مجلة الرسالة/العدد 754/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 754/الأدب والفن في أسبوع

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 12 - 1947



مهرجان شوقي:

. . . وأخيراً أقيم مهرجان شوقي، وقدر لنا أن نعيش حتى نشهده. . . فمن نحو ستة أشهر تردد الصحف والمجلات أنباء، من تأجيل يتجدد، ومكان يحدد ثم يغير، وبرنامج يوضع ثم يبدل، وكان لنا بلاء في تفنيد ما رأيناه منحرفاً فيما كانوا يعتزمون.

عدلوا عن (الأوبرج) إلى الأوبرا، وأعلنوا أن من كان قد اشترى تذاكر (الأوبرج) يحتفظ بها للأوبرا مع استراد ثمن العشاء. وقد دفعت جنيهين ثمن تذكرة الدخول في الأوبرا، فليت شعري كما كان ثمن العشاء في (الأوبرج)؟!

وعلى كل حال نحمد الله على أن يسر إقامة المهرجان، لأنه وأن لم يكن فخماً حافلاً لائقاً بجلال الموضوع قد أراح الناس من تأجيلاته ودعاياته.

وما كان هذا الحفل ليكون شيئاً لولا ثلاث كلمات من الأدب القيم، هي كلمة نثري لمعالي الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظة باشا، وقصيدة الأستاذ طاهر أبو فاشا وقصيدة إبراهيم ناجي.

وبقية برنامج الحفل كلمة قصيرة لمحمد صلاح الدين بك، وزج من الأستاذ حسين السيد، وإلقاء فتحب بك قصيدة (يا نانح الطلح) لشوقي، وغناء المطربة لوردكاش قطعة من شعر شوقي، وتمثيل الفرقة القومية فصلاً من رواية مجنون ليلى.

ولم يكن المهور كبيراً، من جراء هذا التسعير الفاحش. وقد علمت أن الحفل لم يكلف القائمين به مالاً، لأن المشتركين فيه حتى المطربة والفرقة التمثيلية كانوا متبرعين، ولهذا لا أدري ما سيصنعون بجنيهي. .

أبو محجن الثقفي:

كانت فرصة طيبة أن يسمع كثير من الناس الأستاذ الزيات من المذياع وطالما قرءوا له ولم يسمعوا صوته، فقد أذاع يوم الجمعة حديثاً عن أبي محجن الثقفي، وكانت مناسبة طيبة أيضاً أن يتحدث عن علم من أعلام الإسلام وبطل من أبطال موقعه القادسية في هذا الوقت الذي يرجى فيه أن يكون للعرب بفلسطين مواقع كموقعة القادسية، وما أحوج الشباب في هذه الآونة العصيبة إلى أن تجلى لهم تلك النماذج الرائعة من الفتوة العربية الإسلامية.

اتجه الأستاذ في حديثه إلى بيان مرحلة دقيقة في تأريخ الفتوة العربية وهي مرحلة انتق من الجاهلية إلى الإسلام، واتخذ أبا محجن مثلاً لها، فهو فتى من فتيان العرب تقوم الفتوة عنده على الحب والخمر والحرب والتغني بنشوتها في رائع الشعر وتقوم إلى جانب ذلك عزة تأبى الخضوع وتأنف أن ترتدع بالعقوبة؛ وقد تمادى أبو محجن في لهوه وشربه رغم إسلامه، ومرة يؤتي به إلى الفاروق عمر وقد شرب مع ندمائه بوادي العقيق، فيجلده عمر، فيصر على الشرب، فيعاود جلده ثم يأمر بنفيه، فيتغلب على الشرطي المرافق له في الطريق، وذهب إلى سعد بن أبي وقاص بالعراق فيحبسه. ثم ينشب القتال بين العرب والفرس، فتهتاج نخوة أبي محجن ويتألم لقيده الذي يمسكه عن خوض المعركة، ويعبر عن ألمه بأبيات من الشعر تسمعها زوج سعد بن أبي وقاص التي يطلب منها أن تطلقه ويعاهدها أن يرجع إلى قيده بعد انتهاء المعركة، فتطلقه، فينطلق إلى الحرب على متن البلقاء فرس سعد، ويحمل على جيش الأعداء حملة تفضي إلى هزيمتهم، ثم يرجع إلى قيده وفاء بعهده. وما يعلم سعد خبره حتى يفك قيده ويطلق سراحه، ويعلن أنه لا ينبغي أن يحبس من كان ذلك بلاءه، وأنه لن يحده إذا شرب. وهنا تتخذ الفتوة العربية صبغة الإسلام، فيقسم أبو محجن لا يذوق الخمر قائلاً إنه كان يشربها حتى لا يقال أنه ترك الخمر مخافة العقوبة، أما الآن فإنه يتركها خشية الله.

