مجلة الرسالة/العدد 785/من وحي الصوم:
مجلة الرسالة/العدد 785/من وحي الصوم:
هيام المتصوفين
للشيخ محمد رجب البيومي
(إلى أخي الأستاذ محمود فهمي البيومي، وصديقي الروحاني الأستاذ عبد اللطيف عيسى)
الحب! معنى ثائر عاصف، شعر به كل إنسان تتأجج في صدره لوعة، وتشتجر في جوانحه عاطفة، وهو على تباين أنواعه وتعدد ألوانه، مؤرق مفزع، يطوي بساط الأنس والدعة، ويغرس أشواك الضجر والتبرم. وسل الوالد أي حنين مشبوب يمزق أحشاءه حين يتشوف إلى نجله النازح راجياً آملاً. وسل الصديق أية لهفة حارة تضطرم في إحساسه حين يتطلع إلى أنباء صديقه الغائب، ويتلمس أسباب الحديث عنه في لذة وشغف. وسل الصب العاشق كم يذرف من الدموع الملتهبة إذا وقفت الحوائل في وجهه، وقامت السدود دون مبتغاه. بل وسل العارف بربه كم قاسى من المصاعب وتكبد من المشاق حتى رفرفت روحه في أجواء الملائكة، فنعمت بلذتها الكبرى، وظفرت بسعادتها الباقية؟
والحب الإلهي أسمى أنواع المحبة وأقدسها، وأن كان يكلف صاحبه من دمه وروحه ما تقشعر له الأبدان، فيقضي سحابة يومه وسواد ليله، شارد العقل، مبلبل الخاطر، يخاطبه الناس فلا يسمع، ويستعطفه ذووه فلا يجيب، فهو - في نظرهم - حاضر كغائب، وحي كميت، وما يزال يذيب نفسه ويعذب أحاسيسه حتى يصير شبحاً هائماً يرى في الوهم ولا يكاد يصدقه العيان. وهكذا الروح إذا قوى اتصالها، وشع ضياؤها، تمرست بالجسد الضيق فأنحلته وأسقمته، وهذا كله قليل غير كثير في جانب ما يبتغي العارف من لذة الوصل، ونعيم المشاهدة، ومن يطلب الحسناء لم يغله المهر. . .
وليس التصوف حدثاً طارئاً في الشريعة الإسلامية، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم من كبار المتصوفين، وكانوا من النقاء والصفاء في درجة سامية. ثم خلف من بعدهم خلف لزموا نهجهم السوي وساروا في طريقهم العلوي، وإذن فقد كان التصوف بمعناه الفطري من صفات المسلم الأول يقبل عليه في ارتياح، وينجذب إليه في حنين، حتى تبدلت الحال وأنغمس المسلمون شيئاً فشيئاً في ما جلبته الحضارة من الترف والنعيم، وهنا بدأ التصوف يظهر بصورة جديدة، فقد أغضب هذا المصير قوماً عرفوا الله حق معرفته فاعتزلوا الناس، ولاذوا بقمم الجبال ومطارح الفلوات، نائمين عما يغمر الحضريين من لذة ومتاع، وفي هذه الخلوات الهادئة هبطت عليهم أشعة السماء، فغمرت أرواحهم بالنور، ومدت اجتحتهم بالقوة، فحلقوا كالنسور في آفاق رحيبة، ورزقوا عيوناً بصيرة نافذة، وترى ما لا يراه الناظرون.
