مجلة الرسالة/العدد 743/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 743/الأدب والفنّ في أسبُوع

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 09 - 1947



(التيسير) بدار الكتب:

انتهز حضرة صاحب المعالي عبد الرزاق السنهوري باشا وزير المعارف، فرصة وجوده بأمريكا في وفد مصر إلى مجلس الأمن، فزار بعض الجامعات الأمريكية، واتصل بأساتذتها، وفاتح بعضهم في دعوتهم إلى زيارة مصر، فأبدوا ارتياحهم إلى ذلك، ووعد بأنه سيهتم عند عودته إلى مصر بتوجيه الدعوة الرسمية إليهم. وزار معاليه أيضاً مكتبة (الكونجرس) التي تعد أعظم مكتبة في العالم، وقد تحدث إلى مراسل الأهرام عن هذه المكتبة فقال: (تحوي هذه المكتبة سبعة ملايين مجلد، وقد أصبحت كعبة المنقبين والعلماء، وتهيئ لرواد الكتب من أسباب التيسير ما لا تهيئه لهم أية مكتبة أخرى في القارتين).

وليت معاليه يدعو بعض موظفي مكتبة (الكونجرس) لزيارة دار الكتب المصرية، ليقفوا على ما تهيئه لروادها من أسباب التيسير التي منها: (في الخارج) و (لدى الموظفين) و (في المطبعة) و (مفكوك) و (في المغارة) ويأتي أحد هذه الأسباب على (سند الاستعارة) إلى طلب الكتاب بعد وقت يدهش الأمريكي، الذي يعيش في عالم السرعة، للبراعة في تضييعه! ويظهر أن دار الكتب قد وصلت إليها عدوى (الأداة الحكومية) لا في البطء وحده بل كذلك في الوساطة والتوصيات، إذ أصبح من اللازم لكي تحصل على الكتاب المطلوب أن تستعين بصديق من موظفي الدار. . .

وبعض تلك الأسباب: (أسباب التيسير) عجيب، فقد طلبت كتاباً في أيام متباعدة، وفي كل مرة كانت تزحف إلى كلمة (مفكوك) على سند الاستعارة. . . فلم يظل مفكوكا؟ أما مسألة (المغارة) فهي أعجب العجب! فقد أودع هذه المغارة كثيرٌ من الكتب خوفاً عليها من الغارات الجوية، وانتهت الحرب، وأضيئت القاهرة، وأزيلت المخابئ وألقيت وزارة الوقاية. . . كل ذلك والكتب نائمة في (الكهف) وما تزال في سباتها!

ولكني أخشى، من حضور الأمريكيين إلى دار الكتب المصرية، أن يتحدثوا عن مصر عندما يعودون إلى بلادهم فيضموا موضوع (التيسير بدار الكتب) إلى (كرم الضيافة) و (الآثار القديمة) و (الشوارع الكبيرة التي جدت بالقاهرة) التي جرت على الإشادة بها من زار مصر قبلهم من الغربيين المجاملين، كأنهم لم يروا في هذه البلاد شيئاً يعجبهم غيرها! كان وأخواتها:

هكذا سمي العدد الخاص الذي ظهر أخيراً من مجلة (الاثنين) وقال المحرر مقدماً هذا العدد: (إنه كان في النية أن يكون خاصاً (بكان) وأخواتها، فاحتجت (إن) وأخواتها، فلم يسع التحرير إلا إجابة طلباتهن).

وكانت إجابة تلك الطلبات أن جعل (لإن) وأخواتها ما (لكان) وأخواتها في هذا العدد من حق. . . هو أن يبدأ بكل منها أو يتضمنها عنوان موضوع من الموضوعات التي اعتادت المجلة أن تنشر أمثالها. . . ومن هذه العناوين (كنت أدخن السجاير اللف) و (إن مع العسر يسرا) و (لست ملاكا) و (بات على الرصيف).

وقد ذكر في هذا الصنيع بما كان يفعله كتاب العصور المتأخرة من استعمال الاصطلاحات النحوية في كتاباتهم وما كانوا يتجشمونه من الإتيان بكلام يتكون كله من الحروف المعجمة، أو يخلو من حروف معينة، وغير ذلك من ضروب الرياضيات الكلامية التي كانوا يتوفرون عليها لإظهار التمكن وإحراز السبق

ولا شك أن عدد (كان وأخواتها) بذل فيه جهد في اختيار العناوين المبتدئة والمتضمنة إحدى تلك الأدوات، ولكن ما محصل كل هذا؟!

على أن فيه غير العناوين جهداً آخر (ليته) لم يكن. . هو صفحة عنوانها (لكن في تاريخ البشرية) حوت وقائع من التاريخ تغير فيها مجرى الأمور وكانت (ولكن) نقطة التحول، مثال ذلك: (غزا الاسكندر أفريقيا وآسيا، وأصح سيد العالم وهو في شرخ الشباب وعنفوان الجمال، وأراد أن يجمع الشرق والغرب تحت تاج واحد، ويصهرهما في حضارة واحدة. . . ولكن. . . في يوم من أيام القيظ نزل الاسكندر للاستحمام في مياه نهر بارد، فأصابته حمى قضت على حياته).

