مجلة الرسالة/العدد 733/تفسير الأحلام
مجلة الرسالة/العدد 733/تفسير الأحلام
10 - تفسير الأحلام
للعلامة سجموند فرويد
سلسلة محاضرات القاها في فينا
للأستاذ محمد جمال الدين حسن
الموز في الأحلام:
ولكن يجب أن لا تظنوا أن هذه الرموز سهلة الاستعمال أو سهلة الترجمة فنحن أينما تلفتنا عثرنا على ما لم نكن نتوقعه. فقد لا تصدقوا مثلا إنه لا يوجد في الغالب حد فاصل بين الجنسين في هذا التمثيل المزي، فكثير من الرموز تقوم مقام الأعضاء الجنسية على العموم، سواء أكانت للذكر أم للأنثى مثلا طفل (صغير) أو ابن أو ابنة (صغيرة) كما إننا قد نجد في حالات أخرى أن أحد الرموز التي تشير في الغالب إلى عضو جنسي مذكر قد استخدم في هذه الحالة للدلالة على عضو مؤنث أو بالعكس. وهذا القول قد يظل غير مفهوم حتى نستطيع أن نحصل على بعض المعلومات عن نضوج التفكير الإنساني فيما يختص بالعلاقات الجنسية، فهذا الغموض قد يكون في كثير من الأحيان غموضاً ظاهرياً فقط وليس حقيقياً، وعلاوة على ذلك فإننا نجد أن أشد هذه الرموز لفتا للنظر مثل الأسلحة والجيوب والصناديق لا تستخدم أبداً للدلالة على الجنسين.
والآن دعوني اقدم لكم بيانا موجزا مبتدأ بالرموز نفسها بدلا من الأشياء التي ترمز إليها، لأطلعكم على المصادر التي اشتقت منها هذه الرموز الجنسية في الغالب، وسأضيف إلى ذلك بعض الملاحظات خصوصا عن تلك الرموز التي يصعب فيها تحديد وجه المقارنة بينها وبين الأشياء التي ترمز إليها (فالقبعة) مثلا أو أغطية الرأس على العموم تعتبر من الرموز الغامضة، وهي في العادة رمز مذكر وان كانت تجئ من الحين لحين كرمز مؤنث. و (المعطف) بالمثل يدل على رجل ولو إنه قد يدل في بعض الأحيان على الأعضاء الجنسية عموما من غير تميز، ولكم أن تتساءلوا عن السر في هذا. أما (ربطة الرقبة) فباعتبارها شيئاً يتدلى إلى اسفل ولا ترتديه النساء فهي بلا شك رمز مذكر بينما (الملابس الداخلية) أو (الكتان) على العموم يمثل الأنثى. و (الملابس) و (البزة الرسمية) كما قلن تمثل العرى أو جسم الإنسان. و (الموائد) و (الخشب) قلنا عنها إنها رموز محيرة ولكنها مع ذلك رموز مؤنثة؛ ومن المحقق أن (عملية تسلق) السلالم أو الأماكن الوعرة عبارة عن رمز للعملية الجنسية. وقد نلاحظ إذا دققنا النظر أن اطراد النغم أثناء التسلق هو النقطة المشتركة بين العمليتين، وربما أيضاً ازدياد اللهفة الذي يصحبهما، واحتباس النفس كلما أوغل المتسلق في الصعود.
رأينا أن (الأصقاع) تمثل الأعضاء التناسلية للأنثى، والجبال والصخور عبارة عن رموز للقضيب. و (الحديقة) وهي رمز يتكرر ظهوره باستمرار يشير إلى الجهاز التناسلي للأنثى بينما (الفاكهة) تقوم مقام النهود لا الطفل. (والحيوانات المتوحشة) تدل على الأشخاص المنفعلي الحواس ومن ثم على الدوافع الشديدة والعواطف الآثمة. و (النور) و (الأزهار) تمثل الأعضاء التناسلية للأنثى، وعلى الأخص وهي عذراء. وبهذه المناسبة أذكركم بأن النور في الحقيقة عبارة عن أعضاء التناسل في النبات.
