مجلة الرسالة/العدد 770/التلمود واليهود

مجلة الرسالة/العدد 770/التلمود واليهود

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 04 - 1948



للأستاذ نقولا الحداد

تلقيت من مجلة (الرسالة) مقالتين ضافيتين رداً على مقالي: (التلمود خدع اليهود) الذي نشر في (الرسالة) في 23 ديسمبر سنة 1947؛ إحداهما بلا تاريخ ولا ذكر لمكان صدورها ولا إمضاء سوى كلمة (عاصف). وما هي إلا عاصفة هراء وسباب وبذاء. فهذه لا تستحق إلا أن ترمى في أقصى مكان من الدار، أو أن تلقى في النار لكي يطهر جوها من عفونة الأقذار.

وأما الأخرى فعلى النقيض: هي نقد كالربت الخفيف على الكتف، من أديب أريب بتوقيع (لطيف مختار) من بغداد يدافع فيها عن التلمود واليهود، ويرد على كل فقرة في مقالي. فلو نشرت في (الرسالة) لشغلت نحو 6 صفحات على الأقل؛ ولو رددت على كل نقطة فيها لشغلت (الرسالة) كلها.

و (الرسالة) وقف على قراء ينشدون العلم والأدب الصافيين. لذلك اجتزئ عن البحث الطويل بالكلام في أمرين: التلمود ونيات اليهود.

أولاً: لم يكن التلمود مقصوراً في مقالي؛ وإنما كان المقصود موسى عليه السلام؛ لأنه هو الذي ساق بني إسرائيل من أرض مصر إلى أرض كنعان بعد أن أوصى الإسرائيليات أن يستعرن من المصريات حليهن، بحجة أن عندهن احتفالا عظيماً. فرحلن في اليوم التالي والحلي معهن. ولما بلغ موسى بهم أرض كنعان قال: إن الله يرسل أمامهم ملاكاً ويطرد من أمامهم الكنعانيين والأثوريين والحثيين والغرزيين والحويين والبيوسيين (انظر الإصحاح 33 العدد 2، والإصحاح 23، والعدد 23 من سفر الخروج. وكان كلما تذمروا من بطئهم في برية سينا مناهم بأنهم سيمتلكون منازل الكنعانيين وأثاثهم وفرشهم ولحفهم وطناجرهم ومواشيهم وكرومهم الخ.

لماذا طرد الله أولئك من أمامهم، أليسوا خليقته؟ أما كان ممكناً أن يحولهم إلى عباده؟ هذه مسألة لا هوتية لا نبحث فيها، وإنما اقتضتها سياسة موسى في قيادة بني إسرائيل.

وإذا كانوا في ذلك الزمن شعب الله المختار؛ فقد صار ملايين من البشر من عباده، أفلا يزال شعبه المختار؟ إذا كان الله قد وعدهم أرض كنعان في ذلك الزمان، أفيبقى هذا الوع نافذاً أربعين قرناً؟ وإذا كان نافذاً إلى اليوم، فسكان فلسطين اليوم هم من سلالة إسرائيل، ولما ظهر الإسلام أسلموا. فهم الآن في وطنهم والقادمون من وراء البحار دخلاء.

وإنما جنبت موسى هذه المسؤولية تورعاً وألقيتها على التلمود لأن التلمود هو شريعة اليهود الأولى والصحيحة، وشريعة موسى جاءت ثانوية. وإن كان التلمود قد جمع من شرائع مختلفة منذ قرنين بعد المسيح، وفيه ما ليس في التوراة من عجائب الفروض والسنن وغرائب المقدسات والمحرمات الخ كما سترى. فلا بدع أن نستند إليه في مقال أو كتاب.

يقول الأستاذ لطيف وهو يدافع عن التلمود: إنه قرأ التلمود بنفسه فلم يجد فيه إلا تعاليم إنسانية ومدنية، مما يوصي بمراعاة القريب (ومن هو القريب) وإيوائه كفرد من الأسرة إلى غير هذا من الفضائل. حسن! ولكن هل مر في أثناء مطالعته للتلمود على هذه الآيات البينات التالية:

(إن التلمود وجد قبل الخليقة. ولولا التلمود لزال الكون) (انظر سفر بشليم 54، 58 من التلمود الأصيل).

