مجلة الرسالة/العدد 765/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 765/البريد الأدبي
أكذوبة فظيعة:
سامحك الله يا أستاذ طنطاوي على اتخاذك من الأكاذيب موضوعاً للكلام الفلسفي في (حكمة القدر).
سامحك الله مرة أخرى على تصديقك (الأكذوبة الفظيعة) أكذوبة سقوط ابنتي من شرفة الطابق الخامس وقد بلغت سالمة ولم (تعجنها السقطة عجناً).
ألا تعلم يا صاحبي أن قاص ألفق الحكايات فأنفخ في الممكنات من روحي فأصيرها خلقاً سوياً من جسد وروح؟ أليس من حق القاص أن يتذرع بالأكاذيب عله بها يدرك (حكمة القدر)؟
قد تعرف يا صديقي أني كنت أتغرد في حبك الأكاذيب سواء فيما كتبت ونشرت في النقد الأدبي، وفي كتابة القصة ولم أشرك في تلفيقي أحداً، أما هذه المرة، فإني أعترف لك بأني لم أكن - ويا للأسف - الملفق وحدي لأكذوبة سقوط ابنتي (الحلوة) حقاً من شاهق، بل اشترك في توشيتها وتنميقها وتنسيقها وعرضها حتى وصلت إليك على النحو الصحيح الذي أذعته ثم نشرته في (الرسالة) بل اشترك معي فيها.
1 - جيران بيتي وفيه من الطوابق خمسة ومن (الشقق) ثلاثون شقة فمن هؤلاء الجيران من رأى الحادث رأى العين، ومنهم من سمع به.
2 - رجال الإسعاف وقد نقلوا ابنتي إلى مستشفى القصر العيني
3 - أطباء قصر العيني وقد آووها عندهم مدة يومين كاملين
4 - رجال بوليس قسم الأزبكية وقد أجروا تحقيقاً لمعرفةأسباب السقوط بمحضر رقم (325).
5 - رجال النيابة وقد حفظوا القضية بنمرة (9830).
6 - وأخيراً أطباء مستشفى عانوس وقد عالجوا ابنتي وقد أصيبت بارتجاج في المخ وقد زال بحمد الله بعد عشرة أيام.
هؤلاء كلهم اشتركوا معي في تلفيق هذه الأكذوبة التي لا تنطبق حقاً على ناموس الجاذبية، ولا على القانون الطبيعي، ولا على أساطير العجائب والمعجزات، بل ربما تنطبق على (حكمة القدر).
حبيب الزحلاوي
النساء ملائكة:
عندما صخب أمراء فرنسا ورجال الإقطاع فيها في دار ندوتهم على الوزير العظيم الكردينال (ريشيليو) وانهالوا يسلقونه بألسنة حداد، استمع الوزير لصخبهم وضجيجهم في هدوء المطمئن، الواثق من نبل غرضه، وشريف قصده، وعندما استهل كلامه رداً على ما جاء على ألسنتهم من هجر القول وفحشه قال:
(أكثروا من الشتائم واتخذوا منها أكمة فلن تدركوا مقدار إشفاقي عليكم) ثم استمر يتحدث في صلب الموضوع وصميمه دون الدخول في مهاترة أو إسفاف. ووالله لا أجد ما أستهل به ردي على الأستاذ الكريم أحمد الشرباصي المدرس بمعهد القاهرة الثانوي، خيراً مما استهل به الكردينال حديثه. ثم أدلف إلى الصديق أعاتبه، وإلى العالم أحاسبه، في هدوء المؤمن بمبدئه والعامل على تنفيذه وما أقصد غير وجه الحق وحده.
لقد شغلك يا صديقي ألوان الصور وجمال المناظر، عن التعمق في درس ما بين سطور كتابي (النساء ملائكة) من أغراض نبيلة، ومبادئ جليلة وآراء. هي كلها دعامات للأخلاق الحميدة. فكم فيه من دفاع عن الفضيلة وكؤوس مترعة بالخمر البريئة، يستقيها الظمآن فتتشرب نفسه ما فيها من حلال زلال.
