مجلة الرسالة/العدد 777/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 777/البَريدُ الأدَبي

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 05 - 1948



فلسطين والأدب:

قرأت ما كتبه (فتى الفيحاء) في العدد السابق من (الرسالة) فاهتز كياني وكادت تذهب نفسي حسرات لما قارنت بين موقف أدبائنا وشعرائنا من أبناء وطنهم وأشقائهم، وموقف بيرون الشاعر الانجليزي من يونان.

فبيرون لم تكن تربطه باليونان لغة أو وطن أو جنس، ومع ذلك أيت عليه نفسه أن يرى طلاب الحرية وخطاب المجد يكافحون الغاصب ويدفعون المحتل ولا يكون لهم من نصرنه نصيب، فهجر راحته ووقف نفسه على اليونان ليكون له في إعانة الضعفاء قسط وفي بناء الحرية مقام.

فصرخت من أعماق نفسي واخجلتاه! أعقمت الأمة العربية فلم تلد بيروتاً واحدا؟

ولكن سرعان ما تبدل الخوف أمنا حين رأيت (الرسالة) تفتتح معركة فلسطين الأدبية فأرسلها صاحبها مدوية مجلجلة تنعي على ساسة أوربا وقادة أمريكا لصوصيتهم الكافرة وصليبيتهم المتطرفة، وتأليبهم الجائر على العرب ابتغاء مرضى يهوذا ومصانعة لأبناء صهيون. ثم ثنى على ذلك فصور نفسية اليهودي وقد اقتربت الفريسة منه بعد أن أحكم لها الشباك، ثم بدا له فارتد عنها مذعوراً، فلم يغره في هذه المدة وهج الذهب الذي عبده منذ خلق، ولم تأسره المادة التي ما زجت نفسه وانحدرت إلى عروقه من أسلافه، لأن ذلك قد يعوق سير الصهيونية ويضر مسلحة إسرائيل. ثم ثالث فأنذر بقيام ساعة العرب قريبا وكيف لا تكون قريبة وقد استنوق الجمل واستجملت الناقة، فحمل اليهود السلاح وشهدوا الحرب وأحرزوا النصر واحتلوا المدن؟

ثم انتظرنا بعد ذلك أن يستجيب أدباؤنا الكبار لنداء العروبة والأخوة فتتوارد على (الرسالة) مقالاتهم وقصائدهم لتسجل في ديوان العرب المشترك محنة فلسطين، فتشجع الخائف وتطمئن الحائر وتضيف عزيمة إلى عزائم المجاهدين. انتظرنا أن يحرك سقوط حيفا ومذابح دير ياسين وتشريد أبناء فلسطين مواطن العطف من نفوس شعرائنا فيبرز رثاء لمن استشهد، ومواساة لمن شرّد، وناراً تلظى على نفاية البشر وشذاذ الآفاق!

ولكن انتظارنا ذهب عبثا! وبعد فأنا لنرجو من أدبائنا أن يصححوا موقفهم من فلسطين وأن ينظروا من أبراجهم العاجية بمنظار يكبر لهم الآلام الشديدة والمحن القاسية ليروها، فينصروا أهلها بألسنتهم وأقلامهم ويضموا إلى مجدهم الأدبي شرف الجهاد في سبيل حماية المسجد الأقصى وعروبة فلسطين.

(شبرا)

أحمد الجنادي

عضو البعثة السورية

حول الفن الإنساني:

قلت في العدد الماضي من الرسالة وأنا أتحدث عن الفن الإنساني، إن قصة (أدولف) للكاتب الفرنسي بنجامان كونستان تعد في رأي النقاد أكثر القصص الذاتية بقاء على الزمن، لأنها أكثرها إنسانية. . فهي أبقى من (آلام فرتر) لجوته و (رينيه) لشاتوبريان و (رفائيل) للامرتين؛ وإن الفارق بينها وبين (أدولف) هو الفارق بين الفن التصويري الذي يقف بك عند فترة من الزمن لا يتعداها، وبين الفن الإنساني الذي يتخطى حدود الزمن والمكان.

