مجلة الرسالة/العدد 796/مصرع برنادوت. . .

مجلة الرسالة/العدد 796/مصرع برنادوت. . .

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 10 - 1948


للأستاذ نقولا الحداد

لو كانت الرصاصة التي صرعت برنادوت عربية لقل العجب، لأنه كان مع اليهود على العرب. ولكن حاشا للعربي أن يغدر. حاشا للعربي أن يقتل من لا يهاجمه. حاشا للعربي أن يقتل أعزل أو شيخاً أو طفلا يهودياً!

كان العرب يحمون برنادوت وهو في ديارهم، ولقد كان النقراشي باشا يبث العيون من حوله لوقايته من غدر اليهود الخونة وهو في مصر.

برنادوت خدم اليهود: أيد التقسيم وغض النظر عن السلاح الذي كان يهرب إلى تل أبيب، وغض النظر عن المهاجرين اليهود الذين كانوا يتسربون إلى فلسطين، وغض النظر مائة مرة عن خرق اليهود للهدنة!

رحمه الله! حابي اليهود كثيراً! ولكن اليهود كانوا يريدون أن يكتب في تقريره بأن كل فلسطين وشرق الأردن هما حق حلال لليهود! فلم يكتب هكذا فقتلوه!.

كان يريد تجريد بيت القدس من السلاح، وهم يريدونه عاصمة دولة إسرائيل فقتلوه! كانوا يريدون مرفأ حيفا مفتوحاً على مصراعيه، وهو يريد أقفاله ريثما تسوي مسألة فلسطين فقتلوه! كانوا يحرمون عليه أن يبعث بتقرير عن نقضهم للهدنة إلى مجلس الأمن، فلم يستطيع أن يمتنع فقتلوه! كانوا يريدون أن يخرج من فلسطين على الإطلاق، فلم يجرؤ أن يترك المهمة التي أنتدب لها فاغتالوه! لماذا؟ لأنه لم يكن يستطيع أن يملكهم كل فلسطين! ما كان يجوز أن يفعله العرب ببرنادوت لأنه أوثقهم بالحبال والحديد فعله اليهود!

إن هؤلاء الأوغاد لم يعودوا يقنعون بحصة من فلسطين، بل صاروا يطمعون فيها كلها وبشرق الأردن معها وبسائر بلاد العرب كلها. فلما مرت طائرة عربية من لبنان إلى عمان تعقبوها وأسقطوها على الرغم من أن قائدها أبلغهم باللاسلكي أنه ينقل ركاباً مدنيين، وكان يظنهم من رجال هيئة الأمم الرقباء قد أخطئوا فحاول أن يصحح خطأهم، ولكنهم كانوا أرذالا يقصدون الشر مجاناً. فحطموا الطيارة وذهب ضحيتها صحفيان، ولا ندري ماذا يكون حكم الصحف التي يمتثلانها؟!.

لقد ثبت أن تقرير برنادوت كان أصلح لليهود من قرار التقسيم ولكن اليهود توقحوا فل يعودوا يقنعون بتقسيم فلسطين، وإنما يطمعون في كل موضع يحتلونه، وخاصة بعد أن ما رأوا أن الدولة الثعلبة العظمى قد انقلبت من الحياد الماكر إلى جانب التقسيم الصريح، فقوى ظهرهم حتى في مصر، فصار النعاج منهم ذئباً! ذلك أن إرهابيين تسللوا من صهيون إلى مصر وجعلوا يلقنون هؤلاء النعاج العزرائيين دروس الإرهاب والخطف والغدر والتحدي، فخطفوا ثلاثة من رجال البوليس وحبسوهم في معبدهم بحارة اليهود. وجرؤ بعضهم فأطلقوا المسدسات على الحكمدار!

هذه جراءة لم نعهدها من جبناء اليهود الأنذال قبل اليوم!

فماذا جد حتى صارت لهم هذه الجرأة والوقاحة؟!.