(أحذر يا بني - يقول الحاخام رابا - واتبع التلمود لا التوراة؛ فالتوراة تتضمن أحكاماً لا تستوجب مخالفتها عقاب الموت. وإما من يخالف حرفاً جاء في التلمود فالقتل عقابه. ومن يهزأ بكلمة من كلمات التلمود يغمس في الغائط ويساق فيه حياً إلى أن يموت)، (سفر رُوبين 21 حرف ب من التلمود) - ويحكم يا هؤلاء! ما فطن مأمور هتلر إلى تعذيب فظيع كهذا.

(إن الله يدرس التلمود منتصباً على قدميه)، (سفر مجيلا 21).

(من يعارض حاخاماً أو يناقشه أو يتململ منه يعارض العزة الإلهية نفسها). (كلام الحاخام إن ناقض كلام حاخام آخر هو من وحي الله أيضاً؛ فلليهودي أن يختار من الكلامين المتناقضين ما يوافقه)، (سفر شولبين وسفر جيباموت).

(إن الحاخامين ملوك، ويجب إكرامهم كملوك)، (سفر جينين 62).

(دخلت يوماً قدس الأقداس فرأيت الله جالساً على كرسي مرتفع، فقال لي: باركني يا بني. إذ باركته شكرني وسلم وانصرف) (سفر بيراشون 7 حرف أ).

(ما يقرره الحاخامون على الأرض هو شريعة الله)، (سفر روش هشاشا 8 حرف ب).

(الحاخامون يصبحون جميعاً آلهة ويُدعون بَهوَه أي: (الله). (سفر بابا تبرا 75 حرف أ).

(للحاخامين السيادة على الله، وعليه إجراء ما يرغبون فيه) (سفر مويدقنان 1 حرف أ).

(إذا احتدم الخلاف بين الحاخامين والله فالحق مع الحاخامين) (سفر بابا مزيا 86 حرف أ). وهناك كثير من هذه الطرائف.

إذا كان الأستاذ لطيف المختار لم يجد هذه الآيات في التلمود الذي طالعه فأسأله: أي تلمود قرأ؟ طبعاً لم يقرأ التلمود الأصيل بل قرأ التلمود المنقح.

التلمود الأصيل ذو 14 جزءاً جمعت محتوياته في القرن الثاني للميلاد. وقد قرَّظه الكاتبان اليهوديان: جيروم ونارو فقالا فيه: إنه مجموعة شاذة لمعتقدات وعواطف وأمال وخرافات وقصص وتقاليد وقواعد تشريعية وأدبية.

وقد ظهر من هذه المجموعة طبعات مختلفة أقدمها عهداً ظهرت في مدينة البندقية سنة 1520 ثم طبعت بعد ذلك مراراً. فما لبثت أن جاءت حجة ضد اليهود؛ فنقحها مجمع منهم واستعبد منها كل ما هو شاذ وناب وأصدر أمراً بأن لا يطبع إلا النسخة المنقحة. ولكن الناشرين ضربوا بهذا الأمر عرض الحائط. وأما النابيات فحفظت على حدة يلقنها الحاخامون لبني جلدتهم شفوياً.

والظاهر أن الأستاذ لطيف لم يطلع إلا على التلمود المنقح الذي قدمه إليه أحد اليهود الذي يخجل من إظهار التلمود الأصيل.

وإذا شاء حضرة الأستاذ أن يعرف أشياء أخرى عن التلمود الأصيل وعن أخلاق اليهود ومبادئهم ودسائسهم الخ فأنصح له أن يطلع على كتاب الصهيونية ونشأتها وأثرها الاجتماعي (الذي أخذت عنه معلومات عن التلمود في هذا المقال) بقلم م كفوري وقد طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاءه. فإذا لم يجده في بغداد فلعل الأستاذ محمود حامي صاحب المكتبة العصرية يستطيع أن يجلبه له.

وإذا شاء الأستاذ لطيف المختار أن يعرف أسرار سلوك اليهود الخاص في جميع الأمم وكنه رغبتهم في إنشاء دولة يهودية في فلسطين يتوسلون بها إلى السيطرة على كل العالم واستعباد جميع الأمم؛ فنرشده إلى مجموعة (البروتوكولات) الأربعة والعشرين السرية التي طبعتها

40

وثمنه شلن ونصف ما عدا البريد.

