مجلة الرسالة/العدد 756/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 756/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 12 - 1947



حدث في الفكر الإسلامي:

أخي العباس الفاضل:

لم يسعدني الحظ بأن اقرأ في مجلة الثقافة بحث الأستاذ الجليل معالي

عبد العزيز فهمي باشا في مسألة تعدد الزوجات، ذلك البحث العظيم

الذي عددته أنت (حدثاً في الفكر الإسلامي)، ولكني سمعت بتلخيصك

له وتعليقك عليه في (الرسالة) الغراء.

وقد استرعى انتباهي في هذا الموضوع نقطة واحدة، هي من البحث كله بمنزلة الأساس من البناء؛ تلك هي تفسير الأستاذ الجليل لقول الله تبارك وتعالى (مثنى وثلاث ورباع)، إذ أنه ذهب في هذا التفسير مذهباً لم يسبقه إليه سابق فيما أعتقد، فقد ذكر (أن الكلام في الآيتين (وآتوا اليتامى أموالهم. . . وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) سوق لتحقيق فضيلة العدل في المعاملة) بتحذير الأوصياء من الوقوع في الإثم العظيم بأكل أموال اليتامى ظلماً. . (ولما كان بعض اليتامى إناثاً في حجر المخاطبين، وكان لهن أموال تحت يدهم، وكان من عاداتهم السيئة أنهم يتخذون هؤلاء اليتامى زوجات لهم ويمسكونهن هن وأموالهن ضراراً، وكان هذا أشنع مظهر من مظاهر أكل مال اليتامى - فتعميماً لفكرة تحقيق العدل (في الآية الأولى) وتثبيتاً لها أشار (في الآية الثانية) إلى هذا المنكر، وأنى بأبلغ ما يكون من القول لصرفهم عنه؛ إنه يقول لهم: إذا فهمتم قولي في الآية السابقة، وعلمتم أن أكل مال اليتامى مطلقاً (من ذكور وإناث) إثم كبير، فلا تتذرعوا إلى هذا العبث بنكاح اليتيمات اللاتي في حجوركم، بل تعففوا عن نكاحهن المفضي بكم إلى أكل أموالهن، ولديكم ممن تستطيبوهن من غيرهن من النساء كثيرات، تستطيعون أن تنكحوا منهن ما تشاءون، لا واحدة ولا اثنتين (واحدة بعد أخرى)، ولا ثلاثاً (واحدة بعد الاثنتين الأولين)، بل حتى مثنى وثلاث ورباع، أي جزافاً بلا حساب ولا عدد).

وقد غضضت النظر عن كل ما قاله المفسرون في تفسير هاتين الآيتين، وما استشهدوا به من كلام الرسول الكريم وعمله، وما نقلوه من أقوال الأئمة عن الصحابة والتابعين، ونظرت إلى المعنى مجرداً كما فسره الأستاذ الجليل، فإذا هو يتلخص في أن الله سبحانه وتعالى ينهى الأوصياء من المسلمين عن أكل أموال اليتامى ويحذرهم أن يحتالوا على أكل أموال اليتامى القاصرات بالزواج منهن، ويقول لهم: إن من الخير لكم أن ترعبوا عن هذا الزواج الذي يفضي بكم إلى الإثم العظيم، إلى زواج لا إثم فيه ولا حرج، فإن كنتم لابد راغبين بالزواج فأنكحوا ما طاب لكم من النساء من غير هؤلاء القاصرات، فإنكم واجدون بدل الواحدة اثنتين وثلاثاً وأربعاً وعدداً لا يحصى ولا يعد.

فليست الآية مسوقة في رأي الأستاذ الجليل لتحديد عدد الزوجات، ولا لإباحته بأكثر من واحدة، إنما هي مسوقة لتحذير الطامعين من الأوصياء في أموال اليتامى والمحتالين لأكلهم بحيلة الزواج منهن: ولفت أنظارهم إلى أن هذا التحايل لا يبعد بهم عن مزالق الإثم: فإذا كانوا راغبين في الزواج من أجل الزواج فالنساء من غير اليتامى كثيرات لا حصر لهن ولا عدد، فليختاروا منهن ما يشاءون، على أن لا يكون للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة.

