مجلة الرسالة/العدد 749/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 749/الأدب والفن في أسبوع
الثقافة والسياسة في السودان:
اتصل حديث الثقافة المصرية في السودان بحديث السياسة هناك، وأخذ هذا الحديث المتصل مكانه في الصدارة من المسائل العامة التي تهتم بها الدولة والرأي العام في هذه الأيام، فلم تكتف حكومة السودان الإنجليزية بمنع البعثة الثقافية المصرية ومراقب التعليم المصري من الدخول إلى السودان، بل أرادت إبعاد مدرس مصري في مدرسة الملك فاروق بالخرطوم لأنه أرسل برقية إلى رئيس الوزراء تضمنت كلمة (الجهاد)! وقالت الأنباء الأخيرة إن المسألة سويت بعد أن تعهد المدرس بعدم الاشتغال بالسياسة.
ولن يستطيع هذا المدرس ولا أي مدرس مصري آخر في السودان أن يتجنب الاشتغال بالسياسة. . السياسة التي تقلق بال الإنجليز في السودان، وهي العمل على وحدة الوادي وإبراز الروابط بين شماله وجنوبه وإحكامها، ولا يوثق هذا الربط مثل الثقافة العربية الإسلامية التي يشعر سكان الوادي جميعاً بأنهم يرضعونها من ثدي واحد.
والأساتذة المصريون الذين يذهبون إلى السودان هم رسل هذه الثقافة، ولذلك يجزع منهم المحتلون ويترقبون الفرص للتخلص منهم.
ولكن ألا يحسن تجنب السياسة التي يستطاع إمساكها بأطراف الأصابع، أو بعبارة أخرى الأمور التي تؤول بأنها سياسة والتي تفتح منها الأبواب إلى المؤاخذة والتعنت؟ وفي المهمة الثقافية مجال لخدمة الوطن، حتى إذا أراد المتعنت بعد ذلك شيئاً كان تعنته أظهر، مع كسبنا بالعمل المجدي في الحقل المخصب، ومع كسب ثقة المخدوعين لإصلاحهم وهدايتهم للسير في ركب الوادي الموحد.
الغزل السياسي:
نشرت (الأهرام) أبياتاً للأستاذ محمد الأسمر تحت عنوان (الغزل السياسي - إليها) قال فيها:
ما للمليحة غضبى وهي ظالمة ... لا تعرف العدل في فعل ولا كلم
أبعدما سلبتني كل ما ملكت ... يدي أكون لديها موضع التهم
وقال: قل للمليحة جاوزت المدى فكفى ... أين الوعود، وما غلظت من قسم
كوني كما شئت لا أشكو إلى حد ... الله يحكم بين اللؤم والكرم
ولا شك أن هذه المليحة ليست فتاة ممن يتغزل في مثلها الشعراء، لأن الغزل هنا سياسي، وما أظن الشاعر يحب فتاة سياسية ولو كانت خيالية كجاسوسة (المصور) الحسناء. . على أنه يصفها باللؤم، مما لا يليق بالمحبوب. وما أظن تلك المليحة الدرجة الرابعة التي أخلفته في التنسيق، فليس الوصف بمنطبق عليها ولا هي من السياسة في شيء.
فماذا عسى أن تكون تلك المليحة؟
أتكون إنجلترا؟ لابد أنها هي، فهي الغضبى الظالمة التي لا تعرف العدل في قول ولا عمل، وهي التي سلبتنا ما نملك وأكلت لحمنا وشربت دمنا ثم اتهمتنا بالتجني عليها، وهي التي أقسمت على الود أيام شدتها، ثم تنكرت لمن كان يألفها في الموطن الخشن، فبلغت غاية اللؤم.
ولكن كيف يقول إنها مليحة، وكيف يضعها موضع الحبيب الذي يتغزل فيه؟ وما هي - من وجهة نظرنا على الأقل - إلا عجوز شوهاء شمطاء. ولم يكن بيننا وبينها حب لأنها معتدية علينا منذ خمس وستين سنة ولا تزال في اعتدائها.
والشاعر - بطبيعة الحال - يريد التهكم، ولكنه بعد عن هذا الغرض بما أسرف فيه من عبارات الحب.
العربية تزحف:
أذاعت وكالة الأنباء العربية من (كراتشي) أن جلالة الملك فاروق يبدي عناية بالعة بنشاط جمعية أدبية ثقافية جديدة أنشئت أخيراً في (الباكستان) ترمي إلى جعل العالم الإسلامي على مر الأيام وحدة ثقافية سياسية دينية.
