مجلة الرسالة/العدد 776/القول للسيف

مجلة الرسالة/العدد 776/القول للسيف

ملاحظات: بتاريخ: 17 - 05 - 1948



للأستاذ حسني كنعان

يتساءل عشاق الأدب من قراء (الرسالة) المجاهدة في وسط هذه الغمرة العاتية التي تغمر سماء فلسطين الدامية أين هو الأستاذ الطنطاوي وأين قلمه العذب ومقالاته النارية وقوله الفصل؟ لماذا توارى عن المسرح ولم نعد نرى له أثراً في أزالة الغمة وتفريج الكرب بما كان يكتبه عن البلاد العربية كلما حزب الأمر وبلغ السيل الزبى والحزام الطبيين، فكأن السائلين حفظهم الله وأنساً في آجالهم يظنون أن القضية قضية أشعار تقرض ومقالات تنشر وأقوال تقال وقرارات تقرر واجتماعات تعقد ورجالات من الساسة اليعربيين تطير متنقلة بين العواصم العربية للمشاورة والداولة، وقد غرب عن بال السائلين أن العالم العربي يأسره جماعاته وأفراده قد سئم هذا النوع من الجهاد وبات يرقب الأعمال الحاسمة، أجل لقد برم الناس من سياسة الأقوال وباتوا يرقبون الأعمال الجدية فالقضية اليوم قضية دولارات تنثر، وطائرات ترجم، وزحافات تقذف وقنابل تفتك ومتفجرات تبيد وتهدم، لقد ظن العرب وإن بعض الظن اثم، أن هؤلاء الواغلين في أقدس بقعة من بقاع الأرض العربية، هم من أنسال أولئك اليهود الذين عهدناهم يجوبون الحارات والأحياء ويذرعون الشوارع سحابة يومهم لا ينى الواحد منهم عن الصياح يملء فيه: (طرابيش عتق للبيع، أحذية عتق للبيع) ليتبلغوا بهذه التجارة المحطة بلغ العيش، فتحلقهم صبيه الحارات والأحياء ترجمهم بقشور البطيخ والليمون والبرتقال إستخفافاً بأمرهم واستهانة بهم. . .

كلا يا ساده! فنحن أمام عصابة من الأوروبيين المدربين على القتال والإجرام والفتك نساء ورجالا أطفالا وكهولا. قاءتهم أوروبا وبعثت بهم الدول الاستعمارية للعيث في أرضنا فساداً. قوم خلق منهم الاضطهاد الهتلري أمة ناقمة على البشرية متمردة متعطشة للدماء والفتك والدمار. لا ترعى عهدا ولا ذمة. غشيت سماء الوطن المقدس من هذه الطغمة سحابة دكناء أثاروها على العزل الآمنين الوادعين في فلسطين موجة إرهابية جنونية لا هوادة فيها ولا رحمة. بقروا بطون الحبالى وذبحوا الأطفال وقضوا على الأجنة ومثلوا بالكهول والعاجزين. ولقد ركبوا في حوادث حيفا وطبرية ويافا وغيرها من المدن والقرى التي أوغلوا فيها رؤوسهم وجن جنونهم فتفننوا في الذبح والتقتيل والتشريد والتبعيد والنهب والسلب، وحمتهم في إجرامهم وعضدتهم سيدة البحار صديقة العرب التقليدية! أجل مهدت لهم هذه الدولة الأفعوانة الرقطاء طريق الغزو ومنعت العرب من الدفاع عن أنفسهم وحالت دون الوصول إليهم. . . إن العين لتدمع والفؤاد ليبكي دماً على ما ألم بأهل فلسطين من مصائب وإحن، كوارث أحدقت بهم تتضاءل أمامها كارثة الأندلس. خرجوا من ديارهم مروعين مذعورين لا يلوون على شيء، فلا الأب يعرف أين بنوه، ولا الإبن يعرف مصير أبويه تركوا في المدن المحتاجة أموالهم وأملاكهم وخرجوا على الشاطئ ناجين بأنفسهم. ولقد نيف عدد النازحين على المئين من الآلاف. وصلت طلائعهم من الكتل البشرية إلى دمشق وهم على آخر رمق يجودون بدمائهم، تتراءى لك المسغبة والمتربة والمذلة والمهانة في تقاسيم وجوههم التي تحمل الأنوف الشماء والحمية والعزة والكرامة، قوم شردهم البغي والظلم (الانكلو صهيوني) والغدر والمؤامرات الدنيئة فحلت بهم المصيبة التي تركت الرءوس بيضاً، وبيض الوجوه سوداً، لا تنفع معها شكوى ولا يجدي أنين. كل هذا وقع على مرأى ومسمع من الدول الغربية التي يتشدق زعماؤها ورؤساؤها بالسلام والوئام. والدول العربية ما فتئ رجالاتها عاكفين على القرارات والمداولات والمشاورات ولا نقول إنهم قد أخذوا غدراً ووقع الذي وقع وهم في غفلة عنه، فلقد كان هذا الأمر متوقعاً حدوثه منذ عهد بلفور المشئوم فما أعدوا له عدة، وما أقاموا له وزناً. وها هم اليوم يتحينون فرصة زوال الدولة الطاغية عن الأرض المقدسة وزوال نفوذها وسلطانها ليقفوا في اليوم الموعود أمام شذاذ الآفاق يناقشونهم الحساب، ويثأرون لبني سحنتهم ونحلتهم منهم، وتلك الدولة تخادع وتماطل ونطاول في الجلاء وتلف وتدور، كيما يتظل مسيطرة وباسطة سلطانها لتتم الوعد الذي قطعته على نفسها لإقامة الدولة الصهيونية. أفبعد الذي حصل نطلب من الأستاذ الطنطاوي والسرطاوي أن يخوضا غمار معركة قلمية في هذا السبيل والحكم فيه للسيف كما ترى؟ فأين هي السيوف العربية؟ واين هم الضاربون بها؟ وأين القوى والعتاد؟ نسأل الله السلامة والعافية للقطر الشفيق وأزالة المحنة والغمة عنه، كما أننا نسأله ونتوسل إليه أن تنقلب أسنة هذه الأقلام المرهفة في أيدي أصحابها إلى دبابات، وطيارات ومدافع، وقنابل ومتفجرات تأتي على جذور الصهاينة من أساسها؛ عندئذ يرى أستاذنا الزيات وصديقنا الطنطاوي وطه والعقاد والمازني وأحمد أمين وغيرهم من كبار كتابنا في طليعة القادة اليعربيين الذينيرفعون رايات العروبة رفافة خفافة على المجاهدين الأعالب، ويعيدون أمجاد العرب.

(دمشق)

حسني كنعان