قلت هذا فعقبت الرسالة عليه بقولها: إن هذا رأي نسمعه لأول مرة، فكان على الكاتب أن يذكر النص الذي اعتمد عليه، والدليل الذي استند إليه

وردي على هذا التعقيب هو أني كتبت في مجال العرض والتحليل لا في مجال التحقيق العلمي. . وإذا كانت الرسالة تريد النص والدليل، فحسبي أن أنقل للقارئ رأيين في (أدولف) يتفقان في المعنى وما ذهبت إليه، أحدهما للكاتب الفرنسي الكبير يول بورجيه، والآخر للناقد الفرنسي فردينان برونتيير. يقول بورجيه: (إن أدولف لتعد مثلا أعلى للقصة الذاتية، ولقد بقيت من كل القصص التي ظهرت في القرن التاسع عشر أحفلها بالحياة، وأكثرها إنسانية، وأشدها أسراً للشعور، ولا توجد قصة أخرى تهزني كما هزتني هذه القصة). ويقول برونتيير: (إن أدولف قصة إنسانية لا يمكن أن ترقى إلى حقيقتها التحليلية قصة أخرى). ويلاحظ أن الرأي الأول قد شمل في مجال التفضيل قرناً كاملا هو القرن التاسع عشر، وفي هذا القرن ظهرت آلام فرتر ورينيه ورفائيل.

وإذا كانت الرسالة تريد دليلا فحسبي أن أقول إن كلا من القصص الأربع تصور حياة مؤلفها ممثلة في عواطفه الإنسانية وتجاربه النفسية. . وهنا يقف الناقد ليلمس ظاهرة فريدة تحدد القيم الذاتية للأثر الفني، هي أن (أدولف) تصور العواطف الإنسانية عند كونستان وغير كونستان، من أصحاب الشعور والوجدان. . وأن آلام قرتر ورينيه ورفائيل لا تصور هذه العواطف إلا عند جوته وشاتوبريان ولامرتين!

هذا حكم يصدره النقد إذا ما أقام الدراسة الفنية على أسس وطيدة من الفهم النفسي، ولا عجب بعد ذلك إذا ما قررت أن أن الفارق بين (أدولف) وبين القصص الثلاث هو ما ذكرت ولعلي أكون قد قدمت النص والدليل. . .

أنور المعداوي

(الرسالة): لأ، يا أستاذ أنور! إن شرط النقل الصحة، والصحة

لا تتحقق في النص إلا إذا نقل بلغته من كتاب معلوم، وصفحة

مرقمة، وطبعة معينة. أما دليلك فلا ينهض إلا إذا أثبت

بالطريق العلمي أن الإنسانية في جوته وشاتوبريان ولا مرتين

من نوع خاص فتعبيرهم عنها لا يعم، وأنها في كونستان وحده

من نوع عام فتعبيره عنها لا يخص. ويبقى أن تقنعنا إذا سلمنا

لك صحة النقل أن هذين الناقدين الفرنسيين قد حكما لأدولف

هذا الحكم بالنسبة للأدب الأوربي لا بالنسبة للأدب الفرنسي

حتى يجوز أن يدخل (فرتر) في هذا الحكم.

شرح وإيضاح: أراد الأستاذ الفاضل السيد علي زين العابدين منصور في العدد 773 من مجلة الرسالة الغراء، أن نوضح له كيف جوزنا لفظة (نداماء) الواردة في قصيدتنا (قلب شاعر) المنشورة في العدد 771 من الرسالة الغراء:

