينما تهتز بالألحان ... يا صداح دعني

أنظم الفن الذي ... ينساب من وحيي المرن

كي يدوي غنوة ... في عالم الأحباب مني