مجلة الرسالة/العدد 742/رنين الذكرى
مجلة الرسالة/العدد 742/رنين الذكرى
للأستاذ إبراهيم الوائلي
سلوها: اعند الليل سر لواجد ... ولم يك إلا بعض وجدي وأسراري؟
وهل في ائتلاف الفجر معنى بذيعه ... ولم يك إلا من خيالي وأفكاري؟
وهل عند هذي الطير ترجيع نغمة ... ولم يك إلا من ترانيم قيثاري؟
وهل صخب الأمواج في كل ساحل ... سوى رجع أنفاسي ورنة تهداري؟
وهل نسجت كف النسيم ملاءة ... على الزهر إلا من روائع أشعاري؟
وهل رجعت دنيا الغرام لشاعر ... صدى وتر إلا تواقيع أوتاري؟
أتراها لم تعد تذكر أيام اشتياقي؟
والأماسي على النهر، وأنغام السواقي
وانسياب الموج ما بين رنين واصطفاق
وهي، والشاعر، والحب، وأحلام التلاقي
سلوها: أفي الدنيا أديب مروع ... سوى شاعر ما خان عهداً لليلاه؟
جفته وفي جنبيه لوعة هائم ... أبى البعد إلا أن يضاعف بلواه
يئن وهل يجديه ترجيع أنة ... وقد نسيت بنت الفراتين ذكراه
فيا نسمة الفجر الندية هدهدي ... رؤاها بطيف المستهام ونجواه
ومرى عليها إن خطرت لعلها ... ترق لما يشكو المحب ويلقاه
وقولي لها: ما خان عهدك شاعر ... على النيل مشبوب الجوانح أواه
ذكريها حين كنا نبعث الأشواق لحنا
وبنجوانا على النهر إذا ما الليل جنا
نشرح الحب أقاصيص فيروي الموج عنا
وهزار الروض إن أطرق هجناه فغنى
سلوها عن الحب القديم وعهده ... ففي كل واد من غراميَ ترديد
وعن ذكريات الشوق أيام نلتقي ... وللنهر ترنيم وللنخل تأويد
وعن كأسنا الأولى وعن رشفاتها ... بحيث الربى تزهى وللطير تغريد وحيث الأماني كالنسيم طليقة ... لها في ثنايا القلب خفق وتجديد
أبنت الفرات الحر جفني عالق ... بطيفك لو يرتاح للنوم مكدود
وهل يستجيب الطيف إلا لنائم ... فكيف وملء الجفن بعدك تسهيد
كم سهرت الليل لا أرقب في دنياه فجرا
وعلى صفحته الظلماء لا ألمح سطرا
هائماً كالطير قد ريع فلا يبصر وكرا
وعلى ثغري أنات وفي قلبي ذكرى
أبنت الفراتين الحبيبين إنني ... موزع أفكار ومهدود أوصال
أبيت وليلى أربد اللون قاتم ... كليل سجين كبلوه بأغلال
ذكرتك حيث النيل غضبان ثائر ... يجيش بآداب ويطغى بآمال
وحيث الشباب الحر ينبض قوة ... لتحطيم أصفاد وتقطيع أنكال
وما مصر والتأريخ إلا مواكب ... من المجد وثاب الخطا منذ أجيال
يطوف عليها النيل عذباً فتلتقي ... جوانحها منه بأبيض سلسال
كم تحدثت إلى النيل وحومت عليه
ولكم رحت مع الطير أناجي ضفتيه
أقرأ الحب سطوراً لألأت في شاطئيه
وأرى السحر كؤوساً عربدت في شفتيه
أبنت الفراتين اذكري عهد شاعر ... تغنى ولولا سحر عينيك ما غنى
ولا تبخلي أن تستجيبي لطيفه ... فطيفك حتى الآن مازايل الجفنا
وهبتك قلباً لم يعد بين أضلعي ... سوى وتريشجي النفوس متى رنا
فما هذه الأنغام إلا بقية ... من القلب في نجواك ذوبتها لحنا
مقاطيع ما راقت لمثلي شاعراً ... بعيد المنى لو لم تكوني لها معنى
فيا ليت دنيا الشعر والسحر والهوى ... ونجْوى ليالينا تعود كما كنا
أترى يرجع ما فات من العيش وراح؟
ويعود البلبل الصداح خفاق الجناح حسب أنغامي شجو وأنين ونواح:
وكفى أن يذهب العمر صراعاً وكفاح
(نزيل القاهرة)
إبراهيم الوائلي