وأذيع أن هذه الجماعة بدأت عملها في هذا السبيل بالعمل على تشر اللغة العربية، وقد أنشأت لذلك كلية في كراتشي أقبل عليها كثير من الكبار في جملتهم محافظ المدينة.
وكانت الصحف قد رددت أن البابا في روما أخذ يتعلم اللغة العربية.
وقرأت في مجلة (الأديب) أنه قد تأسس في الأرجنتين (معهد التبادل الثقافي الأرجنتيني العربي) للعمل على تعزيز التبادل بين الثقافتين العربية والأرجنتينية، وقد أنشأ هذا المعهد مكتبة حافلة بالمؤلفات الثقافية النافعة وأعد برنامجاً لإلقاء المحاضرات في شتى المواضيع ذات الصلة المتينة بهاتين الثقافتين، ولترجمة الكتب العربية إلى اللغة الأرجنتينية كي يطلع الشعب الأرجنتيني على ألوان الثقافة العربية والأدب العربي في شتى عصوره.
ومما يثير العجب والأسف أنه بينما تزحف اللغة العربية هكذا في آسيا وأوروبا وأمريكا إذ تقرأ في أخبارنا المحلية أن إحدى المصالح الحكومية (بدأت) في تطبيق قانون اللغة العربية فعولت على ألا تقبل ما يكتب إليها بغير اللغة العربية إلا إذا كان مصحوباً بترجمة عربية.
ولا نزال جارين على مقتضيات (كرم الضيافة) التي منها التيسير على الأجانب بالمخاطبة بلغاتهم، وإراحتهم بذلك عن عناء تعلم اللغة العربية. . . ومن المناظر المخزية منظر المصري يتحدث إلى (الخواجة) الذي يعرف العربية بلغة أجنبية! والمصريون هم - وحدهم - الذين يشجعون على عدم تعلم لغتهم. . .
وتحيتي إلى أسلافنا في العصور العربية، الذين كان يفد إليهم الفارسي والرومي وغيرهما، فيصبح، بعد قليل، من شعراء العربية وكتابها. . .
تمثال نهضة مصر:
وجهت مجلة (الهلال) إلى طائفة من الأعلام والفنانين هذا السؤال: هل نهدم تمثال نهضة مصر؟ وقالت إنه (سؤال خطير الغرض منه حفز الهمم لمسايرة التطور الذي انتقلت إليه نهضتنا الوطنية، فإن التمثال الحالي مع قيمته وبراعة صانعه الفنان الخالد محمود مختار لم يعد يصلح - في رأي البعض - للتعبير عن هذه النهضة إلا في مرحلتها الأولى).
وقد أجاب محمد علي علوبة باشا بأنه لا يرى هذا التمثال منذ صنع يمثل الفكرة الوطنية وليس صالحاً ليكون رمزاً لنهضة مصر الوطنية وثورتها على الاحتلال وقيود الذل والاستعباد، وهو لا يمثل إلا فلاحة ساكنة لا حركة فيها وأسداً متكاسلا لا يكاد ينهض! ورأى أن يقوم تمثال آخر في أحد ميادين القاهرة الكبرى يمثل مصرياً وسودانياً قد تكاتفا في النهوض والوثب وهما يحملان مشعلاً أو سيفاً وقد تقدما إلى الأمام في عزم وقوة هاتفين بالحرية والجلاء والاستقلال.
وقال أحمد راسم بك: (لو أن تمثال نهضة مصر، كان قد استنفد أغراضه أو أصبح غير ذي موضوع كما يقال لكان من الواجب أن نبقى عليه لقيمته الفنية الخالصة، على أن نقيم لتخليد فكرتنا الجديدة ما نشاء من التماثيل غيره).
وأجاب آخرون بما لا يخرج في مجموعه عن وجوب الإبقاء على التمثال الحالي، على أن يقام تمثال آخر يعبر عن النهضة القومية المتوثبة.
والتمثال الحالي الماثل في ميدان المحطة بالقاهرة يرمز إلى (سكون) مصر ممثلة في قروية، إلى مجدها القديم ممثلاً في أبي الهول!
فإذا كانت المسألة هي اعتماد مصر على مجدها القديم فإن هذا التمثال يصلح رمزاً لها في كل العصور وفي جملتها عهود الضعف والاستكانة، أما النهوض فهو شيء آخر قد يصاحب المجد القديم وقد لا يصاحبه.
والملاحظ أن أغلب الذين دافعوا عن (تمثال نهضة مصر) عللوا دفاعهم بأنه صنيعة مثالنا الخالد مختار، ولم يبينوا لنا مدى تعبيره عن نهضة مصر.
