مجلة الرسالة/العدد 779/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 779/الكُتبُ

ملاحظات: بتاريخ: 07 - 06 - 1948



أثر التشيع في الأدب العربي

للأديب محمد سيد كيلاني

مؤلف كتاب (أثر التشيع في الأدب العربي) هو الأديب محمد سيد كيلاني، والمؤلف وكتابه حريان بأن نهش بهما ونبش لهما، فقد ألف الأديب كتابه على نحو مقبول (سنعرضه) وهو طالب بالسنة الأولى بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول، وأسلوبه فيه واضح سليم يدل على وضوح موضوعه في ذهنه وتمكن قلمه منه، بل إن أسلوبه فيه أسلم وأوضح من أسلوب كثير من أساتذته فيما يخرجون لنا اليوم، ونحن نقرر هذه الحقيقة آسفين، والمؤلف يتناول كثيراً من أطراف موضوعه المختلفة ويعرضها عرضاً رفيقاً واضحاً. ولذلك كله نتلقى كتاب مؤلفنا (الطالب الأديب) بالرضا والغبطة على رغم ما لنا عليه من مؤاخذات كثيرة سنذكر بعضها بعد.

الكتاب مقدمة تبين أقسام البحث، وأربعة أبواب: الباب الأول فيه فصلان: أحدهما تحدث فيه الأديب بالخلافة وتفرق الآراء فيمن تكون له بعد موت النبي وموقف الأحزاب المختلفة من ذلك وموقف كبار الصحابة ولاسيما أبو بكر وعمر، ثم خلافتهما وخلافة عثمان، وموقف الصحابة بعد قتله من علي. والفصل الثاني: حديث سطحي بفرق الشيعة ومعتقداتها. والباب الثاني يبدأ بمقدمة في مقتل الحسين وما لحق بالعلويين عامة زمن الأمويين والعباسيين، ويليها فصلان: أحدهما في النثر الشيعي، ويبدأ: بالخطابة فالرسائل فالأحاديث الموضوعة فالقصص فنحل الشيعة بعض أوليائهم وأعدائهم القول وأكثره تكرار لما في القصص. والفصل الثاني في خطباء الشيعة وفيه ترجمة لعلي ونقد ممتع واف لكتاب (نهج البلاغة) المنسوب إليه، ولا ترجمة لغير علي هنا فيما عدا إشارة خاطفة إلى أنه لم يظهر بعد علي من الخطباء غير الحسن والحسين، وأن الشيعة انصرفوا عن نشر الدعوة بالخطابة إلى نشرها سراً، وأن لفاطمة خطباً نسبت إليها ولعلي بن الحسين رسالة تعرف برسالة الحقوق. والباب الثالث في الشعر وهو فصلان: أولهما في الشعر الذي نحله الشيعة بعض أوليائهم وأعدائهم، كعلي وأبي طالب ومعاوية وعمر ويزيد بن معاوية والوليد بن يزيد؛ وثانيهما في الشعر الذي قاله شعراء الشيعة في التشيع، وأغراض هذا الشعر: كالمدح، والرثاء، والهجاء، والدفاع عن حق علي وبنيه في الخلافة، وشعر النقائض بين شعراء الشيعة وخصومهم من الشعراء. والباب الرابع في: شعراء الشيعة وفيه ترجمة لعشرة شعراءهم: الكميت، وكثير، وعبد الله بن عمر العبلي، والسيد الحميري، ودعبل، وابن الرومي والمفجع البصري، والشريف الرضي، ومهيار، وابن هانئ الأندلسي.

وقد توخى المؤلف في كتابه النهج العلمي فجنبه ذلك كثيراً من المزالق، ولكن صحة المنهج لا تغني وحدها ولابد معها من وعي ناضج يحسن استخدام المنهج، وهذا ما ليس في وسع الأديب ولذاته. والكتاب يعتمد على مراجع كلها - إلا واحداً - قديمة، ولو اعتمد على المراجع الحديثة إلى جانبها لأنارت له الطريق. وهذا هو السر في أن كثيراً من أقسام الكتاب بتراء، وفي تهجم الأديب على بعض الصحابة كعمر وتصديقه خرافة المؤامرة الثلاثية بينه وبين أبي بكر وأبي عبيده، ولم يشر الأديب إلى مصدرها. وأظن أن مخترعها الأب لامنس المستشرق. وهو قسيس اشتهر بقدحه في الإسلام ورجاله، ولو قرأ الأديب كتاب (عبقرية عمر) للأستاذ العقاد لبان له زيفها. ولقد كانت عبقريات العقاد وابن الرومي كفيلة بتجنيبه كثيراً من هذه المزالق، كما أنه غفل في بعض الفصول عن مراجعها الصحيحة كالفصل الذي كتبه في فرق الشيعة ومعتقداتهم، وكان حرياً به أن يعتمد على كتاب (فرق الشيعة) للنوبختي وهو أقدم وأوفى مرجع في موضوعه ومؤلفه أجدر المؤلفين باحترام آرائهم في هذا الموضوع، ولا يزال كثير من العلماء غير محيطين بفضل هذا الكتاب ومؤلفه، وكان عليه أيضاً أن يعتمد على كتابي فجر الإسلام وضحى الإسلام للدكتور أحمد أمين بك، ومقالات الإسلاميين والإبانة للأشعري، وإلى جانب هذا التقصير في بعض الفصول، فضول في بعضها الآخر، فهو في الباب الرابع يطيل الشواهد التي لا موضع لها، ولا يكتفي في تراجم الشعراء بما يتصل بتشيعهم بل يطيل ترجمتهم، ويكتفي في تراجم أكثرهم ببضعة سطور في تشيعهم. ومن أقسام الكتاب التي يجدر التنويه بها ما كتبه في نقد نهج البلاغة والتشكيك في صحة نسبه إلى علي وهذا الشك - وإن كان قديماً - قد أيده الأديب بحجج له قوية طريفة.

وإذا كان الأديب مسئولا عن كل ما أشرنا إليه من مآخذ كالاضطراب والتقصير في جانب والفضول في جانب، وكالأخطاء التاريخية واللغوية التي نكتفي بالإشارة إليها عن التمثيل لها - فجدير بنا إنصافاً له أن نحمل بعض هذه المسئولية على الضرورة التي تكره صاحبها على عمل قبل استكمال معداته له، وإلا ناله من وراء العصيان شر متطير، وأن نحمل بعض المسئولية على المرشدين الذين نصبوا للإرشاد إن بالحق وإن بالباطل - فإذا ما استرشدوا لا يرشدون.

محمد خليفة التونسي