ونحن نعلم من قبل كيف تستعمل الحجرات كرموز، وقد نستطيع أن نتوسع قليلا من هذا التمثيل فنقول أن: (النوافذ) و (الأبواب) (وهي المداخل إلى الحجرات والمخارج منها) قد تعني فتحات الجسم، ومما يتفق. مع هذا المثيل الرمزي أن الحجرة تكون (مفتوحة) و (مغلقة). و (المفتاح) الذي يفتحها هو من غير شك رمز للقضيب.
هذه المادة لا بأس بها تصلح للدراسة الرمزية في الأحلام، وهي ليست مادة كاملة، فقد نستطيع أن نتوسع ونتعمق فيها معا. ولكني مع ذلك أظن إنها قد تبدو لكم إنها اكثر من اللازم وربما لا تجوز لديكم القبول فيتساءل الواحد منكم قائلا: (أتراني حقا أعيش وسط رموز جنسية!؟ أكل هذه الأشياء التي تحيط بي، والملابس التي ارتديها، والأدوات التي استعملها عبارة عن رموز جنسية دائما ولا شئ غير ذلك؟). وهناك في الواقع أسباب وجيهة تدعو إلى هذه الدهشة والتسائل، وقد يكون أول هذه الأسباب هو: كيف ندعي إننا نستطيع الوصول إلى معني هذه الرموز التي تظهر في الأحلام في الوقت الذي نقول فيه أن الحال نفسه لا يستطيع أن يمدنا عنها بمعلومات تذكر؟
وجوابي على ذلك إننا نستقي معلوماتنا من مصادر كثيرة مختلفة: نستقها من الأساطير والخرافات، والملح والنوادر، وقصص الأولين، أي نستقيها مما نعرف عن أقوال وأغاني الشعوب المختلفة والعادات والأخلاق التي كانوا عليها، ومن طريقة استخدامهم اللغة في الشعر وفي الكلام الدارج. ففي كل من هذه المجالات المختلفة نعثر على نفس الرموز، وقد نستطيع في كثير منها أن نقف على المعنى المراد بغير حاجة إلى دراسة سابقة لها. فإذا نظرنا إلى هذه المصادر المختلفة كل على حدة فسنعثر على كثير من الرموز التي تطابق ما يظهر في الأحلام يضطرنا على الاقتناع بصحة طريقتنا في التفسير.
قلنا أن الجسم الإنسان كما يقرر (شرنر) كثيراً ما يرمز إليه في الأحلام بمنزل، فإذا توسعنا في هذا التمثيل الرمزي قليلا، فأن النوافذ والأبواب والبوابات تقوم مقام فتحات الجسم، والجدر كما قلنا أما أن تكون ناعمة ملساء، أو تحتوي على بروز أو شرفات تصلح للتعلق بها. وهذا التمثيل الرمزي نفسه نراه في اللغة الدارجة، فنحن مثلا نتكلم عن (سقف من الشعر)، كما إننا نقول عن شخص ما أن (طابقه الأعلى) ليس على ما يرام. وفي علم التشريح كذلك تسمي فتحات الجسم (بالبوابات).
وقد ندهش لأول وهلة عندما نجد أن الأباء والأمهات يظهرون في أحلامنا كملوك وملكات، ولكنا نجد شبيها لهذا في (الحواديت). إلا نشعر عندما نسمع كثيراً من (الحواديت) التي تبدأ بالكلمات: (يحكي يوم أن ملكا وملكة) إنها تعني بكل بساطة (يحكي ذات يوم أن أبا وأما.)؟ كما إننا نجد الأطفال في الحياة العائلية يلقبون بالأمراء على سبيل المزاح، والأكبر فيهم يلقب بصاحب السمو. والملك نفسه يدعي أبا الشعبة، وكذلك نجد الأطفال في كثير من الممالك يتحدث الناس عنهم كحيوانات صغيرة، فيقولون مثلا: (ضفدع صغير) أو (حشرة صغيرة) كما في ألمانيا.
والآن دعونا نعد مرة ثانية إلى التمثيل الرمزي بالمنزل. إذا كنا في أحلامنا نتخذ من البروز التي في المنازل حوامل نتعلق بها إلا يذكرنا هذا بقول عامي معروف جدا في اللغة الألمانية للدلالة على المرأة ذات الصدر الناضج وهو: (لأن لها شيئاً يستطيع المرء أن يتعلق به) بينما هناك قول عامي آخر للدلالة على نفس المعني وهو: (أن هناك كثيراً من الخشب أمام المنزل). كأنما كان هذا القول على بالنا عندما قلنا في تفسيراتنا أن الخشب يرمز إلى المرأة أو الأم.