وهي خلاصة مباحثات مؤتمر مؤلف من 300 من حكماء اليهود، وهذه المجموعة تسمى قوانين شيوخ صهيون العلماء.

وهي تعتبر التلمود الجديد الذي يطبقون عليه حياتهم في هذا العصر. ففي هذه الوثائق السرية يرى حضرة الأستاذ فلسفة إبليس الرجيم. ويرى الأساليب الشيطانية لاستخدام الحرية للاستعباد، والديموقراطية للفوضى، وسلطان الذهب لدك الشعوب. وهناك يرى كيف أن الدعارة أقرب الوسائل لاستيلاء الضعفاء على الأقوياء، والخبثاء على الحكام، والمال لزلزلة كل نظام_كل ذلك توطئة لسيادة صهيون على العالم.

لست أنا مفتئتاً على اليهود وإنما أنا مستمد أخلاقهم وسلوكهم من تلمودهم ومن بروتوكولاتهم. وفي التاريخ منذ عهد إبراهيم إلى اليوم ترى في أعمالهم أدلة ناصعة على سلوكهم وتصرفاتهم. ترى سياستهم الجهنمية ظاهرة في جميع الانقلابات الدولية التي حدثت. وكان آخرها الانقلاب العثماني الذي بيت له يهود سلانيك منذ نصف قرن حتى تم على أيدي مسلمين كانوا يهوداً في الأصل فأسلموا لأجل هذه الغاية. ثم تلاه الانقلاب الروسي الهائل وكان أنصار لينين فيه كلهم يهوداً. ثم انمحقوا، وآخر من امحق منهم تروتسكي. ثم الحرب الأخيرة الآتي كان اليهود من عواملها السرية في أوروبا وأمريكا. وكان كل انقلاب ينتهي بافرنقاع اليهود من حوله. فلا يهمهم هذا الافرنقاع مادام الغرض الهدم وقد حصل.

لو يتسع المجال لاقتبسنا كثيراً من فضائح هذه البروتوكولات وفظائعها فنكتفي الآن بنزر يسير منها للدلالة على نمطها.

فبينما البند السابع من البروتوكول الأول يتكلم عن الحرية يقول (يكفي أن تدفع شعباً إلى الحكم الذاتي برهة من الزمن إلى أن يتحول إلى غوغاء بلا نظام، فلا يلبث أن نحوله نحن إلى جهاد قتَّال ثم إلى معارك بين الطبقات. وفي وسط هذه المعارك تحترق الحكومات وتهبط أهميتها إلى رماد).

ثم يقول البند الثامن: (سواء كانت الحكومة قد انتهكت قواها في أثناء تشنجها، أو أن الشقاق في داخلها تحت أقدام عدوها_في كلتا الحالتين تعتبر ساقطة خاسرة_تصبح في قبضة يدنا. إن رأس المال الذي هو برمته في يدنا يصل منه غصن إلى الدولة وهي في إبان تخبطها، فلا بد أن نتشبث به لخلاصها من ورطتها وإلا فتهبط إلى القمر).

البند 22 يصف إحدى الوسائل للتوصل إلى القوة والسلطة (إن الجوبيم (والجوبيم هم الشعوب غير اليهودية بحسب اصطلاحهم) يتلهون بالخمرة فينشأ فتيانهم بلهاً ضعاف الأدبيات يسهل قيادهم؛ فيقودهم رسلنا الاختصاصيين من معلمين وخدم ومربيات أطفال في منازل الأثرياء، وكتبة في مكاتب الأشغال وأمثالهم، وعلى الأخص نساؤنا اللواتي في مواخير الدعارة المختلفة الدرجات التي يختلف إليها الجوبيم. وأحسب بين هؤلاء سيدات المجتمع (سيدات الصالونات) اللواتي يسعين طواعية مع أولئك في الإفساد والبذخ والترف).