شياطين الشعراء:

تذيع محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية في بعض الأوقات جلسات أدبية تتكون من بعض الأدباء يتناقشون في الموضوعات الأدبية المختلفة، ومن طرائف هذه الجلسات ما سمعته في الجلسة الأخيرة التي تألفت من الأساتذة محمد عبد الغني حسن وعادل الغضبان وإسماعيل مظهر، إذ تناقشوا في (شياطين الشعر) فبدأ الأستاذ مظهر بطلب الكلام عن هذه الشياطين، فأجاب الأستاذ عبد الغني بأنه من العجب أن يكون للشعر شيطان عند العرب وإلهة عند اليونان، كما أن من العجب أيضاً أن العرب يعتقدون أن الشيطان إذا مس إنساناً تخبط وخولط في عقله، ويعتقدون مع هذا أن الشيطان يوحي إلى الإنسان بالشعر، فالشيطان عند العرب يوحي ويجنن. . . ولم يكنف العرب بذلك بل جعلوا الشياطين أنفسهم شعراء، ونسبوا إليهم شعراً. وكما سمى اليونان الآلهة بأسماء سمى العرب شياطين الشعر كذلك، فمسحر شيطان الأعشى وشنقناق شيطان بشار، وكان شيطان حسان من بني الشيصبان وهي قبيلة من الجن. واستظرف الأستاذ قول أبي المنجم الرجاز:

إني وكل شاعر من البشر ... شيطانه أنثى وشيطاني ذكر

ثم قال الأستاذ عادل: ذكرت يا أخي عبد الغني أسماء بعض شياطين الشعراء وأن شيطان حسان من بني الشيصبان، فاسمح لي أن أذكر بعض قول حسان في شيطانه، قال:

ولي صاحب من بني الشيصبان ... فطوراً أقول وطوراً هوه

وقد كان لشياطين الشعراء مدن وخيل وكلاب، وكانوا في مراتب مختلفة فلا بد أن يكون عليهم أمير، والى هذا يشير القائل:

إني وأن كنت صغير السن ... وكان بالعين تبو عني

فإن شيطاني أمير الجن

وربما اختار العرب الشياطين للشعر، لأنهم كانوا أهل حرب وجلاد، ففتشوا على ما اعتقدوا أنه مصدر قوة في ذلك، وأما اليونان كانوا أهل حكمة وفلسفة وفنون، فاستوحوا مصدر الجمال ممثلاً في المرأة، واستعانوا على خلق الجمال بربات الجمال.

ومما أذكره أنا لهذه المناسبة أن أحد النقاد المتقدمين قال: من عجائب أمر حسان أنه كان يقول الشعر في الجاهلية فيجيد جداً ويدعي أن له شيطاناً يقول الشعر على لسانه كعادة الشعراء في ذلك فلما أدرك الإسلام واستبدل بالشيطان الملك تراجع شعره وكاد يرك قوله، ليعلم أن الشيان أصلح للشاعر وأليق به وأذهب في طريقه من الملك.

وقد رأيت لأبي أسحق من أصحاب الجاحظ كلاماً يتصل بهذا الموضوع، قال بعد أن وصف حياة العرب المنقطعة في الفلاة واستيحاشهم بالتفرد: (وإذا استوحش الإنسان مثل له الشيء الصغير في صورة الكبير، وارتاب وتفرق ذهنه وانتقضت أخلاطه فيرى ما لا يرى ويسمع ما لا يسمع، ويتوهم على الشيء الصغير الحقير أنه عظيم جليل، ثم جعلوا ما تصور لهم من ذلك شعراً تناشدوه وأحاديث توارثوها، فازدادوا بذلك إيماناً ونشأ عليه الناشئ، وربى عليه الطفل، فصار أحدهم عندما يتوسط الفيافي، وتشتمل عليه الغيطان في الليالي الحنادس، فعند أول وحشة أو فزعة، وعند صياح بوم أو مجاوبة صدى، تجده وقد رأى كل باطل وتوهم كل زور، وبما كان في الجنس وأصل الطبيعة نفاحاً كذاباً، وصاحب تشنيع وتهويل، فيقول في ذلك من الشعر على حسب هذه الصفة، فعند ذلك يقول رأيت الغيلان وكلمت السعلاة، ثم يتجاوز ذلك فيقول قتلتها، ثم يزيد فيقول رافقتها ثم يتجاور ذلك إلى أن يقول تزوجتها. . .)

