مجلة الرسالة/العدد 79/الرسالة في عالمها الثالث
مجلة الرسالة/العدد 79/الرسالة في عالمها الثالث
بين عيد الفطر الاسلامي، وعبد النيروز المسيحي، يقع ميلاد الرسالة! فكأن الرسالة لاتنفك تجري على قدر من الله في السفارة بين عهد وعهد، والوساطة بين فكرة وفكرة! وفي هذه الفترة التي يعاود الناس فيها سلام الروح، وسكينة القلب، فيتعاطفون على القرابو، ويخالصون على المودة، وينفضون ايديهم من اوزار العيش حيناً لتتأنس النفوس بالتحية، وتتلامس القلوب بالمصافحة، لاتجد الرسالة غضاضة الاثرة اذا تبسطت في الحديث عن نفسها، الى اصدقائها وقرائها، فان العيد يقوى شعور الانس، والسرور يهلهل رداء الحشمة
تحبو الرسالة للسنة الثالثة من عمرها، أو تخطوا الخطوة الثالثة من غايتها، وهي بحمد الله اشد ما تكون استمساكاً بالمبدأ، واستشرافاً للغرض، واستعدتداً للامر، واستبصاراً بالماضي، واطمئناناً للمستقبل
ولقد كان من دلائل رضي الله عن جهادها أن ألان لها أعطاف الشدائد، وسهل عليها مصاعب النجاح، ومكن لها من قلوب الناس، فآثروها بالعطف، وآزروها بالعون، ووجدوا فيها متنفساً لخوارهم المكظومة، ومفيضاً لعواطفهم الجائشة، فتعارفت فيها الاسماء الغريبة، وتآلفت بها الأنساب القريبة، واشرقت بين سطورها في هذه العهود السود ومضات المجد التليد، كما تومض المنارة الهادية في حواشي الافق المكفر ونواحي المحيط المضطرب
لا نريد ان نعوج لما كان، ولا أن نعد بما يكون، فان العمل الحي ينمو بطبعه، ويقصد الى ماده بفطرته؛ وحية الرسالة إنما تنبثق من إيمانها، ومن إخلاص إخوانها، فلا يكدى لها شباب ولايبطئ بها وهن
ولقد جربنا في استمالة الفوز كل حيلة فما أفاد غير الايمان: جربنا التسامح فبطر الصديق، والهوادة فضرى العدو، والثقة فنغل الناصح، والمحبة فثارت المنفعة، والكد فهاج المرض، فلولا الايمان بصحة الفكرة، وشرف الوسيلة، ونبل الغاية، وضرورة العمل، لانقطعت الاسباب وابدعت ركائب الامل
إن فيما يحمله البريد إلينا كل يوم من رضى القراء في مختلف الانحاء لأجحماعاً على الخطة التي نهجناها للرسالة. حتى أولئك الذين كانوا يحبون أن تخف أو تُسف عادوا فصالحوا بين أذواقهم وذوقهم، ولاءموا بين الخلاقهم وخلقها، ففضلوا ان تظل كما هي للخاصة فلا تتعلق بغير الجميل من الأدب والفن والخلق على أن في الادب السنى مناحى للذة لا تجد بعضها في الأدب الدنى على ثرثرته وإغرائه. فان فيه غذاء لذوقك وذهنك ووجدانك وشعورك؛ أما غذاء الآخر على غثاثته فيغنيك عنه إن شئت نظرة أثيمة أو حكاية مخزية. وسنكشف رويداً عن هذه المناحي الممرعة الممعتة، فتساعد المربين على تنمية الذوق، وتعين المعلمين على إحياء المطالعة
وانصراف الشباب عن المطالعة الجدية داء أعيا على العلاج وأشفى على الخطر. وهو وحده علة ما نشكوه من بطء الثقافة وضعف الصحافة وقلة الانتاج وشيوع الجهالة. وما قتل الصبرَ على قراءة الكتاب المفيد والصحيفة الرشيدة إلا هذا الهُراء الذي نفقَت سوقه في المجتمع لِبَرَم الرجال من الأزمة، وسأم الشباب من العطلة، وسوء ظن الناس بالجد في علاج هذى الحال
إن من مباديء الرسالة أن تكون صورة لمنازع الأدباء وسجلاً لألوان الأدب في هذا العصر، فهي لذلك تعرض على قرائها الحين بعد الحين آراء مختلفة وأقلاماً جديدة؛ واختلاف الآراء لا يدل على غير مجرد العرض، وتعاقب الأقلام ل يعني أن بعضها خير من بعض. وقد ظهرت في العالم المنصرم بعض هذه الأقلم البارعة، فكانت براءة من الله للرسالة أنها تقوم بما تعد وتُوفي بما تُدم. وستظهر في هذا العالم أمثال هذه الأقلام من ألف بينها الفن السَّرِيُّ، وجمع بين اهلها الدرب القاصد. كذلك فتحنا بابين جديين ابتداء من هذا العدد، وهما: (من روائع الشرق والغرب) وسننشر فيه أروع ما نقرأه من الآداب الاجنبية منقولاً الى العربية العالية، وأبدع ما نختاره من الآداب العربية مأخوذاً من العصور المختلفة. وفي هذا الباب لقاح مثمر لأدبنا، وإحياء لمآثر أدبائنا، وصقل لملكات النشء بالماذج الجميلة. ثم (من هنا ومن هناك) وسنلخص فيه ما نقع عليه من طريف المسائل وجديد الآراء في الصحف أو في الكتب. ذلك إلى ما اعتزمناه من توسيع باب القصص، وتوجيه النظر في بحث المؤلفات الحديثة القيمة إلى التحليل والنقد العادل
بقي أن نؤدي فريضة الشكر لأولئك القراء المخلصين الذين عطفوا على هذا الجهد وساهموا فيه بالتشجيع والتنويه والنصية، وللأصدقاء من الأدباء الذين ما برحوا يلبون دعوة الوطن الأكبر فشاركوا في تبليغ الرسالة، وأعانوا على تأدية الأمانة، وأضافوا خيرهم الغمر إلى تراث آبائنا الخالد وإنا لنتقدم إلى هؤلاء وهؤلاء بالتهنئة الخاصة بالعام الجديد، والعيد السعيد، والأمل الناشيء في كل نفس، والنشاط لباديء في كل أمر، وندعو الله مخلصين أن يقرن العام باليمن، ويجدد العيد بالخير، ويعقد الأمل بالنجح، ويصل النشاط بالرأي والعزيمة
ثم نجدد لأمى الرسالة العهد والعزم متعمدين على فضل الله، مطمئنين الى عطف الأمة، متكئين على عون الشباب، معتدين باخلاص النية، معولين على إجاة العمل؛ وفي بعض ذلك الضمانً الاوفى، والسندُ الأقوى، والمرفأ الأمين
احمد حَسن الزيات