والشريعة الإسلامية لا تنكر الاتصال السماوي، بل إنها تذهب إلى تأييد بما تذكره عن كرامة الولي وحرمه العارف، وقد أسهب أئمة الإسلام في الدفاع عن المتصوفين، مستدلين بفيض زاخر من الآيات والأحاديث، وممن برزوا في هذا الميدان حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، وقد نصصت عليه بذاته لأني أرتاح كثيراً إلى منطقه الواضح، فهو لا يتمسك بالأدلة الظنية، ولا يلتفت إلى الموضوع من الأحاديث والأساطير وجاء ابن خلدون فأيد القوم تأييداً لم يبق بعده مستزاد لمستزيد، فقد سلم لهم جميع ما يدعونه من كشف واتصال، وخوارق وكرامات. وإليك ما ذكره في مقدمته، قال: (ثم إن هذه المجاهدة والخلوة والذكر يتبعها غالباً كشف حجاب الحس، والاطلاع على عوالم من أمر الله ليس لصاحب الحس إدراك شيء منها، والروح من تلك العوالم، وسبب ذلك الكشف أن الروح إذا رجع عن الحس الظاهر إلى الباطن ضعف أحوال الحس، وقويت أحوال الروح، وغلب سلطانه إلى أن يصير شهوداً بعد أن كان علماً، ويكشف حجاب الحس فيتعرض حينئذ للمواهب الربانية، والعلوم اللدنية، وتقرب ذاته من الأفق الأعلى، أفق الملائكة. وهذا الكشف كثيراً ما يعرض لأهل المجاهدة، فيدركون من حقائق الروح ما لا يدرك سواهم، ويتصرفون بهمتهم وقوى نفوسهم في الموجودات السفلية، وتصير طوع إرادتهم، والعظماء منهم لا يعتبون هذا الكشف ولا يخبرون عن حقيقة شيء لم يأمروا بالتكلم فيه).
وما دامت الروح قد اتصلت بالله هذا الاتصال، فلا عجب إذا هامت في حبه، ونسيت العالم الأرضي بما يدرج فيه من إنسان وحيوان، بل إن من القليل عليها أن تهيم هياماً متصلاً في سلوكها الروحي، فقد قطفت الثمرة الحلوة، ومنحت الوسام الرفيع.
والحب الإلهي كالحب الإنسي، منطقته القلب، ونافذته الإحساس، فإذا قويت دواعيه، واشتدت دوافعه، فإنه يسيطر على الجسم سيطرة تامة، فتتحول الأعضاء جميعها إلى ألسنة ناطقة بذكر الحبيب، فهي من شغلها الشاغل في هيام متصل وسكر دائم، وأنت تنظر - مثلاً - إلى عاشق الفتاة، فتجده شارد اللب، نحيل الجسم، ممتقع اللون، فلا تستكثر أن ترى عاشق الذات العلوية تصفاً بهذه الصفات، بل إن المنطق يقضي أن يكون أكثر نحولاً، وأشد ذهولاً، حيث كان ذا مقصود أعظم، وأمل جامح طموح.
ولا يسعنا وقد تعرضنا لهذه الناحية أن نذكر أن الحب الإلهي يكون في غالب أمره تطوراً لحب إنساني، فكثير من العارفين قد ذاق في مقتبل شبابه مرارة الحب الأرضي، وعانى ما يعانيه العاشق من منع وحرمان، وهو بذلك قد مرن على السهر والنواح، فإذا ما هطل الفيض السماوي على روحه، بعد وقت قريب أو بعيد، كان على استعداد تام للسير في طريقه المملوء بالعرق والدموع، حتى ينتهي منه السلام.
يذكر الكاتبون أن تصوف الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي كان خاتمة لرحلة لذيذة قام بها في عالم الصبوات الحسية، فقد شاهد في مكة فتاة فارسية ذات عقل راجح، وذكاء متوقد، ثم هي على جانب فائق من الحسن، فطارحها الأحاديث، وتساقيل كؤوس الجدل العلمي، وما يزال يحن إلى سمرها الشهي، حتى سرقت قلبه، وملكت زمام مشاعره، فساق بها إلى القصائد الرائعة ولم يشأ أن يخفي أمره معها بعد تصوفه، بل كتب عنها فصلاً ممتعاً جاء فيه: (وهي طفيلة هيفاء، تقيد النظر، وتزين المحاضر، وتحير المناظر، ساحرة الطرف، عراقية الظرف، أن أسهبت أتعبت، وأن أوجزت أعجزت، شمس بين العلماء، بستان بين الأدباء، يتيمة دهرها، كريمة عصرها، أشرقت بها تهامه، وفتح الروض لمحاورتها أكمامه). . .