مهرجان الشباب

قلت قبل الآن أن المراقبة العامة للثقافة بوزارة المعارف اعتزمت إقامة مهرجان أدبي وفني للشباب الذين هم دون الخامسة والثلاثين من العمر لتشجيع الأدباء والفنانين منهم على حسن الإنتاج والتبرير فيه.

وقد تقرر أن يكون هذا المهرجان في شهر فبراير سنة 1948 في مناسبة عيد الميلاد الملكي، كما تقرر أن تكون مباريات المهرجان في الموضوعات الأدبية والفنية الآتية:

1 - الشعر بألوانه المختلفة على ألا تتجاوز القصيدة ثلاثين بيتاً

2 - أدب القصة القصيرة التي تستمد وحيها من صميم الحياة

3 - أدب التمثيلية القصيرة الصالحة للمسرح أو الإذاعة

4 - الأناشيد القومية والحماسية وأغاني الطبيعة المصرية والحصاد والأعياد والمناسبات الدينية والوطنية على اختلاف أنواعها.

5 - الموسيقى التصويرية والموسيقى الخفيفة والموسيقى الشعبية وغيرها فردية أو جماعية

6 - نحت التماثيل المتوسطة الحجم والصغيرة من الجير والبرنز والعاج والخشب وغيرها

7 - الغناء الانفرادي والإجماعي

8 - تمثيل المسرحيات القصيرة

9 - الصور الشمسية والمائية والزيتية للمناظر الطبيعية والأشخاص والمعاني بالأخص ما كان منها من واقع الحياة المصرية

10 - الأشغال اليدوية الدقيقة التي تتجلى فيها المقدرة على التصميم والتنفيذ.

ويشترط في قبول الإنتاج، غير سن صاحبه، أن يكون جيداً ومبتكراً لم يسبق عرضه أو نشره.

وباب الاشتراك في المهرجان مفتوح للجنسين من أفراد الجمهور لطلبة وطالبات الجامعة والمعاهد العليا ومعاهد الفنون والمدارس الثانوية والجامعة الشعبية.

وقد جعل الأسبوع الثالث من شهر يناير سنة 1948 غاية المدى لتقديم الإنتاج، وهو يقدم إلى إدارة خدمة الشباب (7 شارع سليمان باشا بالقاهرة) وسوف تحرص لجان التحكيم على الفراغ من مهمتها في الوقت المناسب حتى يتاح للمغنين والملحنين والفرق التمثيلية الحصول على أحسن إنتاج من الأغاني والأناشيد والمسرحيات الفائزة والاستعداد لإخراجها في المهرجان.

وستخصص جوائز للفائزين في جميع هذه المباريات، ولم يستقر الرأي على تفصيلاتها بعد.

وسيلحق بالمهرجان معرض للكتب الصادرة سنة 1947 يتألف من الكتب التي يوافي المراقبة بها مؤلفوها ودور النشر والمكتبات.

ملاحظات على المهرجان

ولا شك أن المهرجان سيكون عظيم الشأن جليل الأثر، ولهذا أردت مناقشة بعض ما جاء في برنامجه مشاركة في العمل لبلوغ ما يرجى له من النجاح والتوفيق.

1 - جعلت لجنة المهرجان الغناء والتلحين والتمثيل مرتبطة بما سيفوز بالمباراة الأدبية من الأغاني والأناشيد والمسرحيات، فليس لأحد من المتبارين في هذه الفنون أن يستخدم فنه في تأليف خارجي، وفي هذا تضييق على الفنان وتقييد له، ولنفرض - مثلاً - أن موسيقياً لديه تلحين جيد لنشيد استراح إليه فنه، أيقدم النشيد أولاً للجنة الأدب ويجعل لحنه رهن فوز النشيد في المباراة، فإذا لم يفز ضاع اللحن؟ أم ماذا يصنع؟

2 - المفهوم من البرنامج أن التقدم في مباراة التمثيل للفرق لا للأفراد، فهل سيكون الحكم بالفوز أو عدمه للفرقة متضامنة أو ينظر إلى كل فرد منها ويحكم على كفايته؟ وأظن أن الطريقة الثانية أقرب إلى التقدير والإنصاف.

