مجلة الرسالة/العدد 751/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 751/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 751
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 24 - 11 - 1947



الأديب بين العزوبة والزواج

كتب الأستاذ سلامة موسى مقالاً في جريدة النداء، عنوانه (الأديب الأعزب والأديب المتزوج - أيهما أخدم للأدب وأخلص للمجتمع؟) بدأه بقوله (بين الأدباء كثيرون تزوجوا وكثير منهم التزموا العزوبة. ولم يقم بإحصاء إلى الآن يبين فيه لا فرق بين الأديب الأعزب والأديب المتزوج من حيث إخلاصهم للمجتمع وخدمتهما للأدب. مع أن هذا البحث جدير بأن يهدينا في باب الزواج وباب الأدب معاً) وختم المقال بالنتيجة التي رمى إليها فقال: (ولكنا نريد أن نثبت هنا بوجه عان أن العزوبة تخدم الأدب أكثر مما يخدمه الزواج) وقد خلص إلى هذه النتيجة من حيث ما ارتآه من أن الحرية التي يحتاج الأديب إليها قبل كل شيء لا تتوافر للمتزوج لأنه يعيش بعقلية عائلية تقيده فلا يستطيع أن يعالج مشكلات المجتمع معالجة قد تصطدم بشعائره الاجتماعية أو عقائده المذهبية، وأن الزوجة عامل محافظ تكره أن تشذ عن القالب الاجتماعي وهي تفكر في زواج بناتها ولذلك تصوغهن في القالب الذي يطلبه الناس، فهي تمنع زوجها أن يشذ أو يتطرف، إلى أن قال: (وفي مثل العصر الذي نعيش فيه، حيث تتغير الأوزان والقيم الاجتماعية، ويحتاج الأديب إلى الحرية حتى يفكر مخلصاُ، فإن كان أعزب استطاع ذلك. أما إذا كان متزوجاً فإنه يلتزم الصمت حيث يجب النطق ويرضى بالقيود حين يحتاج الحرية ويمتدح التقاليد التي يدرك مدى خطرها).

ويبدو بعض الذي ذكره الأستاذ سلامة صحيحاً كمحافظة الزوجة واندماجها في المجتمع وما عساها أن تجذب زوجها الأديب إليه من التقيد ومسايرة الأوضاع السيئة، ولكني لا أرى ذلك موصلاً إلى ما أراد أن يثبته من أن العزوبة تخدم الأدب أكثر مما يخدمه الزواج، ولا إلى ما قال به نم أن الأديب المتزوج يستحيل عليه أن يكون مبتدعاً فذاً كما يكون العزب. لأن المسألة هي شخصية الأديب وأصالة طبعه وإيمانه بفنه واندفاعه إلى أهدافه، فإذا كانت هذه صفاته فلن تستطيع الزوجة ولا (الرغبة في زواج بناته!) أن تقيد حريته فتحول دون إبداء ما يراه، والأستاذ سلامة نفسه مثل لذلك فهو متزوج وصاحب عيال وهو مع هذا يشذ ويتطرف. .

وهذا كله مع وقوفنا معه ونظرنا إليه منها وهي التطرف في مهاجمة المجتمع ونظمه. ولم يقل أحد بأن الأديب لا يكون فذاً مبتدعا إلا إذا شذ عن المجتمع واصطدم به.

أن حياة الأديب المتزوج تزخر بألوان من العواطف والتجارب لا يعرفها العزب، وخاصة إذا كن ذا أولاد، ولا أعتقد أن في الدنيا عاطفة أقوى من عاطفة الأبوة (والأمومة) فهو يصورها ويقبس منها طاقات روحية ينبعث بها في كل ما يكتب، فيبدع

والمتزوج رجل عينه ملأى. فهو أقدر على فهم الجمال، ومقاييسه فيه أدق من مقاييس العزب الذي يخدعه حرمانه.

على أن الأهم من كل ذلك أن الأديب لا بد له من المرأة لا لأنه رجل فحسب بل كذلك لأنه فنان يتميز بخصب الوجدان، فهو إما يتزوجها، أو يخدعها، أو تكون من سواقط الحي. .

والأولى أقرب إلى الثلاث إلى شعوره والتغلغل في حياته والمشاركة في تبعاته، وكثيراً ما تتعهده وتحفزه.

هذا ولو نظرنا إلى الموضوع من الوجهة الإحصائية كما أراد الكاتب في أول مقالة، لوجدنا أدباءنا المعروفين عدا قليل منهم متزوجين، وفي جملتهم من كان معرضاً عن الزواج ثم تزوج، وفي هؤلاء المتزوجين من ينقد المجتمع ويكتب في السياسة، وبعنف في نقده وفي كتابته، غير حاسب أي حساب لسخط المجتمع، أو لجور السياسة، أو. . . لبوار بناته. .! ولم يحق عليه شيء من ذلك.

كراسي خالية في المجتمع اللغوي:

خلا في مجمع فؤاد الأول للغة العربية أربعة كراسي بوفاة الشيخ أحمد إبراهيم باشا والشيخ مصطفى عبد الرزاق والأب انستاس ماري الكرملي.