لعل وحياً جاءهم من قصر شايو في باريس أن دولة عزرائيل صارت سيدة دول الشرق فتنمروا وتنمردوا!

وإذا كانوا الآن - ولا دولة لهم - يستفحل أمرهم وشرهم هذا الاستفحال، فما عسى أن يكون إن مصر وقنصل وبنك، وصار اهم حاضرة أنيقة على ظهر جبل المقطم، وصارت موطن ملاه ولعب ورقص وشرب ونصب، وكان فيها حسان يلعبن بقلوب الكهول والفتيان، ويستخدمن نفوذ الأكابر والأعيان، فإذا بلغوا هذا المبلغ، فأي حال يكون حالهم، وعلى أي شكل يتغطرسون، وفي أي واد يهيمون، وفي أي سماء يسبحون، وقانا الله شر هذا الفجور!

ترى هل تقتص حكومتنا السنية من هؤلاء الأرذال المتحصنين في حارة اليهود القذرة؟ وتؤدب هؤلاء الأنذال وتقي المدينة شرهم وتقمع فتنتهم، فهم على قلتهم وضعفهم قد أنشأوا شبه حكومة لهم في حارتهم الحقيرة وأقاموا لهم فيها حرساً يمنع مرور الناس، وأن غلط أحد المارة ودخل معقلهم الحقير (بهدلوه) واعتقلوه وضربوه وربما قتلوه!!.

وهم على ضعتهم أشعلوه ثورة كادت تنتشر كالنار في الهشيم، وهم مسلحون بالأسلحة الحديثة وبالقنابل والمتفجرات لا يهابون قانوناً ولا يخشون بوليساً ولا يوقرون حكومة!

فإذا كانت الحكومة لا تحرم عليهم صنع المتفجرات حتى على الصبيانية منها، ولا تطرد الخطرين منهم، كانوا خطراً على الأمن ومبعثاً للقلاقل في البلاد!

نرجو ألا تغض الحكومة النظر عنهم كما غضت هيئة الأمم النظر عن قتلة برنادوت!

لقد قتل برنادوت ودفن جسمه وأسمه، ودفنت معه هيبة هيئة الأمم، وأصبح خذلان مجلس الأمن أمراً واقعاً. وقد استمرأ اليهود سياسة الأمر الواقع، وعادوا يفعلون ما يروق لهم ولا يحسبون حساباً للعواقب، لأن الأمر الواقع ينفي كل عاقبة!

ولقد كان ذنبنا العظيم أننا لم نجنح إلى الأمر الواقع ولا عرفنا كيف نستفيد منه!

لو ألفنا حكومة عربية لفلسطين من أهل فلسطين منذ أعلنت إنكلترا الثعلبة أنها ستلغى انتدابها في أول مايو - لو ألفنا حينئذ الحكومة العربية، وجعلنا مكانها في مصر أو الشام أو بغداد كما فعلت بلجيكا وهولندا ونروج في الحرب الأخيرة من كان يمنعنا لو كان لفلسطين حكومة عربية - أينما كانت - من أن تحتل فلسطين فعلا حالما تركتها إنكلترا؟

أن اليهود فعلوا ما كان يجب أن نفعله، كانوا كلما ترك الإنجليز موضعاً احتلوه هم، ولو كانت حكومة فلسطين العربية الحرة قائمة لكانت أسبق إلى احتلال حيفا من اليهود.

نعتب على الإنكليز أنهم أخلوا حيفا لليهود، فهل كانت حكومة فلسطين على أستعداد لأحتلال حيفا ومنعها الإنكليز؟

أحتل اليهود كل مكان أخلاه الإنكليز، ونحن لم نستطع أن نحمي نساءنا واطفالنا، ففتك بهم أولئك الذئاب، وفر من أستطاع أن يظفر بالسلامة! فختام يا قوم نتبع سياسة التواني، ونعرض عن سياسة الفرصة السانحة، والضربة السابقة، والأمر الواقع؟!.

نقولا الحداد.