فإذا كان الأستاذ الجليل يرى أن الآية لا تحمل معنى إباحة التعدد في الزوجات، وإنها لا تبيح للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة مهما طاب له من النساء، فما معنى قوله تعالى بعد ذلك: فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة؟ وما وجه الصلة بين هذا الشطر من الآية وبين شطرها الأول وهو قوله تعالى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع؟ أليس في الشطر الثاني من الآية ما يشعر إن لم يدل دلالة صريحة بأن شطرها الأول يحمل معنى إباحة التعدد حتى يمكن أن يكون للرجل عدد من الزوجات يطلب إليه العدل بينهن؟ وإلا فكيف يكون العدل ممكناً بين زوجة واحدة؟ وهل العدل إلا توزيع الحقوق بالقسط بين أصحابها؟ وإذا كان الله سبحانه لم يبح للرجل غير زوجة واحدة، فكيف يطلب إليه أن يقتصر على واحدة إذا خاف ألا يعدل؟ أليس هو مقتصراً على واحدة بحكم القانون الذي شرعه الله له؟ وهل يستقيم نهج الكلام إذا كان المعنى كما يقول الأستاذ الجليل: فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مقتصرين على واحدة فحسب فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة؟

أحسب أن نهج الكلام حينئذ لا يستقيم، واحسب أن الشطر الثاني بهذا التفسير يكون لغواً، وكلام الله تبارك وتعالى منزه عن اللغو.

هذا هو جوهر الموضوع ولبابهم، أما أن القرآن يأتي بهذا الشأن الأساسي بصفة عرضية أو غير عرضية وجواباً لعبارة شرطية أو غير شرطية، فليس أمراً ذا بال، فالقرآن قانون شامل كامل يكمل بعضه بعضاً، ويفسر بعضه بعضاً، وقد يعلم الأستاذ الجليل إن القرآن قد استفرغ جهود المجتدهين من الأئمة والفقهاء، حتى استنبطوا الأحكام من كل كلمة من كلماته، بل من كل حرف من حروفه.

أمين دوبدار

كلمتي الأخيرة في الفضاء والعدم

أرجو من الأستاذ أحمد محمد حلمي أن يراجع مقالي الأول والثاني، وأن يدلني أين قلت إن الأثير موجود حتماً. لم أقل هذا القول. بل قلت إن الأثير مفروض فرضاً، ولم يسلك ببرهان علمي وعملي وأن أنيشطين قال إن نظريته النسبية لا تحتاج إلى الأثير، وسيان عنده وجد الأثير أم لم يوجد. وقد أوضحت هذا جلياً في المقال الثاني.

على إن بعض العلماء الكبار قالوا لا غنى عن فرض الأثير سواء ثبت علمياً أو انتفى، لأن فرضه يعلل بعض الظاهرات الطبيعية.

لم أحتم بوجود الأثير. وإنما حتمت بأن الفضاء ليس فراغاً عدما بل هو متدفق بالأمواج الكهرطيسية، لأن عيوننا ترى بعضها وهي أمواج النور ونحس بسائر الأمواج كأمواج اللاسيلكي والراديو والرادار الخ. وهذه الأمواج مادية لا روحية، هي شظايا الإلكترونات السلبية والبروتونات الإيجابية. وتسمى ضوئيات فوتونات. وطاقة المادة تأتينا فيها. ولا يهمنا إن كانت محمولة على أجنحة الأثير المفروض أو هي متدفقة أو من تلقاء نفسها بلا أجنحة. بعد هذا البيان الواضح في هذا المقال وفي مقالي السابقين لم يبق لشرح الأستاذ أحمد محمد حلمي لزوم عندي لأني أعرفه ولا أنكره.

نقولا الحداد

أبو نؤاس:

في مقال للأستاذ سلامة موسى بمجلة النداء تحت عنوان الأديب بين العزوبة والزواج جاء فيه إن أبا نؤاس الشاعر لم يكن متزوجاً ولذا كان ابتداعياً يهتف في شعره إلى الثورة على ما سماه الأستاذ، أوهام المجتمع الزائفة وهذا خطأ محض إذ أن كل دارس لشعر الحسن بن هانئ يعرف أنه قد ذكر زوجه في أكثر من بيت في قصائده وخمرياته حتى ذهب بعض من أرخوا لأبي نؤاس من قدامى ومحدثين إنه قد أنجب أولاداً من زوجه.

محمد الشاذلي حسن