حتام أظمأ والأقداحُ دائرةٌ ... مثل الكوابك ما بين النداماء

مع أنه بحث في قاموس (الفيروزابادي) في مادة (ندم) فلم يجد لها جميعاً سوى، ندماء، وندام، وندامى. ونود أن نقول للأستاذ منصور أن مد المقصور وقصر الممدود ضرورة من الضرورات التي أجازها علماء العروض، ولما كانت لفظة - ندامى - مقصورة فيكون مدها (نداماء) وكذلك لفظة (مولاي) مقصورة، وعند مدهتا يقال (مولائي) وقد استعمل ذلك أبو نواس كثيراً في شعره، فيقال من قصيدة منشورة في ديوانه المطبوع بالمطبعة الحميدية المصرية عام 1322هـ ص - 2، 2 في باب الخمريات:

إني لأشرب من عينيه صافية ... صرفاً وأشرب أخرى مع ندامائي

وهذا البيت من قصيدة له مطلعها:

يا رب مجلس فتيان سموتٌ له ... والليلٌ محتبس في ثوب ظلماء

ولا نظن أن أبا نواس الشاعر، وهو حجة في اللغة، يورد لفظة في شعره دون أن يكون متأكداً من أن علماء اللغة أجازوها

أما قول الأستاذ منصور أن فعل (صبا) يتعدى بـ (إلى) لا بـ (اللام) في قولنا (إن لم تكن روحه تصبو لعلياء) فهذا اعتراض ضعيف لأن (اللام) تقوم مقام (إلى) في كثير من الأحايين. فنحن نقول: ذهب إليه وذهب له، كما نقول: صبوت إليه وصبوت له.

هذا ما عن لي كتابته جواباً على استفهام الناقد الفاضل، وعسى أن يتصدى عالم جليل من علماء اللغة، فيشرح لنا ذلك. وللرسالة وصاحبها الجليل، فائق تحياتنا، وشكرنا على فضله وأدبه.

بغداد

عبد القادر رشيد الناصري

رد. . . وعجب كنت نشرت في العدد (771) من الرسالة الزاهرة (قصة تضحية أم) ولشد ما تملكني العجب حين طالعت في العدد (772) الذي تأخر وصوله عشرة أيام بسبب أزمة النقل البريدي المستحكمة في هذه الأيام؛ كلمة للأستاذ الفاضل حسين مهدي الغنام تحت عنوان (حول قصة تضحية أم) نفي فيها صياغتي للقصة، ورواية الأستاذ الجليل جمال الدين الجيلاني في أصلها وأسماء شخصياتها، وادعى أنه نشرها في جريدة (الجلاء) بمدينة الإسكندرية عام 1938. وهو العام الذي كنت فيه، في الرابعة عشرة من عمري؛ وأنا لم أسمع باسم هذه الجريدة من قبل، وأظن أنها لم ترد للشام بعد؛ وأن الأستاذ الراوي كان مقرئا في بلاط حيدر آباد الهندي آنئذ؛ ثم ماذا يمنع رواية قصة أو حادثة قد قضى على حدوثها خمسمئة سنة مثلا.! وبعد فهذا عجب. ولعله يزيد عجبي لو أطلع على صورة هذه القصة التي صنعها قلم الأستاذ حسين مهدي الغنام لأعرف مقدار التحوير والتصوير واجتماع الخواطر!

عبد القادر صادق

تصويب:

قال الأستاذ العماري في العدد الأخير من الرسالة (والذي ساق بعض شباب الجيل إلى هذه التعبيرات السمجة هو ما قاله شوقي في رثاء اسماعيل صبري.

أو كان للذكر الحكيم بقية ... لم تأت بعد رثيت في الأعراف

والحقيقة أن الكاتب قد أدخل بيتين خالدين لشوقي في بيت واحد، فقد قال شوقي أولا في رثاء مصطفى كامل.

أو كان للذكر الحكيم بقية ... لم تأت بعد رثيت في القرآن

ثم قال ثانياً بعد خمسة عشر عاماً في رثاء اسماعيل صبري.

لو أن عمراناً نجارك لم تسد ... حتى يشار إليك في الأعراف

(سرس الليان)

محمد محمد القاضي