3 - لم تعين مقادير الجوائز بعد، ولكن أستطيع بما فهمت من الجو المالي للمهرجان أن أقول إنها قليلة غير مغرية، ولهذا يخشى ألا يقبل على المهرجان ذوو الإجادة والاعتزاز من الشباب، فقد صرنا إلى حال تحسن فيها التقدير المالي لمختلف الفنون، وبعض الشباب يتقاضون على إنتاجهم الفني من الهيئات الأهلية أجوراً عادية تكاد تساوي الجوائز التي ستخصص في المهرجان، وأنا أعلم غيرة القائمين بالمهرجان على الأدب والفن ورغبتهم في حسن التقدير والتشجيع، ولكن يقف في سبيلهم من بيدهم أمر الاعتماد المالي، وهؤلاء أقل من أصحابنا بكثير في الغيرة والرغبة السابقتين.

في منظار الخفيف:

رأيتني في حاجة إلى أن أستعير المنظار من الزميل الألمعي الأستاذ محمود الخفيف، لأستطلع به أمر صديق أديب موظف بوزارة المعارف، وهو ممن يطالعون القراء برحيق الآداب، ولكنه - ككثير من أمثاله - يضطر إلى الوظيفة الحكومية يؤدي فيها عمله ليأخذ في مقابله الكفاف، ويستجيب لدواعي فنه فيما فضل من وقته وجهده.

لقيت هذا الصديق أمس فقلت له:

- كيف أنت؟

- حتى لا يرزق!

- لا بأس عليك. . ماذا جرى؟

- أصدر السكرتير المالي بالوزارة أمراً بوقف صرف مرتبي لأن يوم عينت بالحكومة كان تعييني (على بند 11 إعانات) وتبين بعد ذلك أنه إجراء غير سليم. وعلى الرغم من أنني للم أكن قد طلبت تعييني على (بند 11 إعانات) ولم يكن لي يد في هذا الإجراء الذي لم أعرف عنه شيئاً إلا عندما وقف صرف مرتبي أخيراً - على الرغم من ذلك حاق بي ضرر ذلك التصرف؛ وحل بغير جارمه العقاب!

وقابلت المختصين في الوزارة، فقيل أن السكرتير المالي فعل ذلك ليضطر (إدارة المستخدمين) إلى تصحيح الوضع، وقالوا لي (الحق. . حتى لا تصرف بعد ذلك!) وتلفت حولي لأرى كيف (الحق) ثم قصدت (المستخدمين) فقالوا لي هناك أيضاً (الحق. . .) وحرت من (الحق)؟! ودرت دورة مررت فيها بعلي أفندي في (قلم الماهيات) وأحمد أفندي في (قلم الميزانية) ومحفوظ أفندي في (قلم العلاوات) وكان كل منهم يحيلني إلى الآخر وينصحني بأن (الحق. . الخ) ولم أخرج من هذا المطاف بطائل، ولكني عرفت منه أن وزارة المعارف كروية الشكل. . لأني كنت انتهي إلى حيث بدأت!

وسكت الصديق برهة ثم قال: أتدري ما الذي يهمني من كل ذلك؟ إنه كيف أفهم أطفالي الأربعة أحكام (البند 11 إعانات) وقلت في نفسي: منذ قليل شيعنا الشاعر الرواية أحمد الزين وعرضت مأساته على صفحات (الرسالة) فهل ننتظر حتى يتهاوى الأدباء واحداً إثر واحد ثم نتفجع عليهم! ولم لا نتفجع على الأحياء. . .؟

وهنا رأيت (المنظار) قد سود الدنيا في وجهي، فأبعدته عن عيني وقلت للصديق:

- كيف تضار ومعالي الوزير السنهوري باشا رجل عادل!

- إنه لكذلك، ولكن أين أنا منه؟

(العباس)