مجلة الرسالة/العدد 774/عبد الله بن سبأ
مجلة الرسالة/العدد 774/عبد الله بن سبأ
للدكتور جواد علي
هذا رجل تقرأ خبره في كل كتاب منكتب (العقائد والفرق)، وفي أكثر كتب التاريخ التي تعرضت لموضوعات (الفتنة) التي حدثت في أيام الخليفة (عثمان بن عفان)، وفي حادث مقتل الخليفة (علي بن أبي طالب) في الكوفة بعد تلك المؤامرة السياسية التي دبرها نفر من المعارضين لسياسة الخليفة وسياسة (معاوية بن أبي سفيان) و (عمرو بن العاص) بطل رواية التحكيم.
وقد وضع الدكتور طه حسين كتابا سماه (الفتنة الكبرى) بحث فيه عن عصر الخليفة الشهيد (عثمان بن عفان)، وعن العوامل التي أدت إلى حدوث تلك الفتنة التي فرقت شمل العرب بعد ألفة، وضعضعت صفوف المسلمين إلى اليوم.
وقد تعرض الدكتور في الفصل الثالث عشر من كتابه لعبد الله بن سبأ الذي كانت له يد طولي في هذه الفتنة على رأي جمهور المؤرخين. وقد ذهب الدكتور إلى أن الرواة المتأخرين قد أكبروا من شأن هذا الرجل وأسرفوا فيه حتى جعل كثير من الرواة القدماء والمتأخرين هذا اليهودي المسلم مصدرا لما كان من الاختلاف، إلى أن قال:
(ولست أدري أكان لابن سبأ خطر أيام عثمان أم لم يكن، ولكني أقطع بأن خطره - إن كان خطر - ليس ذا شأن، وما كان المسلمون في عصر عثمان ليبعث بعقولهم وآرائهم طارئ من أهل الكتاب أسلم أيام عثمان، ولم يكد يسلم حتى انتداب لنشر الفتنة وإذاعة الكيد في جميع الأقطار).
وقد علق على الكتاب جماعة من الكتاب منهم الأستاذ السيد محمود محمد شاكر الذي نشر بحثا قيما في مجلة (الرسالة) عن (الفتنة) وعن علاقة (عبد الله بن سبأ) بها، وقد أنكر على الدكتور رأيه في هذا اليهودي السلم، صاحب الفتنة، وصاحب تلك الآراء الفاسدة التي رددها ولقنها جماعة من السذج وهم في صدر الإسلام على ما يقوله أصاحب كتب العقائد والتاريخ. والواقع أن خبر (عبد الله بن سبأ)، وخبر الفرقة التي استجابت لدعوته، وخبر الفتنة التي أثارها في العراق وفي مصر خاصة، وخبر تلك المقالة المنسوبة إليه، في المال وفي الرجعة وفي الوصية، وفي الغلو في حب علي بن أبي طالب؛ كل هذه من المسائ التي تحتاج إلى دراسة وبحث، ورجوع إلى المصادر، ومقارنة تلك المصادر بعضها ببعض، وترتيبها ترتيبا زمنيا، ونقد رجال الرواية، وفحصها فحصا دقيقا حتى يتمكن المؤرخ من الحكم في هذه القضية حكما قطيعا، وما تقوله لم يتم حتى الآن.
وقد لقي موضوع (عبد الله بن سبأ) عناية خاصة من المستشرقين ولا سيما من يهود المستشرقين. وأعتقد أن السبب وأضح؛ فهنالك طائفة منهم كانت على علمها وتدقيقها تتعصب على الإسلام، وتتمسك حتى بالتافه من الروايات وبالأحاديث الموضوعة التي نص علماء الحديث على كذبها، وتتخذها حجة لإثبات أثر اليهودية أو النصرانية في الإسلام وفي أصول الدين.
ومن جملة أولئك المستشرقين (هربلو) و (دي ساسي) و (فايل) و (فون كريمر) و (دوزي) و (موير) و (أوكست ميلر) و (فان فلوتن) و (كريتس) المؤرخ اليهودي المعروف، و (ولهوزن) و (هر شفلد) في مادة (عبد الله بن سبأ) في (دائرة المعارف الإسلامية)، و (إسرائيل فريد لندر) وقد بحث عن عبد الله بن سبأ بحثا مفصلا، وجمع كل ما أمكنه جمعه من الروايات التي وردت في الكتب العربية عن هذا اليهودي.
