مجلة الرسالة/العدد 766/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 766/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 766
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 08 - 03 - 1948



مهرجان الشباب:

كان يوم الجمعة يوم الشباب، وهو اليوم الذي أقامت في الإدارة العامة للثقافة بوزارة المعارف، المهرجان الأدبي والفني لتعرض به نتائج المباريات التي نظمتها للشباب في الأدب والفنون فمنذ أكثر من شهر يقوم المشرفون على هذا المهرجان بالإعداد له، وتقوم لجان التحكيم بالفحص وكشف المواهب؛ حتى وضعوا أيديهم على ألبوا كير، وقدموا ما طاب منها على مسرح الأوبرا الملكية يوم المهرجان.

افتتح الحفل الأستاذ فريد أبو حديد بك المدير العام للثقافة بكلمة أبدى بها فكرة المهرجان الذي اعتزمت وزارة المعارف تنظيمه سنوياً في شهر عيد الميلاد الملكي، لحفز قوى الشباب الأدبية والفنية وتدعيم نبوغه، وبين آثار الفنون في حياة الأمم ورقيها، ومما قاله أن مصر التي نشطت فيها الحركات الأدبية والفنية ولم يعقها الاحتلال - حرية أن تبلغ في هذا المضمار شأواً أبعد، على أيدي الشباب في العهد الجديد، وقال إنه كان يلاحظ علامات السرور على وجوه أعضاء لجان التحكيم حين تلوح لهم لمعات في إنتاج الشباب، إن ذلك يدل على ما يرجون فيهم من خير وما يودون لهم من توفيق.

وبعد أن ألقى الفائزون في مباراة الغناء نشيداً، تقدم الفائز الأول في مباراة الشعر (وترى بعد هذا كلمة عنه) فألقى قصيدة، ثم ألقى الفائز الأول في الزجل زجلاً مطلعة (كلمة فاروق حلوة) ثم تلا ذلك عزف موسيقي إجماعي وانفرادي على مختلف الآلات من طلاب ومحترفين وهواة، وتخلل العزف نشيد وقطعة غنائية ثم وزعت الجوائز على الفائزين في المباريات، وبعد ذلك مثل فريق مدرسة الخديوي إسماعيل الثانوية مسرحية إسماعيل الفاتح، وأعقبه فريق هواة الأسرة الأباظية بتمثيل الفصل الثاني من مسرحية قيس ولبنى.

الشاعر الأول:

كانت مفاجأة المهرجان هذا الشاب الشاعر عبد العليم محمد القباني الذي يشتغل بخياطة الملابس البلدية بالإسكندرية، وكانت القصائد التي قدمها في المباراة الشعرية قد استرعت التفات لجنة التحكيم في الشعر وأثارت إلى جانب دهشتها شيئاً من الشك؛ فلما كان الأستاذ فريد بك أبو حديد بالإسكندرية عرج على دكان هذا الترزي الشاعر، وجلس بجانبه يحادثه متوسماً أمره، وجذب عبد العليم كراسة من درج بدكانه، وجعل يسمع فريد بك أشعاره. . .

فاز الأستاذ عبد العليم في المباراة بقصيدتين هما (من ليالي البحيرة) و (ليلة في حان) وقد ألقى الأولى في المهرجان، وأولها:

قلت لي لما تلاقينا على شط البحيرة

في مساء رائع الفتنة موفور المسرة

كلما حاولت أن أنساه لا أذكر غيره

يا حبيبي ابتسم الدهر لنا

فتعال نجتني زهر المنى

لا تقل لي في غد موعدنا

نحن لا نملك إلا يومنا

ويقول في القصيدة الثانية (ليلة في حان):

يا ابنة الحان هفا قلبي إليك ... فاتركيه يحتسي من خمر ثغرك

طاف بالدنيا وأمسى في يديك ... ظامئاً لا يرتوي إلا بخمرك

فدعيه يحتسي حتى الصباح

من جني الكرمة والحسن المباح

يا ابنة الحان دنا الفجر ولاح

وأنا لا أرتجي عنك رواح

على أن التمثيل بأجزاء من هاتين القصيدتين لا يعطي فكرة صحيحة لقيمتهما، فكل منهما ذات وحدة وخيال متصل.