وينشط المجمع الآن - وقد استهل دورته الحالية - في العمل لشغل هذه الكراسي.

قلت لمحدثي: لعلهم يتجهون في اختيار هؤلاء الأربعة إلى استكمال عناصر تعوز المجمع. قال: أن المجمع لا تعوزه عناصر ولا كفايات، والعجيب أنه يؤثر الاتئاد والتباطؤ، أو إن شئت فقل التكاسل، في العمل مع أن كثيرين من أعضائه لهم نشاط أدبي خارجي عجيب! وحسبك أن تعلم أنه يشتمل على كبار الأدباء في مصر ولم يبق بعيداً عنه منهم إلا المازني والزيات.

قلت: ليتهم يختارون له دما جديدا من الشباب الناضجين، أم تراهم يستكثرون على الشباب أن يكونوا من أعضاء المجمع اللغوي الخالدين فيه أبداً. . .

زينب:

قلت في كلمة سابقة أن علية بنت المهدي كانت تقول الشعر في غلام يقال له (رشأ) وتكنى عنه بزينب، ومن قولها فيه:

وجد الفؤاد بزينبا ... وجدا شديداً متعبا

أصبحت من كلفي بها ... أدعى سقيما منصبا

ولقد كنيت عن اسمها ... عمداً لكي لا تغضبا

وجعلت زينب سترة ... وكتمت أمراً معجبا

فكتبت الأديبة النابهة فدوى عبد الفتاح طوقان في العدد الماضي من الرسالة، تقول أن الأبيات لابن رهيمة المدني وليست لعلية، وأوردت ما عقب به أبو الفرج على الأبيات بعد أن رواها عن ميمون بن هرون منسوبة إلى علية إذ قال: (هكذا ذكر ميمون بن هرون، وروايته فيه عن المعروف بالشطرنجي، ولم يحصل ما رواه، وهذا الصوت شعره لابن رهيمة المدني والغناء ليونس الكاتب، وهو من زيانب يونس المشهورات، وقد ذكرته معها، والصحيح أن علية غنت فيه لحنا) ثم قالت الآنسة فدوى أن زيانب يونسي سبع قطع من شعر ابن رهيمة كان يقولها في زينب بنت عكرمة.

وكنت قد قرأت تعقيب أبي الفرج الذي أوردته الآنسة، فلم أره يتسق مع مضمون الأبيات، لأن ابن رهيمة يتغزل في (زينب) وهو أسم حبيبته الصريح فلم يكن ولم يجعل زينب سترة، ومن قوله في إحدى زيانبه السبع:

إنما زينب همي ... بأبي تلك وأمي

بأبي زينب لا أكـ - نى ولكني أسمى

وروى أبو الفرج عن راو آخر، هو عبيد الله بن العباس الربيعي، قوله: لما علم من علية أنها تكنى عن رشأ بزينب قالت:

القلب مشتاق إلى ريب ... يا رب ما هذا من العيب

قد تيمت قلبي فلم أستطع ... إلا البكاء يا عالم الغيب خبأت في شعري أسم الذي ... أردته كالخبء في الجيب

وقال أبو الفرج (فصحفت اسمها في ريب)

فنحن الآن أمام أبيات، يقول صاحبها إنه يخفي أسم محبوبه ويستره ويكنى عنه، وعلية هي التي كانت تصنع ذلك واشتهرت به حتى اضطرت إلى التحول عن (زينب) إلى (ريب) وقد نسب الرواة إليها الأبيات، وكذلك فعل الحصري في كتابه (زهر الآداب) إذ قال بالجزء الأول في علية: (وعلقت بغلام اسمه رشأ وفيه تقول:

أضحى الفؤاد بزينبا ... صبا كئيباً متعبا

فجعلت زينب سترة ... وكتمت أمراً معجبا)

فكيف تكون الأبيات بعد ذلك لابن رهيمة واسم صاحبته زينب؟ أيكنى بزينب ويسترها بها؟!

وما أظن ذلك قد غاب عن فطنة الآنسة فدوى، ولكنها - فيما يبدو لي - وقعت فيما وقعت فيه من حيرة في اضطراب أبي الفرج، فأرادت أن تعرف ما أقول فيه. وقد قلت.

الأدب والسينما:

كان مساء الجمعة موعد للمناظرة التي قامت بنادي الخريجين المصري في موضوع (إخراج روائع الفكر على الشاشة متمم لقيمتها الفنية) وقد أيد الرأي الأستاذان كمال شكري ومصطفى حبيب، وعارضه الأستاذان يحيى نصار وعلي الراعي.