ورد خبر عبد الله بن سبأ في كتب الأدب والتاريخ، ويرجع أصل هذه الروايات إلى العصر الأموي، وإلى رواة الكوفة أو البصرة، أي رواة أهل العراق، وممن ذكرهم (الجاحظ) المتوفى سنة 255 للهجرة وهو أديب كبير صاحب أحاديث لطيفة، ذكرهم في كتابه الشهير (البيان والتبيين) في (كتاب العصا) وقد أخذ روايته عن حباب بن موسى عن مجالد، عن الشعبي، عن جرير بن قيس، الذي قال: قدمت المدائن بعد ما ضرب على ابن طالب كرم الله وجهه فلقيني ابن السوداء وهو ابن حرب فقال لي ما الخبر؟ فقلت: ضرب أمير المؤمنين ضربة يموت الرجل من أيسر منها، ويعيش من أشد منها. قال: لو جئتمونا بدماغه في مائة صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يذودوكم بعصاه. وقد نقل عن الجاحظ جمهور من المصنفين نقلا يمكن معرفته عند مطابقة الروايات ومقارنة بعضها ببعض.
وورد خبر (ابن سبأ) في كتاب (المعارف) لابن قتيبة المتوفى سنة 276 للهجرة؛ وقد تعرض له في معرض (الفرق) فقال: (السبأية من الرافضة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ، وكان أول من كفر من الرافضة، وقال على رب العالمين، فأحرق على أصحابه بالنار).
وقد اعتمد أكثر المؤرخين على رواية أبي جعفر بن جرير الطبري المؤرخ والمفسر والفقيه الشهير، المتوفى سنة 310 للهجرة، وقد اعتمد عليه أكثر المستشرقين كذلك، نقلوا عنه نقلا بالحرف الواحد، ونقلوا عنه اقتباسا؛ فممن أخذ عنه ابن مسكويه صاحب كتاب (تجارب الأمم)، والمؤرخ المعروف (ابن الأثير) أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري عز الدين صاحب كتاب (الكامل) في التاريخ؛ المتوفى سنة 630 للهجرة الذي اعتمد على تاريخ الطبري وضعته كتابه بعد حذف الأسانيد.
ومن المؤرخين الذين اعتمدوا على الطبري عبد الرحمن بن خلدون المتوفى سنة 808 للهجرة (1406 للميلاد) صاحب كتاب (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)، والعالم الشهير المقريزي المتوفى سنة 845 للهجرة (1442م)، والسيوطي المتوفى سنة 911 للهجرة في كتابه (حسن المحاضرة).
أما رواية الطبري فترجع إلى السري عن شعيب عن سيف عن عطية عن يزيد الفقسي، وسنتحدث هن هذه الساسلة بعد أن تنتهي من ذكر المصادر التي تعرضت لخبر عبد الله بن سبأ.
وتجد في (العقد الفريد) لأحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي المتوفى سنة 328 للهجرة روايات عن عبد الله بن سبأ وعن أتباعه السبأية الذين قال عنهم: (السبائية أصحاب عبد الله بن سبأ عليهم لعنة الله، وفيهم يقول السيد الحميري:
قوم غلوا علىّ لا أبا لهم ... وأجشموا أنفسا في حبه تعباً
قالوا هو ابن الإله جل خالقنا ... من أن يكون له ابن أو يكون أباً
وقد أحرقهم على رضى الله عنه بالنار).
وقد ذكر ابن عبد ربه رواية أخرى نسبها إلى الشعبي في حديث له مع مالك بن معاوية جاء فيها (أحذرك الأهواء المضلة وشرها الرافضة، فإنها يهود هذه الأمة، يبغضون الإسلام كما ببغض اليهود النصرانية، ولم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة من الله، ولكن مقتا لأهل الإسلام وبغيا عليهم، وقد حرقهم علي بن أبي طالب رضى الله عنه بالنار ونفاهم إلى البلدان، منهم عبد الله بن سبأ إلى ساباط، وعبد الله بن السوداء، نفاه إلى الحازر وابن كروس. . .) وتجد في رواية ابن عبد ربه شيئا جديدا لا تجده في الروايات المتقدمة.
وقد سبق أن أوردنا رواية أخرى عن عبد الله بن سبأ نسبت إلى الشعبي كذلك، وهي رواية الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين) غير أنه لم يسمه (عبد الله بن سبأ) بل دعاه (ابن السوداء)، وتجد في رواية صاحب (العقد الفريد) أن الشعبي قد فرق بين (عبد الله بن سبأ) وبين (عبد الله بن السوداء) فجعلهما رجلين مختلفين نفي أحدهما إلى (ساياط)، ونفى الثاني إلى (الحاذر)، ونجد مثل هذا التفريق في كتب أخرى.
جواد علي