شاعر من الجنوب:

وقد فاز في مباراة الشعر شاب من إخواننا السودانيين هو الشاعر إدريس محمد جماع، وهو طالب بكلية دار العلوم، ومن قصيدته يصف النيل حين يغضب:

إذا الجنادل قامت دون مسربه ... أرغى وأزبد فيها وهو غضبان

ونشّر الهول في الأجواء منطلقاً ... وكان في كل صوب منه بركان

فحول الصخر ذراً في مدارجه ... فبات وهو على الشطين كثبان عزيمة النيل تفني الصخر حدتها ... فكيف إن مسه بالضيم إنسان

الخطيب الأول:

يذكر القراء ما كتبته في عدد مضى عن مباراة الخطابة وما لاحظته على موضوعها وهو بيت من حكم المتنبي؛ وكان ذلك في إحدى جلسات المباراة، وفي جلسة أخرى اقترح على المتبارين الموضوع التالي: (تمثل وقد جئت إلى هذه المباراة جمعاً من ثراة مصر جاؤا ينتظرون كلمتك فوجهها إليهم ولتكن غايتك حثهم على افتداء فلسطين بالمال فإن غيرهم يفتديها بالأرواح) وحدد للتفكير ساعة، وجعل للخطابة عشر دقائق، وكان بين المتبارين الشاب الأديب عبد الصبور مرزوق الطالب بكلية دار العلوم، فروي ساعة ثم تقدم يقول:

قال لي صاحبي ليعلم ما بي ... أي شئ غدوت منه حزيناً

قلت حرب وفتنة وجحيم ... في فلسطين، أين نلقى المعينا

موطن الوحي أصبح اليوم نهباً ... وعرين الأسود بات مهينا

ثم سار بعد ذلك في الموضوع نثراً، ووجدتني أسرع إلى تسجيل بعض قوله، فمنه (فلن يزيدنا عسفهم إلا إباء وثورة، ولن يزيدنا كيدهم إلا كفاحاً وقوة، ولن يفل عزيمة الشرقي أنه مهدد، ولن يحول دون نجاحه أنه مستعبد) ومنه (فقد شربنا مع الفطام كيف نجالد اليأس فنحيله أملا، وكيف نغالب الأقدار فتزيدنا أجلا، وكيف نستعذب الموت في كفاح المحن، ونستعيد الماضي وإن طال على الماضي الزمن).

وقد عاد إلى ارتجال الشعر في أثناء الخطابة فقال:

فسلوا الأرض في فلسطي ... ن أترضى من بعد طهر برجس

وسلوا المسجد المقدس عنهم ... وهو يبكي بروعة وتأس

(أمحرام على بلابله الدو ... ح حلال للطير من كل جنس)

والبيت الأخير لسوقي بك، أتى به على سبيل التضمين.

وكان عبد الصبور هو الفائز الأول في الخطابة، ولم يلق في المهرجان بالأوبرا، لأن المهرجان كان يذاع ما يلقى فيه، والإذاعة تحتم الاطلاع على النص من قبل، والخطابة ارتجال.

يريد أن يشبع قراءة: هو أحد الفائزين في مباراة القصة، وهو الشاب الأديب محمد يسري أحمد الطالب بكلية الطب؛ قدم إلى المباراة قصتين قصيرتين: (الغربال) و (الأعمى) والتي فازت الأولى، لا لأنها أحسن من الثانية، ولكن اللجنة قرأت قصة (الأعمى) فألفتها قصة جيدة من حيث القيمة الفنية، بل إنها دهشت لبراعة كاتبها في التحليل وتبين الدوافع التي حملت بطل القصة على ارتكاب أمر محرم يعافه الطبع المستقيم، ولهذا صرفت النظر عن القيمة الفنية وأسقطت القصة من الحساب، واكتفت بقصة (الغربال).

وقد استرعى أمر هذا الشاب التفات لجنة القصص، من حيث نبوغه في فن القصة مع صغر سنه التي لا تتجاوز الثانية والعشرين، فكان موقفها منه كموقف لجنة الشعر من الشاعر الترزي. . . أثار إلى جانب دهشتها شيئاً من الشك. . . وقصد إلى منزله بحلمية الزيتون الأستاذ عبد الله حبيب عضو لجنة التحكيم في القصة، وجلس معه في غرفة الاستقبال، وعلم الشاب أنه فاز في المباراة، وأنه سيمنح ميدالية ذهبية، فقال:

- كم تساوي هذه الميدالية إذا بعتها؟

- إنها يا بني تتكلف نحو ثلاثة جنيهات لدقة صنعها، ولكنك إذا بعتها فلن يزيد ثمنها على خمسين قرشاً.