والذي يقرأ مقطوعات ابن عربي يلمس إخلاصه في حبه، ويحمد له أن تعلق بذات علم وفضل، فوقع الطير على شكله، وانجذب الشبيه إلى شبيهه، والعجيب الغريب أن الشيخ الأكبر قد حاول أن يشرح قصائده في صاحبته شرحاً لا يتفق مع ما صرح به فيما سبق أن نقلناه عنه، فهو يحول أبياته إلى ميدان آخر غير ميدانها الأصيل، مع أن القارئ العادي لا يمكن أن يطمئن إلى شرحه الملفق، فما ظنك بمن يتعقبونه من أذكياء الناقدين، وإذا كان ابن عربي قد أعلن غرامه الإنساني في نثره، فلم يلجأ ثانية إلى اللف والدوران في شعره الجميل؟!
هذا قول يحتاج إلى دليل ملموس، فليسمع القراء أولاً هذه الأبيات: مرضي من مريضة الأجفان ... عللاني بذكرها عللاني
بأني طفلة لعوب تهادي ... من بنات الخدور بين الغواني
من بنات الملوك من دار فرس ... من أجل البلاد من أصبهان
لو ترانا برامة نتعاطى ... أكؤساً للهوى بغير بنان
والهوى بيننا يسوق حديثاً ... طيباً مطرباً بغير لسان
لرأيتم ما يذهل العقل فيه ... يمن والعراق مجتمعان!!
ثم ليسمعوا ثانية ما قاله الشيخ في شرح البيت الأول - على سبيل المثال - (المرض، الميل، أقول لما مالت عيون الحضرة المطلوبة للعارفين من جانب الحق سبحانه بالرحمة والتلطف إلينا أمالت قلبي بالعشق إليها). فليت شعري ما هذا الالتواء، وعلام التستر بعد الوضوح؟ وإذا كنا نعلم أن صاحبته الأولى فارسية من بنات الملوك في أصبهان، فكيف يمكننا أن نفهم هذا الفهم الغريب؟ وهل يعيب الصوفي أن يسجل صبابته الأولى بشعر يتغنى به الناس؟! لعل الشيخ قد أراد يبرز للناس مقدرته العجيبة في التأويل والتخريج جرياً على ما أشتهر من ادعائه العريض!!
إن الذي يتعبنا كثيراً في غزل المتصوفين هو أننا نحمله حملاً على المعاني الروحية المقدسة، سواء أنطق بذلك أم لم ينطق، وهنا توجد المشكلة العويصة، فكثير من الأبيات تصدم العقول بأحجار ثقيلة، فلا يمكن أن تنطبق على الحقيقة الإلهية التي يعنيها العارفون، وهذا ما دفع بعض الشراح إلى التحامل الزائد على ابن الفارض رضي الله عنه، ولو أننا أوجدنا الفوارق بين النسيب الإنسي والغزل الإلهي لأرحنا عقولنا من التعب الشديد. وهل يعيب المتصوف أن يكون ذا لونين في غرامه ما دامت عاطفته ملتهبة في كلتا الناحيتين. وما دامت هناك فوارق زمنية تفصل بين النوعين، حيث أن المسلم به أن الهائم بربه لا يمكنه أن يلتفت إلى غيره بحال من الأحوال؟ وهل نقول لشاعر تصوف بعد أن قضى شبيبته في الغزل الحسي: مزق نسيبك الأول على حقيقته الإنسانية؟! لم كل هذا أيها الناس!!
