مجلة الرسالة/العدد 759/من التراب:
مجلة الرسالة/العدد 759/من التراب:
ماضي شهيد!
للأستاذ محي الدين صابر
هكذا دارت حواليه ولفته الحياهْ
فارتمي في السفح، في عينيه وحي صلاه
وعلى المنهل قد أنكره حتى الرعاه
هو حلم ظلّ يسّاقط ليلاً في ضحاهْ
ضلَّ في أعماقه معناه وأرتاب هُداه
وسوستْ أشواقُه من أفق ليس يراه
صاعداتٍ لضمير في دم الغيب مداه
دمعت جبهتُه آه وكم تبكي الجباه
قال، والذُّلُّ على عطفيه يا مجد إلهْ
هكذا دارت حواليه ولفته الحياهْ
وتلوَّى في طريق سارب بين الشَّعابْ
ذاهلاّ يدفنُ في عينه كوناً من عذاب
مهجةّ مجروحة الأقدار تاهت في ضباب
نشرت من شعره الريح وجاشت في الثياب
قدماهُ فوق ناب الصخر موتٌ في شبابْ
وهوَ سهوانُ كما يطردُ معنىً في كتاب
يتملى صوراً تْغُبرُ ما ضيه رطاب
قال في قهقة المجنون يا ذلَّ التراب
ورأى في وهمه الواثب في السفح، سراب
فتلوَّى في طريق سارب بين الشّعاب
وتهاوى تحت سرح شائخ الجذْع عتيدْ
ظُّلهُ الرَّاعش رحمانٌ على البيد طريد شد من لحيته يرُقبُ طيفا من بعيد
من بعيد بين جبنيه رمادٌ وحصيد
واستوى يعزف للقمة لحناً من جديد
جحظت عيناهُ هذا النايُ صمتٌ وجليد
ذهب الوحيُ جميعاً من يديه والنشيدْ
مصه الجدبُ امتصاصاً فهو بيد فوق بيدْ
قال في حشرجة المذبوح يا قبر شهيد
وتهاوى تحت سرح شائخ الجذع عتيد
ومشت قافهُ تصعد من خلف السنينْ
في هواديها غناء وعلى الخلف أنين
هي من أين؟ إلى أين؟ أظن أم يقين
هي لا تعرفُ إلا إنها في السائرين
عبرت مصرع إنسان على الذَّكر دفين
كبرياءٌ ردَّها الفكرُ حطاماً من حنين
فهو راسٌ يثبُ الموتُ عليه وجبين
قال حاديها: غريبٌ قد دعانا منذ حين
فدعوه أن في الماضي حياة الخالدين
ومشت قافلةٌ تغرقُ في جوف السنينْ
(باريس)
محي الدين صابر