وهناك شئ آخر يجب أن يقال بخصوص الخشب، فليس من السهل أن نري على الفور كيف صار استخدامه للدلالة على المرأة أو الازم، ولكن المقارنة بين عدة لغات قد تفيدنا في هذه الحال. يقال أن الكلمة الألمانية (خشب) مشتقة من نفس المصدر الذي اشتقت منه الكلمة الإغريقية التي معناها المادة الخام. وهذا مثل لعملية ليست نادرة الحدوث، وهو أن اسما يدل على المادة على العموم قد صار استخدامه أخيرا للدلالة على مادة معينة فقط. والآن لعلكم تعرفون جزيرة (مادييرا) التي تقع في المحيط الأطلنطي والتي أطلق عليها البرتغاليون هذا الاسم عندما اكتشفوها لأنها كانت في ذلك الوقت مغطاة بغابات كثيفة، إذا أن كلمة في اللغة البرتغالية معناها الخشب. ولكني أحسبكم لن تغفلوا عن أن تلاحظوا أن كلمة ما نهي إلا صورة منقحة من الكلمة اللاتينية التي تدل أيضاً على المادة عموما. ولكن مشتقة من ومعناها الأم. والمادة التي يصنع منها أي شئ يمكن أن ينظر إليها على إنها قد تسببت في ولادة هذا الشيء. وعلى هذا فنحن في استخدامنا الخشب كرمز للدلالة على المرأة أو الأم إنما نحيي هذه الفكرة القديمة.
والولادة يعبر عنها غالبا بإشارة إلى الماء، فأما إننا نغوص فيه أو نخرج منه، أي إننا نلد أو نولد. وهذا الرمز يجب أن لا ننسي إنه يشير إشارة مزدوجة إلى الحقائق الثابتة في نظرية التطور. فالثدييات البرية، التي نشا عنها الجنس البشري، لم تهبط من كائنات تسكن الماء فحسب، بل أن كل ثديي، أو كل كائن حي، قد امضي الفترة الأولي من حياته في الماء - أي كجنين في السائل الأمنيوتي الذي يملأ رحم الأم وبذا يكون عند الولادة قد خرج من الماء. وأنا لا اقرر أن الحالم على علم بشيء من ذلك، بل أنني على العكس أصرح لكم إنه لا حاجة به إلى العلم، فهو في الغالب يعلم شيئاً آخر مما كان يحكي له وهو كفل، ولكني اقرر كذلك إنه حتى هذا لا دخل له في تكوين الرموز. فالطفل تقول له مربيته أن طائرا كبيرا (أبو حديج) هو الذي يقوم بإحضار الأطفال، فإذا سأل: ومن يأتي بهم؟ قيل له من البئر أو من (الفسقية) أي من الماء مرة أخرى. وقد حدث لأحد مرضاي الذين قيلت لهم هذه الحكاية وهم أطفال (وقد كان في هذا الوقت (كونتا) صغيرا أن اختفي طيلة بعد الظهر وأخيراً وجد راقدا على حافة البحيرة التي في القصر وقد انحني وجهه الصغير على صفحة الماء الرائعة وأخذ يحدق في لهفة عله يستطيع أن يلمح الأطفال الذين في قاع الماء.
وفي الأساطير التي تروي عن ولادة الأبطال، وقد قام (أو. رانك) , بدراسة وافية لها، نجد أن التعرض للماء والنجاة منه يلعبان دورا كبيرا. وقد أدرك (رانك) أن هذا يرمز إلى ولادة بطريقة شبيهة بالطريقة المستخدمة في الأحلام. فالشخص الذي يري في الحلم إنه ينقذ أحداً من الماء، يجعل هذا الأحد أما له، أو أما على أية حال. وفي الأساطير نجد أن من تنقذ طفلا من الماء تعتبر نفسها أمه الحقيقة. وهناك نادرة تروي عن طفل ذكي من بني إسرائيل، وهي إنه عندما سئل من تكون أم موسى، أجاب على الفور: (الأميرة) فقيل له: (كلا إنها التقطته من الماء فقط) فأجاب: (هذا ما تقوله هي). وقد دل بذلك على إنه قد وقع على التفسير الصحيح للأسطورة.
(يتبع)
محمد جمال الدين حسن