وبقية الأمثلة على هذا النسق من حيث موقع (ولكن) فيها، وقد قدم لها كاتبها بأن (لكن) من أحرف العطف التي (تشرك ما بعدها في حكم ما قبلها). فلكن هنا - مع أنها قد تسللت إلى العدد الخاص (بكان) و (إن) وأخواتها - ليست من أحرف العطف، لأنها مسبوقة بالواو وداخلة على جملة، فهي حرف ابتداء، وهي لم تشرك ما بعدها في حكم ما قبلها.

وفي العدد مقال للأستاذ محمد توفيق دياب بك عنوانه (إن من البيان لسحراً) قال في مفتتحه: (وأخذت في التروية والتفكير: إن من البيان لسحراً. . من عسى أن يكون قائلها الأول؟ وأجابت الذاكرة: إنه الرسول الكريم قالها إعجاباً بقصيدة إسلامية ألقاها بين يديه حسان بن ثابت).

والذي نعرفه أن الرسول الكريم قال هذه الحكمة لعمرو ابن الأهتم عندما علل مدحه الزبرقان بن بدر وذمه له في مجلس واحد لاختلاف الباعث - بقوله وقد رأى كراهة ذلك في وجه الرسول: (يا رسول الله، رضيت فقلت أحسن ما علمت، وغضبت فقلت أقبح ما عملت، وما كذبت في الأولى، ولقد صدقت في الثانية).

وساق الأستاذ دياب مثلا للبيان الساحر بعض قصيدة ابن الرومي التي رثى بها ولده (محمداً) من قوله:

توخى حمام الموت أوسط صبيتي ... فلله كيف اختار واسطة العقد.

وقال الأستاذ: (وكان محمد ولده الأوسط بين أخوين)؛ وهو يريد أخذ خير أولاده، ولو كان المراد المتوسط بين أخوين، لكان الكلام تافهاً لا يليق بابن الرومي.

وقد عنيت بكل ذلك، لأن (الاثنين) مجلة منتشرة، وأحب ألا يستقر في الأذهان إلا الصحيح من مسائل اللغة والأدب.

موسم الأوبرا والفرق الأجنبية:

تعمل الآن الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى في إعداد رواية (الناصر) لتمثيلها على مسرح الأوبرا في مفتتح الموسم القادم، وقد ألف هذه المسرحية الأستاذ عزيز أباظة باشا تحقيقاً لرغبة ملكية سامية في أن يظهر على المسرح عصر من أزهى عصور العروبة والإسلام.

والعصر الذي تعرض الرواية صوراً منهن هو عصر العرب الذهبي بالأندلس، عصر عبد الرحمن الثالث الناصر لدين الله، ويقع في القرن العاشر الميلادي، أي في العصور الوسطى، إذ كانت أوربا يسودها الجهل والفوضى وكل مساوئ الحكم الإقطاعي، على حين كان الأندلس، في طرفها الجنوبي الغربي، قد سعدت بالعرب فازدهرت فيها العلوم والآداب والفنون، وانتشر العدل وعم الرخاء.

وتعاون وزارة المعارف ووزارة الشئون الاجتماعية الفرقة المصرية على إعداد هذه المسرحية، لتهيئ لها أسباب النجاح، ولتظهر المجد العربي على المسرح في المظهر اللائق به.

وهذه الرواية فاتحة طيبة لموسم التمثيل بالأوبرا، نود أن تعقبها وتشغل الموسم كله في هذا العام مسرحيات عربية تمثلها الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى وبعض الفرق المصرية الراقية التي تشكو التعطل. أعني ما يأتي:

1 - يطلب من الكتاب الذين عرفوا بالإجادة في التأليف المسرحي أن يغذوا المسرح بقصص تصور واقع حاضرنا وسالف مجدنا، وفي توجيه الطلب إليهم تقدير لهم يحفزهم على الإنتاج، ولا بأس بقبول الجيد مما يقدم من غيرهم، ويتكون من ذلك ومن بعض المسرحيات المصرية القديمة مواد (لتموين) الموسم.

2 - تشغل الموسم كله في مسرح الأوبرا، الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى، وتدعى للعمل به كذلك الفرق الكبيرة التي عانت الكساد في السنوات الأخيرة، وكان المكان، أي المسرح، من أسباب هذا الكساد، فنهيئ لفرقنا مجال العمل، ولفننا فرصة الازدهار.

3 - وعلى ذلك، ومراعاة للظروف السياسية التي نحن فيها، لا يكون ثمة أي داع لمجيء الفرق الأجنبية إلى هذه الديار في هذا العام على الأقل، وخصوصاً الفرق التي تأتي من بلاد الأعداء ومعاونيهم علينا، وحسبنا ما كان من (تمثيلهم) في مجلس الأمن. . . ولست أدري كيف لا تحول (قيود) الظروف الحاضرة (الصعبة) دون استيراد هؤلاء!

وما أحوجنا الآن في جهادنا الحالي إلى المبلغ الضخم الذي ينفق على الفرق الأجنبية لننتفع به في مساعدة الفرق المصرية بجزء منه وصرف الباقي لتقوية الجيش.