- إنني جائع إلى القراءة. . . أمر بالمكتبات فأرى في واجهاتها (شهي) المؤلفات في الآداب والفنون، فأحس بالشوق إلى التهامها، ولكني أنصرف عنها آسفاً كأسف البال، لأني لا أقدر على ثمنها، وكم أفضل جائزة مالية على هذه الميدالية، لكي أشبع من قراءة هذه الكتب. . .

وكان المقرر أن تقصر الجوائز المالية على الفائزين من غير الطلبة، أما هؤلاء فيمنحون ميداليات، خشية أن تصرفهم النقود عن الجد، فينفقونها على شئ من اللهو. . . ولكن الرغبة التي أبداها محمد يسري كانت من أسباب الرجوع عن هذا القرار فمنح جائزة مالية كما منح غيره من الطلبة الفائزين.

بقية الفائزين:

فاز في الشعر عدا الفائز الأول والشاعر السوداني - كمال النجمي وعبد المنعم حسن قنديل ومحمد الحناوي وسعد دعبس ويوسف زاهر، وفاز في الخطابة - عدا الأول - حسين دياب وطه محمود عثمان ومحي الدين الحلواني، وفاز في القصة محمد أمين حسنونة (الأول) ومحمد يسري أحمد الذي تقدم ذكره ومحمد رشاد حجازي وعبد الفتاح مجدي ونعيمة وصفي وإنعام إبراهيم النجار ومحمد شريف وفاز في المسرحيات أحمد جاب الله شلبي، وفاز في التمثيليات الإذاعية عز الدين فراج، وفاز محمد محمود زيتون في الخطابة والشعر والتمثيليات الإذاعية، وفاز محمد علي ناصف في القصة وفي المسرحيات (الأول) وفي التمثيليات الإذاعية؛ وفاز محمد عبد الرزاق مرزوق في القصة وفي المسرحيات. وبلغ مجموع الفائزين في فنون الأدب وباقي الفنون 120، وكانت الجوائز بعضها أدبي وبعضها مالي، وبلغ مجموع الجوائز المالية 500 جنيه.

ويلاحظ أنه لم يفز من الفتيات في الأدب غير اثنتين فازتا في القصة، وقد كانت نسبتهن في الموسيقى كبيرة وقد برعن في العزف وخاصة على البيان رفيق الأنامل الناعمة.

الموسيقى والتمثيل:

كانت الأناشيد والموسيقى أضعف برنامج المهرجان، وكان أغلب العزف بأنواعه ضربات على الآلات لا فن ولا طرب فيها، وقد شغل مع هذا أكثر وقت المهرجان، حتى مله الحاضرون. وإن لم يخل من ومضات، كعزف ذلك الصغير على الكمان، وضرب هذه الصغيرة على البيان، وهما صغيران قدمهما نبوغها المبكر إلى صفوف الشباب. .

وقد مثل فريق مدرسة الخديوي إسماعيل الثانوية مسرحية إسماعيل الفاتح، ومثل فريق هواة الأسرة الأباظية الفصل الثاني من مسرحية قيس ولبنى، فأزال الفريقان ما وان على النفوس من ملل الموسيقى، ودلا على كفاية الفرق المدرسية والهواة في فن التمثيل المسرحي.

معرض الكتب والفنون:

وفي اليوم التالي لمهرجان الأوبرا، وهو يوم السبت، ناب عن معالي وزير المعارف الأستاذ إسماعيل القباني المستشار الفني لوزارة المعارف - في افتتاح معرض الكتب ومعرض الفنون بدار خدمة الشباب (7 شارع سليمان باشا).

ويشتمل المعرض الأول على الكتب الصادرة في سنة 1947 التي بعث بها المؤلفون ودور النشر إلى المعرض بناء على طلب الإدارة. ويحوي معرض الفنون لوحات في الرسم والتصوير بأنواعه، وتماثيل وأشغالاً يدوية وصناعات زخرفية، قدمتها هيئات وأفراد وفرق وهواة ومحترفين.

ويظل المعرضان مفتوحين للجمهور أسبوعاً من يوم الافتتاح.

العباس