مجلة الرسالة/العدد 776/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 776/البَريدُ الأدَبي
كلمة أخيرة في تعدد الزوجات:
لا أدري فيم يخالفني صديقي الأستاذ زكي الدين بدوي، وقد وافقني
على أن لولي الأمر أن يمنع من تعدد الزوجات بمنع سماع الدعوى في
أكثر من زوجة واحدة، فليس بعد هذا إلا ما يراه من أن هذا طريق
سلبي لا تعلق له بحل ولا بحرمة، ولو صح هذا لما كان هناك معنى
لثورة كثير من العلماء كلما شرع ولي الأمر في منع سماع الدعوى في
مثل ذلك. والحقيقة أن منع سماع الدعوى في مثل ذلك يراد به منع
الناس منه، وبهذا يرى بعض العلماء أن ما أباحه الله للناس لا يصح
منعهم منه ولو بالمنع من سماع الدعوى فيه، ولا يصح لولي الأمر أن
يتبرم به أو يحاول الحجر فيه على الناس بأية وسيلة، وهذا إلى أن
القاضي كان يباح له شرعاً سماع الدعوى في مثل ذلك، بل كان يجب
عليه أن يسمعها ويحكم فيها بحكم الله تعالى، لأن القاضي يجب عليه
شرعاً سماع الدعوى من صاحبها، ويجب عليه شرعاً أن يحكم فيها
بما أنزل الله من أمرها، فإذا منعه ولي الأمر من سماعها كان في ذلك
تحريم لما أباحه الله له، بل لما أوجبه عليه، فيثور كثير من العلماء
لذلك أيضاً، ويرون فيه خروجاً على الدين، وانتهاكا لحرمة الشرع،
فكيف بعد هذا كله يرى الأستاذ زكي الدين بدوي أن المنع من سماع
الدعوى طريق سلبي لا تعلق له بحل ولا بحرمة.
وقد وافقني الأستاذ زكي الدين بدوي أيضاً على أن هناك من يقول بحق ولي الأمر في النهي عن المباح، ولكنه ذكر أنه لم يرد عنهم أن هذا يجري فيما وردت بحله نصوص تفصيلية محكمة في الكتاب والسنة كما هو الحال في تعدد الزوجات. ولا شك أنه لا فرق بين مباح ومباح في ذلك النهي، ونحن إنما نرى النهي عن المباح عند الحاجة إليه، وعند إساءة المسلمين استعماله، وإذا كان في ذلك خلاف بين العلماء فمن الواجب على الأستاذ المتخصص في الشريعة الإسلامية والقانون من جامعات الأزهر وباريس وفؤاد أن يكون مع من يعطي ولي الأمر هذا الحق، لما فيه من المرونة في التشريع، وعدم الوقوف في المباح عند حالة واحدة، ولو تغيرت الظروف والأحوال وصارت الإباحة فيها مصدر بلوى للمسلمين، وهو بهذا أجدر من الأستاذ الذي تخرج بين جدران الأزهر فقط، ولم يشاهد جامعات باريس وفؤاد.
لقد كان الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع طلقة واحدة في عهد النبي ﷺ، وفي خلافة أبي بكر، وفي صدر خلافة عمر، ولكن الناس خالفوا ذلك فأوقعوه ثلاثاً، فأمضاه عمر عليهم عقوبة لهم، وأخذ الأئمة الأربعة بحكم عمر في ذلك، فحرموا على الناس الرجعة بعد الطلاق الثلاث بلفظ واحد، وقد كانت مباحة لهم في عهد النبي ﷺ، وفي خلافة أبي بكر وفي صدر خلافة عمر. فليدع الأستاذ زكي الدين بدوي القافلة تسير؛ لأنه لا يصح من مثله أن يضع في طريقها العقبات.
عبد المتعال الصعيدي
إلى علماء الدين وأساتذة التاريخ:
يا أصحاب الفضيلة والسادة! ما قولكم - جعلكم الله أنصاراً للحق على الدوام - فيما جاد في مقال الأستاذ حيدر الشيرازي أحد موظفي المجلس الحسبي بمصر المنشور في صحيفة منبر الشرق في عددها 479 في 22 المحرم سنة 1367 5 دسمبر سنة 1947 في الصفحة الخامسة بأن (مدينة النجف كانت جبلا وهو الذي قال فيه ابن نوح سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، فأوحى الله إليه: يا جبل، أيعتصم بك مني؟ فتقطع قطعا قطعاً وصار رملاً ثم بحراً عظيما كان يسمى (ني) ثم جف فسمى (ني جف) أي نجف؛ وإن الخليفة هارون الرشيد علم بموضع قبر الإمام علي كرم الله وجهه فأمر أن تبنى قبة فبنيت القبة ونقشت وفرشت وأضيئت؛ وإن الخمر إذا دخلت مدينة النجف انقلبت خلا؛ وإن الكلب لا يدخلها، وإن نادر شاه حاول إدخال كلب معه فقاوم الكلب حتى قتله نادرشاه، وحاول إدخال النبيذ فانقلب خلا) هذا ما يقوله الأستاذ الفاضل الشيرازي فما هي كلمة العلم الصحيح والتاريخ الأمين يا علماء المسلمين والعرب؟
(الرياض)
ابن سلوم
حرمة القرآن:
قرأت في عدد من الرسالة قصيدة لشاعر معروف في ذكرى الزعيم مصطفى كامل جاء فيها هذا البيت:
لك سيرة يتلو الشباب فصولها ... كالآي من ياسين والأحقاف
فحز في نفسي هذا التشبيه، وكنت أود لهذا الشاعر أن يتجنب مثل هذه التشبيهات التي لا تليق بجلال كتابنا الكريم. ولست أدري لم يلقي الشعراء بأنفسهم إلى هذا المأزق الضيق؟ ويتقحمون في هذا المسلك الوعر؟ إن كان هو قصد الإطراف والإجادة، فليعلموا أن مثل هذه التشبيهات مما يسخف بها الشعر ويسمح، فإن من سمات الشعر الجيد ألا يمس الشعور العام في أية ناحية من نواحيه، ولاشك أن المتدينين يجدون شيئاً كثيراً من الإمتعاص والإسمئزار حين يقرأون أمثال هذه التشبيهات التي تسلك بعض كلام البشر مع القرآن الكريم في قَرَن.