وأنا أخالف الجميع فأرى إزالة التمثال الحالي من مكانه والاحتفاظ به في أحد المتاحف باعتباره نتاج مثالنا الخالد (إن كان لابد من هذا الاعتبار) وذلك لأنه لا يصح أبداً أن يكون مظهر نهضتنا الاعتماد على المجد القديم، بل ينبغي ألا يذكر هذا المجد إذا كان كل الغرض منه الوقوف إلى جانبه والركون إليه.
أما التمثال الجديد فليكن كما اقترح علوبة باشا، أو ليكن على أي هيئة أخرى حسبما يرى الفنانون، على أن يمثل مصر المتوثبة التي أصرت على أن تعيش حرة كريمة، وعلى أن يحقق الغرض الأساسي منه وهو أن يبعث في المصري الذي يمر به في غدوه ورواحه شعور العزة بالقومية المصرية.
الفنانون الشرقيون:
جاء في أخبار (آخر ساعة) ما يلي: (ترفض وزارة الداخلية الآن الترخيص لأي فنان شرقي بالإقامة في مصر إلا إذا تعهد كتابةً بالا يتعدى الغناء الذي اشتهر به في بلاده. . . وهذا نتيجة لشكوى بعض الفنانين والفنانات المصريين.
وهذا أمر عجيب لعدة أسباب منها:
1 - أنه يخالف اتجاه الوحدة العربية وما تقتضيه من تعاون وتواد.
2 - الفن المصري يغمر البلاد العربية، وهي ترحب به، ولم تمنع إحداها فناناً مصرياً من الاشتغال بها، تعدى الذي اشتهر به في بلاده أم لم يتعد.
3 - الحيلولة دون تفاعل عناصر الفن العربية المختلفة ما ينشأ عن هذا التفاعل من الرقي والتقارب.
4 - السبب أعجب العجب، وهو شكوى الفنانين والفنانات المصريين من المنافسة، لأن هذه الشكوى غير لائقة ولم يكن يصح أن تسمع.
5 - لو فرضنا أن الفنان الشرقي الذي تعهد بالا يتعدى الغناء الذي اشتهر به في بلاده - (تأقلم) وتأثرت نفسه بالإيحاءات المصرية فستجاب لها وغنى غناء مصرياً - فهل يقبض عليه متهماً بهذه الجريمة ويطرد من مصر جزاء وفاقاً. .؟
المسرح أداة ثقافة:
كانت منظمة التعاون الثقافي لهيئة الأمم المتحدة قد عقدت في شهر يوليو الماضي بباريس مؤتمراً لخبراء المسرح. وقد تلقت الجهات المصرية المختصة التوصيات التي قررها هذا المؤتمر، ويؤخذ منها أنه تقرر اعتبار المسرح جزءاً من الفن كالأدب والموسيقى وسائر الفنون الجميلة، أي أنه أداة ثقافية لا وسيلة للتسلية والترفيه وحسب.
كذلك تقرر إنشاء معهد مسرحي عالمي، وتأليف جمعية دولية من المسرحيين النظريين الفنيين والمسرحيين العاملين، على أن تكون مهمة هاتين المؤسستين النهوض بالمسرح باعتباره أداة ثقافية رفيعة، مع كفالة أسباب التعاون بين رجال المسرح في العالم، وأن يكون إعداد الرواية المسرحية على أسس إنسانية، والمحافظة على هذا الفن العالمي القديم من طغيان السينما عليه، والعمل على وقف حركة الخروج من ميدانه إلى ميدان السينما.
وفن المسرح جدير بالجهود العالية وتعاونها على النهوض به، والواقع أنه ليس فناً من الفنون فحسب، بل هو مجمع الفنون، ففيه الأدب ممثلاً في القصة، ومن أدواته الموسيقى والغناء وباقي الفنون الجميلة، وهو بحكم أنه فن أداة ثقافة، وهذه هي الحقيقة التي ننشدها في مصر ويعيينا نشدانها، فالفن عندنا يتخذ أكثر ما يتخذ أداة لهو وتسلية، وتسميته فناً تسمية إدعائية، لن العمل الفني لا يستوي إلا على موضوع، ولابد أن يكون له هدف، يرمي إليه إلى جانب التسلية والترفيه.
وقد تفشت طريقة التسلية الخالية من الموضوع، وانتقلت من المواطن الموبوءة إلى ميدان الكتابة، حتى لنرى بعض الأدباء يكتبون لمجرد التسلية!
وبعد فالمأمول من الجهات الفنية في مصر أن تشارك في ذلك المجهود العالمي، لتساير النهضة المسرحية العالمية، ولتجني بلادنا ثمراتها.
(العباس)