مجلة الرسالة/العدد 779/في أخريات الشباب

مجلة الرسالة/العدد 779/في أخريات الشباب

ملاحظات: بتاريخ: 07 - 06 - 1948



للأستاذ حسين الظريفي

أصبحت لا غضا ولا ذاويا ... أحيي شباباً لم يعد ذاهيا

مالت إلى المغرب شمس له ... كان الضحى أمس بها ضاحيا

لقد مضى عهد الصبا وانقضى ... مقتضيا أوطاره قاضيا

إذا تذكرت احايينه ... كنت به القصة والراويا

يا حُسن أيام بصدر الصبا ... لم يبق منها الدهر لي باقيا

كانت بها لي ميعة من صبا ... أسحب من أذيالها الضافيا

تغفل عيني عين دهري إذا ... ما رحت فيها لاعباً لاهيا

لا أحسب الشمس سوى غادة ... تستأسر الحاضر والباديا

دانية منا على نأيها ... يا رُب ناء لم يكن نائيا

إذا أطلت من عل لم تدع ... شيئاً على وجه الثرى خافيا

كانت ترى مني أخا غفلة ... عما جرى أو لم يزل جاريا

طفلا ترى في جنبات الحمى ... لم يرى أهلوه له ثانيا

وطالما كانت على دجلة ... تبصر مني كاتبا ما حيا

ألبس من أنوارها حلة ... لا تعدم العاطل والحاليا

وقد أظل الصبح مستدفئاً ... من شدة البرد بها شاتيا

ولا تغيب الشمس حتى أرى ... عنها بديلا ولها قافيا

وربما مر سحاب بها ... فاتخذت منه لها واقيا

تبدو نجوم الليل من بعدها ... مبدية ما لم يكن باديا

أطمع أن تطرح في راحتي ... ولو بذلت الثمن الغاليا

وما لعينيَّ هلال بدا ... إلا وأعجبت به رائيا

أحسبه من فضة زورقا ... من الحبيبين جرى خاليا

والبدر يهدي الليل من نوره ... ما لم يعد ليلا به داجيا

لم ألفه للشمس إلا أخا ... كان وما زال له وكلما مر نسيم الصبا ... مر بجنبي رائقا صافيا

ولم يزل دهري بي ماضيا ... لا تعبا يوما ولا وانيا

حتى انجلى شرخ شبابي به ... مستهديا مهتديا هاديا

يبسط من راح الهوى راحة ... ولم يكن من راحة صاحيا

إذا دعته للعلى دعوة ... أدرك فيها المثل العاليا

شرخ شباب ما تذكرته ... إلا وقد عدت له ثانيا

يحضرني معتملا آملا ... ورائحاً في يومه غاديا

صاحبت مذ صاحبته مهجة ... تفتح الحب بها ناميا

ثم استوى فيها على سوقه ... ثم تبدى زاهراً ذاهيا

ثم انثنى يعطي الجنى عن غنى ... يشبع من كان به طاويا

غذيت آدابي بأثماره ... وما يزال الطاعم الكاسيا

سقيا لشرخ من شباب مضى ... ما كنت في يوم له ساليا

أصبح أبياتاً يغني بها ... فتطرب السامع والشاديا

حليت ديواني بها قائلا ... لولا حلاها لم يكن حاليا

لم تبقى عندي من شبابي سوى ... بقية لست لها باقيا

ولست بالجاهل ما في غد ... ولو على الناس بدا خافيا

كأنني بالشيب في لمتي ... أوقد ناراً وانتضي ماضيا

لا يترك الدهر له صاحبا ... حتى يرى شيخاً به فانيا

ذان الجديدان يجدان بي ... ولا يجددان لي باليا

فلا أطاش الله لي رمية ... كنت عليهما بها راميا

حسين الظريفي