مجلة الرسالة/العدد 764/الحمامة الطريدة

مجلة الرسالة/العدد 764/الحمامة الطريدة

ملاحظات: بتاريخ: 23 - 02 - 1948



للأستاذ محمود الخفيف

في وحدة سامرت فيها الأسى ... طافت بي الذكرى فلم أهجع

شكوت لليل الضنى والجوى ... والوجد والسهد وهذا الدجى

زادت غواشي الهم أسدافه ... ودلت الوهم على مضجعي

في ليلة غارقة الأنجم ... ضل بها الفجر عن المطلع!

لكل ألوان الأسى تنتمي ... حلكتها من همي الأقتم

الذئب مقرور بها هاجع ... والجن لم تأنس إلى موضع

الليل جهم، صرصر ريحه ... صفيرها يزداد في مسمعي

أجش وحشيّ الصدى نوحه ... مرتعش من قره دوحه

أطل لا تبصر عيني سوى ... أشباحه في الأفق الأسفع

واعجبا ماذا أرى في ظلام ... والصرصر الهوجاء لم تقلع؟

يقظان إذ أبصر لا في منام ... ورقاء في سمعي منها بغام

قد أقبلت ملهوفة في الدجى ... على هدى المصباح في مخدعي

حطت على نافذتي خائفة ... ما دونها في الليل من مفزع

نازفة واحزنا راعفه ... بالغوث في أناتها هاتفه

كم ذا رنت صوبي في لهفة ... رف لها الخافق في أضلعي

وهنانة تلهث في زاويه ... كجاهد أفلت من مصرع

من جارح أحسبها ناجيه ... تخفيه عني الظلمة الغاشيه

وربما كان على خطوة ... لو لم ير المصباح لم يرجع

مددت بالماء يدي في وعاء ... فأجفلت من ذلك المشرع

تلهث لا تطلب غير الثواء ... تنكر تنكر ما أبدي لها من رثاء

مشبهتي في الوجد لا تنفري ... ما كنت يا ورقاء بالمدعي

أنت وما أوجع هذا الأنين ... حسي ما في خافقي الموجع

طريدة الظلمة، قلبي الحزين ... أبكاه هذا الحزن لو تعلمين بكاؤك المكتوم كم هزني ... والأصل أن تلهي وأن تسجعي

كم هجت يا ورقاء أشجانيه ... أنا الذي كم أسبلت أدمعي

كم ذا بكى عان فأبكانيه ... وكم بكت في الطرس ألحانيه

طالبة المأوى كلي واشربي ... آمنه في جيرتي واهجعي

كم صورة مثلت في خاطري ... يشقى بها كل فؤاد يعي

وارحمتا للساهد الساهر ... الواجد المنفرد الشاعر

مؤنستي كم صورة للأسى ... ألقي بها في قلبي المترع

فيك خيال للشقي الطريد ... لم يأوه في الأرض من موضع

مروع في كل آن شريد ... تسلمه الدنيا لخوف جديد

جهم العشايا منذر ليله ... في صبحه بالحادث المفزع

وفيك طيف البائس المعدم ... منكس الهامة مستضرع

مبتئس النظرة مستسلم ... عان، هنا أو هاهنا يرتمي

بكل باب أن مستصرخاً ... لم يرو منه الغل أو يشبع

وفيك يا ورقاء ذل الضعيف ... لم ينجه الضعف ولم يشفع

أضناه في دنياه كسب الرغيف ... في زحمة العيش هزيل لهيف

من دمه كم عاش ذو قوة ... لم يدر ما الرحمة أو يقنع

وفي جراحاتك مرأى الجريح ... خاض الردى في هوله المفظع

ممزق ظمآن عان طريح ... في ركنه بعد الفضاء الفسيح

يذكر طعم الموت في موطن ... يا هوله للموت من مرتع

أطائر، أم أنت روح شفيق ... جاء يواسيني ويبكي معي؟

وهم به في الوجد قلبي خليق ... غير الأسى ما إن له من رفيق

مشبهتي في الوجد كم دمعة ... ذرفتها في الليل أن تدمعي

الخفيف