البند 24 من البروتوكول الأول يقول: (إن حكومتنا وهي ماضية في سبيل النصر يمكنها أن تبدل إرهاب الحرب بأحكام الإعدام الأقل إرهاباً والأكثر تأثيراً لكي تقيم الرعب الذي يؤدي إلى الطاعة العمياء. على أن القساوة التي بلا رحمة هي العامل الأقوى في الحكومة. ليس لأجل الحصول على الفوز فقط، بل باسم الواجب، ولأجل النصر يجب أن نواظب على الشدة وعلى جعل الناس يعتقدون بصواب ما نفعله. . . لذلك ليس بالوسائل المشروعة بل بعقيدة القساوة ننتصر ونخضع جميع الحكومات إلى حكومتنا العليا. حسبهم أن يعلموا أننا بلا رحمة لكيلا يجرءوا على العصيان).

وعلى هذا الطراز تتمشى البروتوكولات الـ 24 في 60 صفحة من القطع الوسط بحرف الجرائد. وإذا سنحت الفرص نقتطف منها أيضاً وأيضاً.

وإذا ظفر الأستاذ لطيف بهذا الدستور الجديد أو التلمود الثاني، رأى ليهود العصر الأخير نيات فاضحة في هدم الفضائل المسيحية والإسلامية وغيرها، وتقويض أركان الأنظمة الاجتماعية، ونسف كل نوع من الحكم طالحاً كان أو صالحاً؛ لكى يرقوا على أنقاض خراب العالم إلى منصة السلطة. ومن هناك يملون على الأمم أنظمتهم التي تضمن لهم السؤدد والاستبداد والاستعباد.

لا ريب أن هذه السياسة الخرقاء التي يتعلمونها سخيفة فلا يمكن أن يعوموا بها على سطح هذا الخضم الإنساني وهم مثقلون بهذه الأضاليل؛ فهم فاشلون على كل حال في فلسطين وفى أوروبا وفى أمريكا. فليجربوا حظهم في أمم الشرق الأقصى فلعلهم يفرقون هناك إلى قصر الأوقيانوس الاجتماعي، إذا لم يتوبوا من غيهم ويعودوا إلى وجدانهم السليم ويندمجوا بسائر الأمم طارحين عن عواتقهم تلمودهم. وإن أصروا على عزلتهم تكرر فيهم ما كان حظهم في ألمانيا.

فإذا لم تكن أيها الأستاذ لطيف يهودياً وإنما تتبرع للدفاع عن اليهود من قبيل العطف فشكراً لك، ولكنى لا أرى أن اليهود يستحقون العطف ما داموا يبيتون لجميع الأمم غدراً وأذى. فأرجو أن تطلع على التلمود الأصيل لا المنقح، ثم على التلمود الجديد أي مجموعة البروتوكولات، ثم قل لي ألا ترى أن التلمود خدع اليهود بإبهامهم أنهم شعب الله المختار، وانهم يمتازون على جميع الشعوب؛ فصمموا على أن ينشئوا دولة لأنفسهم على الرغم من تشتتهم ثم يغزوا سائر حكومات العالم ويخضعوها لسلطان حكومتهم العليا.

أرى أيها الأستاذ أنك رددت على مقالي بعد مرور ثلاثة أشهر على نشره في (الرسالة). فهل كان ردك هذا نتيجة مؤامرة فجاء بروتوكولا خامساً وعشرين؟ فعسى أن تكون قد نجحت فيما فعلت، ونلت ما انطوت عليه رغبتك وسلام عليك ولك.

بقيت لي كلمة أوجهها إلى اليهود أنفسهم. ألا يرى يهود العالم أنهم حيثما كانوا مصدر خوف وأذى أفلا يتساءلون فيما بينهم: لماذا كان يكرههم الشعب الألماني ثم جميع شعوب أوربا، ثم الشعب الإنكليزي الذي كان أعطف الشعوب عليهم، وقد منحهم وعد بلفور، ثم الشعب الأمريكاني وقد قسم لهم قطعة من فلسطين ثم ردها لأهلها لأسباب سياسية.

لماذا لا يعقدون مؤتمراً ويبحثون في أسباب جفاء العالم لهم، ويبحثون عن وسائل لإزالة هذه الأسباب لكي يعيشوا مع العالم بسلام؟.

وأما قولهم إن العالم يحسدهم لأنهم أذكياء؛ فهذا سبب سخيف لا يقيم وزناً.

لا نريد لهم الشر؛ فليريدوا الخير لأنفسهم والسلام.

نقولا الحداد