على أن العواطف الآدمية في الغزل الإلهي تختلف عنها كثيراً في النسيب الإلهي، فالعاشق يذكر الغيرة والنحول، والسهد كما يذكر ذلك العارف، ولا ريب فالينبوع الدافق للشعر الغرامي هو الشعور، وهو هو في شتى الأوضاع لا يختلف توهجاً واشتعالاً عن المحبين، ومن هنا كانت لنتيجة واحدة عند الرجلين فالجنون والصرع والتيه قواسم مشتركة بين المدفنين، وإذا كان الأصمعي قد تجول في الصحاري الشاسعة، وتنقل بين الخيام النائية ليسمع آهاته المدلهين ويروي أشعار المتيمين من عشاق البادية، فلم يفته أن يدلف إلى الغارات السحيقة، ويتسلق القمم الشاهقة ويطوف بالبيت المعظم ليرى بعينيه دموع العارفين تتساقط، وزفرات الواصلين تتصاعد، علماً منه أن هؤلاء لا يقلون عن غيرهم، لذة حديث، وغرابة اتجاه، بل أن سائلاً سأله عن الحب فلن يسمعه كلام قيس أو عروة أجميل، بل ذكر له حديث هائم عارف، وقد مهد له بقصة طريفة وصف في آخرها الحب فقال: (جل أن يحد، وخفي أن يرى، كمن كمون النار في الأحشاء، إن قدحته أورى أو تركته توارى). وأمثال هذه النوادر لا تندرج تحت حصر، ولولا أنها وجدت ظلاً من الحقيقة ما كان لها هذا النصيب الوافر من الذيوع.
ولقد كان الهائمون الواصلون يعتزون بغرامهم الإلهي اعتزازاً يفوق كل اعتزاز، بل عدوه مفخرة عالية وميزة سامية لا تتاح إلا لمن حباه الله بالفضل الجزيل، وهذا صحيح لا اعتراض عليه، ولكن تنافس هؤلاء فيما بينهم قد دفعهم إلى مغالاة لا تسلم من الاعتراض، فكل محب واصل - إلا من عصم الله - قد ادعى في أكثر من مناسبة أنه فاق غيره في محبة ربه، ووصل إلى ما لم ينله أحد من الخلائق، فليت شعري ما مبلغ هذا الادعاء من الصحة؟ وهل يمكن للمدعي أن يقيم البينة على صحة ما يقول، وهو يرى الأنبياء والملائكة والسابقين من الإنس والجن، كل أولئك يتزاحمون بالمناكب ويتدافعون تدافعاً شديداً في مضمارهم الخطير، نعم قد يكون إخلاصه الزائد وتفانيه الشديد من عوامل هذا الادعاء، ولكن أليس من الحسن الجميل أن يتواضع في حبه ويتنازل عن كبريائه في مثل موقفه العظيم، فينال تقدير مريديه وسامعيه، بل ربماجرهم تواضعه إلى تقدير منزلته تقديراً يصل بها إلى ما يريد. وأذكر أني حين قرأت قول ابن الفارض:
كل من في حماك يهواك لكن ... أنا وحدي بكل من في حماكا
شعرت كأني محنق مغيظ، وما زلت أنقب وأحلل، وأنتقل من تعليل إلى تعليل حتى انتهيت إلى قوله: ولقد يجل عن اشتياقي ماؤه ... شرفاً فوا ظمئي للامع آله
فارتحت كثيراً لتواضعه، وكأني نسيت ما سلف من ادعائه، فأقبلت علي مطالعة ديوانه بلذة وشغف، ولا ريب فقد قام البيت الثاني من البيت الأول مقام الاستغفار من الذنب العظيم!!
وإذا تركنا ابن الفارض وانتقلنا إلى الشيخ الأكبر محي الدين نجده قد جال في ميدان الادعاء جولات خطيرة عاصفة، فقد عز عليه أن يفهم الناس أن النبي المرسل في درجة تفوق منزله الولي الواصل، فانبرى يوازن موازنة جريئة بين النبي والولي، ثم أعلن - في غير تريث - (أن الرسول لا يمتاز إلا بالتشريع، أما الولي فميزته الكبرى هي الاطلاع على أسرار الوجود). وهذا ادعاء أي ادعاء، ولكنه من شطحات القوم. وكم للصوفيين من مزالق محرجة؟! فهل تكون مفقودة لدى معشوقهم الحبيب؟!