وأنا أعرف أن الذي ساق بعض شباب الجيل إلى مثل هذه التعبيرات السمجة هو ما قاله شوقي في رثاء إسماعيل صبري:
لو كان للقرآن بعدُ بقية ... لم تأت بعد رثيت في الأعراف
ولكن من قال أن كل شيء جاء من شاعر كبير كشوقي أو كالمعري يكون أصلا يحتذيه الناشئون، على أن الذي دعاني إلى أن أكتب هذه الكلمة هو أن هذا الشاعر نفسه ذكر هذا المعنى في رثاء شوقي، فهو يقول عن شعره:
رب تلميذه أكب عليه ... مثل أكبابه على قرآنه
فإذا تجاوزنا هذا الشاعر إلى غيره من ناشئة الجيل وجدناهم منساقين في هذا التيار، لا يشعرون بما في مثل هذه من حمق وسخافة. سمعت مرة شاعراً يمدح عظيما فيقول: (تخذوك بعد إلههم معبوداً).
وقرأت لآخر في هذه الأيام يمدح شيخاً جليلا فيقول:
شمس تضيء المشرقين كأنها ... شمس الرسول سماؤها أم القرى
هو نفحة الرحمن أرسله هدى ... للعالمين ورحمة وتبصرا
إلى ترهات كثيرة، وأباطيل مستقبحة من أمثال هذه التشبيهات الجريئة، وإني أحب أن أعلم من لم يكن يعلم أن مقام القرآن ومقام الرسول أحق بالصيانة، وأجدى ألا يوضع واحد منهما في هذه الموازين.
علي العماري
مبعوث الأزهر إلى المعهد العلمي بأم درمان
من وصايا أبي تمام:
من أعجب ما قرأت وصية أبي تمام - شاعر المعاني - للوليد بن عبيد البحتري - تلميذه - قال (تخير الأوقات وأنت قليل الهموم، صفر من الغموم، وأحسن الأوقات لتأليف شيء أو حفظه وقت (السحر). .). قلت: وفي جمل أبي تمام الثلاث - رحم الله أبا تمام - أخطاء ثلاثة:
1 - جعل للشعر (أو النظم) أوقاتاً ومواعيد!
2 - وأقاد أن النظم يحسن ويلطف على قلة هم وغم!
3 - ثم ثلث أثافيه بأن (السحر) أحسن أوقات النظم والتأليف!
والمشاهد أن وصية (مولد المعاني) إن هي إلا وصية صانع لصبي يعلمه الصنعة فيقول - بعد الذي سبق من القول (وكن كأنك خباط يقطع الثوب على مقادير الأجسام) ولا يقول كما قال بشر بن المعتمر: (وعاوده عند نشاطك) فإنك لا تعدم الإجابة والمواناة إن كانت هنالك طبيعة أو جريت في الصناعة على عرق. .).
وبعد: فقد أذكرني هذا القول أو هذه الوصية (التمامية) ما نراه في هذه الأيام من شعر الصنعة أو شعر (المناسبات) الذي يقال في كل آت من الحادثات أيا كانت الحادثات. فلينق الله الشعراء والشاعرات!
(الزيتون)
عدنان
العزة بالاسم:
وقعت في مقالي (بين الشيوخ والشباب) بالعدد الماضي من الرسالة - هنات مطبعية يدركها القارئ بفطنته، ولكن الفقرة التالية جاءت هكذا: (تناقش يا سيدي وجهاً لوجه وتدفع الحجة بالحجة، أو تسكت إن أخذتك العزة بالإثم) وكانت هذه العبارة موجهة للأستاذ توفيق الحكيم، لتجنبه مواجهة من ينقده. وواضح أنه لا يأتي بذلك إثماً حتى يعتز به، وإنما أصل التعبير (إن أخذتك العزة بالاسم) وهذا هو المقصود بطبيعة السياق.
عباس خضر