مجلة الرسالة/العدد 774/عبد القادر الحسيني!
مجلة الرسالة/العدد 774/عبد القادر الحسيني!
للأستاذ أحمد مخيمر
(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. .)
نلت الشهادة فاهنأ أيها البطل ... بمثل عزمك تبنى مجدها الدول
أمامك الجنة الخضراء تفتحها ... لك الدماء التي أهرقت والأسل
السابقون من الأبطال قد دخلوا ... والصاعدون من الأحرار قد وصلوا
ودوا لحب الوغى لو أنهم رجعوا ... ليقتلوا مرة أخرى، كما قتلوا
يعانقون ظباها، وهي هاوية ... كأنما الطعن في لبَّانهم قُبل
ستلتقون على أنهارها زمراً، ... وفوق أرواحكم من خلدها ظلل
والدوح يرقص والأنوار هامسة ... والطير تدنو، وتستعلي، وترتحل
يا ابن الحسين! دموع الحزن جارية ... وناره في طوايا القلب تشتعل
على شبابك نبكي لوعة وأسَى ... وإن يكن لحياة الخلد ينتقل
شمس طوتها المنايا وهي مشرقة ... صبحاً ولم يدن من آفاقها الطفل
وزهرة من نضير الزهر ذات ندى ... لم يشبع الغلَّ منه غصتها الخضل
على ابتسامك، والهيجاء عابسة ... والنار تصرخ، والأسياف تقتتل
على اقتحامك، والأبطال شاكية ... والدماء على أبدانها سيل
على إرادة مرهوب العزيمة، لا ... ريث إذا طعمت البلوى، ولا عجل
كأنها هَبَّةُ الإعصار جارفة، ... ودفعة السيل، والعسَّالة الذُّبل
إن يقتلوك فبالذل الذي شربوا ... من راحتيك، وبالضيم الذي نهلوا
ملأتهم بظلام الخوف؛ فانطلقوا ... وفوق أعينهم من ليله سدُل
من لا تبادره بالسيف بادره ... من نفسه القاتلان الجبن والوجل
لو لمُ يعنهم بغو التاميز ما حملوا ... رمحاً، ولا قاتلوا لو أنهم حملوا
أخس ما شهدته الأرض من أمم ... كأنهم من قرار الذل قد جلبوا
للموت ما ولدوا، للقبر ما حشدوا، ... للخسر ما بذلوا، للضيم ما نسلوا
الذائقون على كفّيك مصرعهم ... والتائهون، فلا سهل ولا ج والكاذبون إذا أبطالكم صدقوا ... والقائلون إذا شجعانكم عملوا
والحاشدون ألوفا لا غناء بها ... يوم الصدام، وخير منهم رجل
لهم من الحرب أغلال، ومسكنة، ... وذلة، ولك الأسلاب والنقل. .
يا حامي القدس من كيدُ يرادُ به ... خلا العرين، ومات الضيغم البطل
أغناك عزمك عن نظم، وعن خطب ... فلم تزل بلسان السيف ترتجل
أرسلتها كلمات منه دامية ... حمرا آذانها الأخلاد والقلل
بريقها وهي تهوى في مقاتلهم ... بلاغة خشيت لألاءها المقل
لو لم تكن بك قد هامت مضاربه ... لما غدا وله من حزنه أًلل
بكى فأبكى، ولم تبرح مدامعه ... لما قضيت مع الباكين تنهمل
يرنو لشبليك محزوناً، ونائحة ... وراء نعشك ثكلى شفها الخبل
قد أذهلتها المنايا، فهي حاسرة ... بين الحشود، فلا خدر ولا كلل
لم يبُق في قلبها التوديع من جلد ... إن الفراق بغيض ليس يحتمل!
يا حامي القدس، دعهم يشمتون فما ... يستأخر العمر يوماً إن دنا الأجل
في حومة المجد والأرماح مشرعة ... لقيت حتفك، والأبطال تنتضل
فما جبنت على يأس، كما جبنوا ... ولا خذلت على روع كما خذلوا
ولا أدرت وجوه الخيل مدبرة ... في الموقف الضنك من خوف وفد فعلوا
وليس أشرف من موت حظيت به ... والنصر دانٍ إلى عينيك مقتبل
والنقع فوق رءوس القوم بثقله ... من الدماء التي أهرقتها بلل
وللكماة على أسلابهم فرح، ... وللسيوف على أشلائهم زجل
وراية العرْب تستعلي، ورايتهم ... ممزق جانبيها العار والخجل. .
يا ابن الحسين تحيات نرددها ... ما أشرق السبح، أو ما ابيضت الأصل
غامرت في الشرف الأعلى ففزت به ... وجاذباك إليه الحب والأمل
ونلت في حومة الهيجاء ما طمحت ... يوماً إلى مثله آباؤك الأول
جنات عدن إلى لقياك ظامئة ... والسابقون لدار الخلد، والرسل
من لؤلؤ قصرك الثاوي على شرف ... يرف في ساحته البشر، والجدل والماء من ربوات الخلد يدفعه ... لظله الأبد المذخور والأزل
والظل بالماء في الشطآن مقترن ... والماء بالقصر دون الظل متصل
وللملائك تسبيح وهيمنة ... كما ترنم شاد بالهوى زجل
فانعم بخلدك في أبهائه فرحاً ... إن الخلود جزاء أيها البطل. . .
(الزقازيق)
أحمد مخيمر