وبقدر ما راعتك الصور التي أخرجتك عما أعرفه فيك من هدوء، وأعهده فيك من إنصاف، بقدر ما أهملت أيها الأخ الصديق تصفح الكتاب ومحاولة نقده نقداً عادلاً أرتضي حكمك بعده، فتصفح الكتاب، وأنا راض بعد ذلك حكمك، ومتقبل نقدك.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
محمود يوسف الأمين بدار الكتب المصرية
الغوغاء
في العدد (760) من الرسالة الغراء، تساءل الأستاذ أبو ماضي عن رأي الأدباء في ورود كلمة (الغوغاء) مؤنثة في الفقرة (961) من نقل الأديب، مع أن المفهوم أن لفظ (الغوغاء) مذكر، وأن همزته ليست للتأنيث الخ.
غير أن هذا الذي يعتبره الأستاذ أبو ماضي مفهوماً لا خلاف فيه ليس هو كل شئ في الموضوع
فقد جاء في اللسان: الغوغاء، الجراد إذا احمر وانسلخ من الألوان كلها، وبدت أجنحته. . . الجراد أول ما يكون سروة، فإذا تحرك فدباً قبل أن تنبت أجنحته، ثم يكون غوغاء وبه سمي الغوغاء، والغاغة من الناس. وهم الكثير المختلطون. . يذكر ويؤنث، ويصرف ولا يصرف. . . فمن صرفه وذكره جعله بمنزلة قمقام والهمزة بدل من واو، ومن لم يصرفه جعله بمنزلة عوراء. قال أبو العباس: إذا سميت رجلاً بغوغاء فهو على وجهين: إن نويت به ميزان حمراء لم تصرفه، وأن نويت به ميزان قعقاع صرفته.
وجاء في تاج العروس: الغوغاء الجراد، يذكر ويؤنث، ويصرف ولا يصرف، هو أولاً سروة، فإذا تحرك فدباً، فإذا نبتت أجنحته فغوغاء. كذا في التهذيب.
وقال الأصمعي: والغوغاء الكثير المختلط من الناس، سموا بغوغاء الجراد على التشبيه.
وفي نوادر قطرب: مذكر الغوغاء أغوغ، وهذا نادر غير معروف. ومما تقدم نرى أن كلمة غوغاء تذكر وتؤنث وتصرف ولا تصرف وأن همزتها مختلف فيها بين أن تكون منقلبة على الواو وبين أن تكون للتأنيث.
وبالغ قطرب فاعتبر الكلمة مؤنثة بلا نزاع، واخترع لها مذكراً! هذا هو حكم اللغة ورأي علماء اللغة، فلا حرج على ابن السبكي إذا أنث (الغوغاء) في طبقات الشافعية، ولا تثريب على فقيد العربية النشاشيبي إذا نقل ذلك بلا تعقيب.
برهان الدين الداغستاني
(لن) لا تقتضي تأكيداً ولا تأييداً:
قرأت بإعجاب ما كتبه الأستاذ إبراهيم زكي الدين بدوي معقباً على كلام صاحب المعالي عبد العزيز فهمي باشا
غير أنه قد استرعى انتباهي في كلام معاليه هذه العبارة (ولن كما يقرر النحاة هي أشد أدوات النفي للمستقبل إذ تنفيه نفياً باتاً فالقرآن يسجل بصريح العبارة أن الاستطاعة مستحيلة أي أن العلة المتوهمة للتصريح بالتعديد لن تتحقق أبداً)
والذي أعلمه أن لن كما ذهبت إليه جمهرة النحاة لا تقتضي تأييداً للنفي ولا تأكيداً، ولم يقل بذلك إلا الزمخشري في كتابيه (الأنموذج والكشاف) مستدلاً على مذهب المعتزلة في نفس رؤية الله تعالى حينما تعرض لتفسير الآية الكريمة من سورة الأعراف (قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) حتى لقد صار كلامه في لن مضرباً للأمثال فقال الأدباء (لن الزمخشرية) وإنني مع احترامي لألمعية الزمخشري - أضع يدي في يد النحاة وأذكر للرد على كلامه أدلة منها
1 - أنه لم يقم دليل على كونها للتأييد
2 - وأنها لو كانت كذلك للزم التناقض بذكر اليوم في قوله تعالى (فلن أكلم اليوم إنسياً)
3 - وللزم التكرار بذكر الأبد في قوله تعالى (قل لن تخرجوه معي أبدا).
وأما التأييد في قوله تعالى (لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له) فمن أمر خارجي لا من مقتضيات لن، والله الموفق للصواب.
هارون محمد أمين