إن الرسول قدوة مثل الناس، فكل ما صدر عنه من قول أو فعل أو تقرير، فنحن ملزمون بالتمسك به، أما الولي فليس من ذلك في كثير أو قليل، بل إن فريقاُ كبيراً من رجال الدين قد نصوا على وجوب التحفظ الشديد مع الأولياء، وخاصة بعد أن اتسعت هوة الخلاف في المسائل الكلامية، وانتشر على يد فريق من التصوفة القول بمبادئ غامضة لا تدركها الإفهام. ومهما يكن من شيء، فقد جعل رجال الشريعة للقوم حالتين: حالة الصحو، وحالة الغيبوبة؛ أما الأولى فهم ينطقون فيها بما يتفق مع الشريعة، لأن العارف مستيقظ منتبه، فهو مؤاخذ على كل ما يصدر منه كما تؤاخذ العامة سواء بسواء. وأما الحالة الثانية وتسمى بحالة السكر عند بعض الكاتبين، فلا يلام فيها الواصل على رأي، أو يؤاخذ بجريرة قول، لأنه غائب عن وعيه، وقد ستر إدراكه بغواش متلاحقة لا يعلم لها كنه. ويدركون أن أبا بكر الشبلي رضي الله عنه قد دخل على الجنيد ومعه زوجته، فأرادت أن تستتر عنه، فقال لها الجنيد: تمهلي تمهلي. . . فهو في حالة سكره لا يدرك شيئاً مما أمامه! وحين مضت مدة غير يسيره أشار لها بالاستتار حيث قد انتقل صاحبه من حال إلى حال. والمعلوم أن الجنيد رحمه الله من القلائل الذين يتمسكون بتعاليم الشريعة، فلا يرون أنفسهم من فصيلة أخرى ترتفع عن الناس، ومع ذلك فقد عرف صاحبه في خحالتيه، ومن عسى أن يكون أنبه منه في الإدراك والتمييز؟!
وكنت أوثر أن نعتبر المتصوفين في حالة واحدة مدى الحياة، وهي حالة الغيبوبة والسكر، فلا نجعل لهم من الصحو وقتاً نؤاخذهم فيه على الأقوال والأفعال، وإلا فقد أدت هذه المؤاخذة إلى الإطاحة برءوس مفكرة. وكتب التصوف مليئة بأخبار من استشهدوا في هذا الميدان. وكم يقع القارئ في حيرة شديدة حين يرى الصوفي العارف ينطق بما يعتبر بعيداً عن الحق، فيساق إلى مصرعه السريع ثم يأتي - بعد - من رجال الدين وأعلام الشريعة من يبرر قوله ويوجه مذهبه توجيهاً لا يخرج عن المنطق السديد - كما فعل الغزالي مع الحلاج مثلاً - فبأي جريرة إذن سفك هذا الدم، وكيف غاب هذا التأويل عمن أثاروا الغبار، وأيقظوا السيوف من الأغماد؟ الحق أنها حيرة شديدة أتلمس الخروج منها فلا أستطيع!!
إن التصوف محنة قبل أن يكون نعمة؛ فالعارف يكابد من الأهوال ما يقض المضجع ويسيل المدامع، وثم هو بعد ذلك يتهم في دينه، ويساق إلى حتفه الشياه!!
ولكن أي هول يكابد؟ لا يقدر ذلك غير من سار في الطريق بضع خطوات، فعرف كيف تحارب النفس، ويضطهد الجسد، وتندلع في القلب ألسنة اللهيب!!
إن الشاب في عنفوان قوته يصوم اليوم الواحد في ألم وامتعاض وما يكاد يسمع الآذان عند الغروب حتى يهجم كالليث على المائدة الحافلة بما لذ وطاب، فما يذر من شيء أتى عليه، وهؤلاء المساكين يصومون الأيام الطويلة ولا يفطرون بغير الماء وكسر يابسة من الخبز لا تقوى على تحطيمها الأنياب!!
إن الشاب الفني لا يتسلق الجبال إلا في وضح النهار، قوة مجندة مع رفقائه، وعدة مذخرة من الأسلحة الفاتكة، يتقي بها الهوام والسباع، وهؤلاء المساكين يسعون في حنوس الليل إلى التلال والهضاب فيتفكرون في ملكوت السموات والأرض فإذا حطمهم اللغوب، هجعوا قليلاً في الكهوف والمنارات!!
(البقية في العدد القادم)
محمد رجب البيومي