أما حضرات السادة ذوو الأذواق العالية التي لا يرضيها إلا الفن الغربي. . فيجب عليهم أن يعيشوا معنا، ويحسوا إحساسنا، ويصحبونا إلى مشاهدة تمثيلنا والاستماع بفننا.

وقد كنت أجعل المطلب الرابع تخفيض أسعار دخول الأوبرا، لتتاح الفرصة لأكبر عدد ممكن من طبقات الشعب - لولا أنني قرأت في إحدى المجلات أن ذلك قد تقرر فعلا.

توصيات المؤتمر في اللغة العربية:

أتيت في الأسبوع الماضي على أهم توصيات المؤتمر الثقافي، في التربية الوطنية، والجغرافية، والتاريخية. ولما كانت توصيات اللغة العربية لم تذع، فقد ظن أن المؤتمر لم يتخذ قرارات في شأنها وقد أشرنا إلى ما ترمي إلينا من هذه الظنون

والواقع أن لجنة اللغة العربية كانت تأخرت في إعداد تقريرها، فترتب على ذلك تأخر طبعة عن جلسة المؤتمر الختامية، فتليت توصيات اللغة العربية من نسخة مكتوبة باليد، ووافق عليها المؤتمر كما وافق على توصيات المواد الاجتماعية التي كانت قد طبعت، فأرسلت الأخيرة إلى إدارة الصحافة بالجامعة العربية، فوزعتها على الصحف، ولم ترسل توصيات اللغة العربية من لبنان إلى حين كتابة هذا، ولعلها في الطريق

وقد اطلعت على نسخة مخطوطة من هذه التوصيات، وهي مفصلة شاملة لمناهج السنوات المختلفة بالتعليمين الابتدائي والثانوي في مواد اللغة العربية. ونقطف منها بعض التوصيات العامة فيما يلي:

افتتح تقرير لجنة اللغة والقواعد، بأن المؤتمر يرى أن قواعد اللغة العربية، من نحو وصرف وإملاء، تحتاج إلى تيسير وتبسيط يقربانها من مدارك الطلاب، على ألا يمس ذلك بحال من الأحوال جوهر اللغة.

وجاء في تقدير لجنة الأدب أن الغاية من التثقيف الأدبي في المرحلة الابتدائية تنشئة الطلاب على الأخلاق السامية والروح الوطنية والشعور العربي، مع تربية ذوقه الفني، وتنمية ملكة التعبير فيه، وتزويده بطائفة من المعلومات تزيد في ثقافته العامة.

وفي التعليم الثانوي يجب أن ينظر إلى الأدب نظرة واسعة، بحيث لا يكون مقصوراً على الشعر والنثر الفنيين، بل يتناول أيضاً الموضوعات الفكرية والعقلية المصوغة صياغة أدبية مثل مقدمة ابن خلدون ورحلات ابن جبير وابن بطوطة ورسالة حي ابن يقظان وبعض كتابات الغزالي وبعض قطع تاريخية من الطبري والفخري ونحو ذلك. وفي المرحلة الأولى من دراسة الأدب يكون الاعتماد على نصوص أكثرها من الأبد الحديث، وأقلها مما يقرب من هذه النصوص في السهولة من الأدب القديم.

ويكتفي من تاريخ الأدب في هذه المرحلة بما كان تعريفاً موجزاً بقائل القطعة وما كان لازماً لفهمها. وفي المرحلة الثانية تختار نصوص أدبية مرتبة حسب العصور من الجاهلي إلى الحديث، يراعى في اختيارها دلالتها على روح عصرها وتصويرها لخصائصه الفنية، مع مناسبتها لاستعداد الطالب وفهمه، وتكون دراسة الأدب مستمدة من هذه النصوص ويرى المؤتمر أنه يجب ألا نتقيد في التعليم الثانوي بالبلاغة الشكلية النظرية، وأن نعود بالنقد إلى وظيفته الأساسية، وهي تذوق الأدب، وفهم نصوصه، وإدراك صوره ومعانيه، والقدرة على محاكاته. والطريق الطبيعي إلى ذلك هو العناية بالنصوص نفسها، وفهم المراد منها، ومناقشة أفكارها، وتبين ما فيها من جمال أو نقص، وتعرف ما بينها وبين شخصيات منشئيها من صلات ولاحظ المؤتمر أن تسمية الإنشاء باسم (التعبير) أفضل لما في هذا من توسيع لمدلوله، وخروج به عن دائرة الشكلية والتكلف، وتنبيه إلى نواح من النشاط تساعد على نمو الملكة المعبرة المبتكرة عند التلميذ.

ويوصى المؤتمر بأن يعطي للغة العربية - وهي عماد الثقافة القومية - أكبر مقدار ممكن من زمن الدراسة في مناهج التعليم.

ونكتفي الآن بهذا القدر، على أن نأتي في الأسبوع الآتي بما يراه المؤتمر من الطرق والوسائل لتوفير القدر المشترك من الثقافة العربية بين ناشئة العرب.

(العباس)