ومما قال المؤيدان أن السينما فن له خطره في قيادة الجماهير وتوجيهها، وقد اجتاز أو أوشك أن يجتاز المرحلة التي كان فيها كل الغرض منه الاتجار وإدرار المال بتقديم ما يسلي دون أن ينفع، وذلك بفضل الجمهور الذي استنار وطالب بغذاء فكري في منتجات السينما، فاضطر المخرجون أن يستجيبوا له فقدموا له ما كتبه الأدباء من القصص القيمة، وأخرجوها من الحيز المحدود إلى عالم أوسع. ولا يستطيع فن السينما أن يقوم ويواجه الجمهور المستنير إلا على جهود الكتاب الذين يعالجون في رواياتهم مشكلات المجتمع ويصورون آلام الناس وآمالهم، ولا تستطيع السينما أن تعيش طويلاً على ما يقدمه من لا حظ لهم من علم أو أدب أو فن.

وفن السينما يتمم قيمة الأدب بتجسيم ما يرمي إليه الأديب وتحريك أشخاصه وتوضيح الغامض من فكرته، وقد يركز الهدف المبسوط في صفحات - في منظر واحد. وهو بعد هذا يتمم رسالته بتبسيطها وتقريبها وتسهيل هضمها، وينشرها في جموع رواد السينما الذين هم أكثر من قراء الأدب، وبذلك تصبح السينما أداة نشر للأدب بعيدة المدى عظيمة الأثر.

وذهب معارضاً الرأي إلى أن الأدب والسينما فنان يختلف أحدهما عن الآخر، فالأدب يوحي إلى كل قارئ من قرائه الفرادى بمشاعر مختلفة ويؤثر فيهم تأثيرات متباينة، وعندما يعمد إليه المخرج يستمد تأثيره الخاص ويصبه في قالبه السينمائي فتتأثر به الجموع المشاهدة تأثيراً واحداً؛ والأدب أداته الأسلوب والألفاظ، أما السينما فتعتمد على الصور والحركات والحوار، فالرواية حين تنتقل إلى السينما تصبح شيئاً آخر غير الأدب. والسينما تتطلب من مشاهدها المتابعة السريعة، وهذا يقتضي ألا تحتاج مادتها إلى تأمل وإمعان فكر على خلاف الأدب الذي يتيح التأمل والتفكير لقارئه، بل هو يدعوه إليها بما فيه من تعمق وبعد غور. والسينما لا تكفي طالب الأدب بل هو بعد أن يشاهد القصة على الشاشة يتشوق إلى قراءتها ليجد فيها ما لم يؤده إليه عرض السينما.

وعلى ذلك فالسينما فن قائم بذاته مغاير للأدب، ومغاير الشيء لا يتممه.

وبعد أن ورد المؤيدون على ذلك وبينوا أن هذه اعتبارات نظرية تقوم على مغالطات يدركها المتأمل - أخذ رأي الحاضرين في الموضوع، فأيد الرأي الأكثرون.

قيود العملة ونشر الثقافة:

نشرت إحدى الصحف أن فريقاً من منتجي الأفلام السينمائية في مصر وأصحاب شركات السينما شكوا إلى وزارات المالية والتجارة والخارجية من الصعوبات التي يلاقونها في استيراد الأموال المستحقة لهم من البلاد الشرقية ثمناً للأفلام التي ترسل من مصر إلى تلك البلاد نظراً للقيود المفروضة على إخراج العملة في تلك البلاد إلى الخارج. وقد عنيت وزارة المالية ببحث هذا الموضوع ودراسته، فاستقر الرأي على أن تتولى وزارة الخارجية وزارة حكومات تلك البلاد في تيسير إخراج العملة من بلادها ثمناً لما يرسل إليها من الأفلام المصرية رغبة في نشر الثقافة عن هذا الطريق. وقد أرسلت وزارة المالية فعلاً إلى وزارة الخارجية نص كتاب بهذا الشأن لتوجيه إلى حكومات بعض البلاد الشرقية لتحقيق ذلك.

والواقع أن المؤلفين في مصر ودور النشر يشكون هذه الشكوى، لأنهم يجدون صعوبة في إصدار المؤلفات إلى بلاد الشقيقة لتلك الأسباب، والواقع كذلك أن أزمة إصدار المؤلفات المصرية إلى خارج القطر أقدم من قيود العملة، فقد بدأت هذه الأزمة من سنى الحرب التي قل فيها الورق، فلم يصرح إلا بتصدير ثلاثين في المائة من عدد نسخ الكتاب المقدر بما يمنح المؤلف من الورق، مما مكن لبعض الشقيقات من النشاط في إصدار مؤلفاتها.

ولم تكد ترفع قيود التصدير حتى جاءت قيود العملة فأصبحت زعامة مصر الأدبية مهددة، بل هدد التعاون الثقافي بين البلاد العربية، وكاد يقف انتشار الثقافة العربية في أرجاء الوطن العربي الكبر.

ولا شك أن هذا الأمر يدخل في اختصاص اللجنة الثقافية بالجامعة العربية، كما يعني وزارة المعارف المصرية التي تهتم بالتعاون الثقافي العربي. ولا بد أنهما تلتفتان إليه ستبذلان له عنايتهما بالاشتراك مع وزارتي المالية والخارجية، وإنه لجدير بعناية الجميع وإذا كان قد عنى بمسألة الأفلام رغبة في نشر الثقافة عن طريقها فإن الكتب هي الأداة الأصيلة لنشر الثقافة.

(العباسي)