مجلة الرسالة/العدد 787/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 787/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 02 - 08 - 1948



حول لفظة (العتيد):

بينما كنت أستمع بقراءة المقال الشيق الذي كتبه الجهبذ الكاتب الشيخ محمد رجب البيومي في العدد 773 من الرسالة الغراء إذ لفتنظري وأسر انتباهي في ثنايا لفظه (عتيدة) التي جاءت وصفا في قوله: (ويقود أركانا (عتيدة) صالحة للبقاء!) وقد كان معناها (القدم) كما يريد كاتب المقال في هذا المقال. وكتبت اللغة التي رجعت إليها المختار، المصباح، المحيط لم تذكر أن لفظة (العتيد) معناها (القدم) وإنما الذي أفصحت عنه إنما هو لمعنى (العتيد) - بدون هاء - الحاضر المهيأ، كما في قوله تعالي: - (وأعتدت لهن متكأ. . .) وفي قوله تعالى: - (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).

وأما المعنى المراد الذي لم تؤده هذه اللفظة في هذه المقالة والذي هو (القدم) كما هو مفهوم من المقام فإنما تكون تأديته بألفاظ أخر ليس من بينها (العتيدة) هذه في هذه المقالة، ألا وهي: العتيق والقديم والعهيد - بالهاء بدل التاء - وللفظة الأولى جاءت في قوله تعالى: (ثم محلها إلى البيت العتيق)، وأما الآخر فقد نطق بها مرتين في بيت واحد المرحوم شاعر النيل حافظ إبراهيم بك في استقباله السير غورست: -

وفي الشورى بنا داء (عهيد) ... قد استعصى على الطب العهيد

وهذا ما يحضرني الآن من الألفاظ الدالة تعلى معنى (القدم) ولا أقول هذا كل ما في اللغة في هذا المعنى إذ ربما يطلع علينا بألفاظ أخر من المراجع اللغوية (الرقيب العتيد) الأستاذ عدنان وذلك ما كنا نبغي.

وللأستاذ صاحب المقال إكباري وتقديري وللأديب عدنان تحيتي وللرسالة اللامعة تجلتي.

(طرابلس الغرب)

محمد مهدي أبو حامد

كلية أحمد باشا

في ميدان الاجتهاد: أخرجت جمعية الثقافة الإسلامية بحلوان كتاب في ميدان الاجتهاد للأستاذ عبد المتعال الصعيدي، وهو معروف لقراء الرسالة بآرائه الحرة المتزنة في كل ما يكتبه في الأدب والعلم، وبميله إلى التجديد في العلوم على اختلاف أنواعها، حتى تخلع ثوبها القديم البالي، وتلبس ثوبا جديدا يجدد عقلية المسلمين، ويقضي على عهد الجمود، ويعيد عهد الاجتهاد، وهم في حاجة إلى تلك الصيحات الإسلامية الشديدة التي انقضتبموت جمال الدين الأفغاني، والأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، لتنبههم من غفلتهم التي عادوا إلى الاستنامة إليها، بعد أن نبهتهم بعض التنبه صيحات هذين الإمامين.

وكتاب في ميدان الاجتهاد صيحة من تلك الصيحات التي طال عهد المسلمين بها، بعد أن كانوا يهزون بها هزاً عنيفاً في عهد ذلك الحكيم وتلميذه؛ فتحي ما مات مت آمالهم، وتفتح باب الرجاء في مستقبل ناهض، بعيد لهم سابق عزهم، ويسترد لهم جلال ماضيهم، فيعيشون في هذا العصر كما يجب أن يعيشوا فيه، ليشاركوا أهله بأرواحهم كما يشاركونهم بأجسامهم، ولا يشاركوهم بأجسامهم دون أرواحهم، فيتخلفوا عن ركب الحياة، ويدركهم ما أدرك المتخلفين من الأمم الماضية - لا قدر الله.

لقد عالج ذلك الكتاب كثيراً من المسائل الشائكة في الإسلام، فأتى فيها بالعلاج الصالح، وحل مشكلها بالرأيالقاطع، لأن صاحبه قد درس دينه دراسة صحيحة، وخلص نفسه من قيود التقليد والجمود التي تحول دون الوصول إلى الحقيقة، وجمع إلى هذا إخلاصه لدينه، وحبه له حبا يملك عليه نفسه، فجمع بهذا كله أسباب الرأي الصحيح، والاجتهاد المتزن.

وهذا بعد أن مهد بدرس نافع في الاجتهاد، وأتى فيه بتوجيه جديد لم يسبق إليه، يجمع بين الفرق الإسلامية التي باعدت بينها أصول الاجتهاد القديمة، ويوجهها لوضع فقه جديد يمثل البيئات الإسلامية كلها، فيسع المسلمين جميعهم، ولا يمثل بيئة دون أخرى من بيئاتهم، وهذا توجيه له خطره في الإسلام، وله حسن أثره في المسلمين.

(ع)