مجلة الرسالة/العدد 8/شروح وحواشي

مجلة الرسالة/العدد 8/شروح وحواشي

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 05 - 1933


عام 1352 أشرقت الشمس على الدنيا شمس محرم في اصفرار يشبه الكسوف أو انكسار يقارب المذلة! كأن صبحه الضاحي لم يغرق الكون بالنور، ويخرج العالم من الضلالة! وكأن يومه الأغر لم يغير وجه الزمان وينتصب علما في تاريخ الخليقة! أو كأن الهجرة التي يشع هذا اليوم بذكراها لم تدفع الإنسانية في طريق الكمال آلافاً من المراحل وهي على بعيرين هزيلين يتنكبان الجواد ويمشيان على كلال ووجل! وكأن الفلك لم يدر به القرون الطوال على دين حرر العقول، وملك طبق الأرض، وحضارة مدنت العالم! ولكن ليت شعري لم لا تنكسف شمس المحرم، وهي إنما تطلع اليوم على أطلال من المجد والملك والخلق لا تبعث في العين غير الدموع، ولا في النفس غير الكآبة؟!

لقد أصبحنا وما نملك لذكرى الهجرة إلا مظهرا وضيع الشأن قاصر

الدلالة: عطلة رسمية في الحكومة، وحفلة كلامية في جمعية الشبان!

أما المظهر الشعبي الذي يغمر الشعور بالبهجة، ويعمر القلوب بالعزة،

فكأن نفوسنا لم تتهيأ له بعد!

وفي العراق (وا أسفاه) يستقبلون المحرم بلدم الصدور بالأكف، وضرب الظهور بالسلاسل، وإقامة المناحات في الشوارع والمنازل، فيضيع بذلك عيد المجد النبوي في مأتم السبط الشهيد، وتأبى هذه المصادفة المشئومة على حكومة بغداد، أن تجعل يوم الهجرة عيداً من الأعياد.! وفي سائر البلاد الإسلامية يمر هذا اليوم المسكين فلا يعلنه تقويم ولا يحفله أحد!

رحماك اللهم! فأين الشرق من الغرب!! وأين المحرم من يناير؟!

نهضة العراق: كثر اليوم حديث الصحف المحلية عن العراق ونهضة العراق، وفي ذلك رضا للعاطفة التي أحملها لهذه البلاد الكريمة يدفعني إلى إعلان هذا الفوز. فوزارة المعارف تريد على ما روت إحدى الصحف أن تستعين بما وضعته معارف العراق من الأناشيد، في تقرير هذا النظام الجديد. وتنشر الصحف أن لجنة ألفت في وزارة المعارف العراقية (لتغيير) الأناشيد المدرسية! فتقدم إليها على الفور جمعية الرابطة الأدبية في بغداد ثلاثين نشيداً منها: تحية العلم، الحرية، تربية الطفل، المطر، تدبير المنزل، تحية الملك: نشيد النهضة، نشيد الوحدة، نشيد الحماسة، نشيد الفتاة، النشيد الوطني، الرياضة، الكشافة، العلم والعرفان: ويقرأ هذا الخبر شعراؤنا الفحول فيسألون الله السلامة، ويتضاءل في نفوسهم الرفيعة معنى الزعامة! وتضرى الخصومة السياسية عندنا فتمزق العلائق والأعراض فيضرب الكتاب المثل الأعلى بالخصومة النبيلة التي تقع بين ساسة العراق فلا تتعدى أندية الأحزاب ولا دواوين الحكم. وتحس الصحافة المصرية حز القيود فتغبط الصحافة العراقية بحريتها الجديدة، وتشكر لحكومتها السعي في تقرير نقابتها العتيدة.

والحق إن في الشعب العراقي أفضل ما في الشعوب الناهضة من حيوية وطموح ومرونة ورجولة، فإذا أضفت إلى هذه الخلال انه جذ من ورائه تقاليد النظام القديم، وإن معاهدته الجديدة قد قللت من الاستشارة الأجنبية المعرقلة، وإن حكومته بسيطة الآلة ضيقة الدائرة، حتى لتسنح الفكرة للمدير العام (وكيل الوزارة) في مجلس من المجالس أو تقترح عليه فتصبح قانونا أو لائحة، أدركت سر القوة الحافزة في نهضة العراق. أما الحكومة الملتوية المعقدة ذات الزوايا والحنايا فأن المقترح أو المشروع يضل فيها بين توزع المسؤولية وتقسم الرأي فيخرج من مكتب إلى مكتب حتى يدركه الإعياء فيرقد في درج أو سلة!!

الأدب المصري الحديث أدب ثرثرة: هكذا قالت (العاصفة) في بيروت، ثم تفضلت على الصديق طه فنصبته زعيما على هذا الأدب! وقالت: (إن الأدب الحديث الناشئ في مصر أدب لا يزال بحاجة إلى صقل وتهذيب فهو أشبه بالحجارة غير

المنحوتة) ثم قالت في موضع آخر (وأصدق قول ينطبق على القسم الأعظم من هذا الأدب الذي يتحفنا به أدباء مصر انه أدب ثرثار ورجاله حائرون بين الابتكار والتقليد فيشوقهم أن يكونوا من المبتكرين وأن يسيروا في التيار الغربي فإذا القديم يغلب عليهم. . . . . . ومقال العاصفة على (ثرثرته) إندفاعة نفس شابة لاتزن الكلام ولا تبالي التبعة، وهي لا تملك والله الحمد ميزان القضاء ولا أهلية الحكم. فالدفاع أمامها دفع بعدم الاختصاص. على أن من الخير لنا ولها أن تقف قليلا عند قولها: (ولم تشعر مصر بروح الأدب العالي تجول فيها إلا يوم أرتادها أدباء لبنان وسورية. . . فالأدب الذي حمله إلى مصر تقلا ونمر وصروف وإسحاق واليازجي وحداد وزيدان والرافعي والمطران وسواهم هو الأساس في نهضة مصر الأدبية الحديثة ولولاه لم يكن حافظ ولا شوقي ولا العقاد ولا المازني ولا طه حسين ولا ولا الخ. نعم نقف قليلا عند هذه الجملة الطائشة لنقول للكاتب وأمثاله: إن الزمان لم يدع في أيديكم وأيدينا من المجد المشترك إلا هذه اللغة وهذا الأدب، فلم تأبون إلا أن تقسموهما على البلدان وتوهنوا أسبابهما بهذا الهذيان! تلك نعرة بدوية ونغمة مملولة. والعاصفة التي أثارت هذا الموضوع الجاهلي تتشدق بالتجديد! فهل علمت ما يشبه ذلك بين الأدباء في فرنسا وسويسرا وبلجيكا، أو بين الأدباء في إنجلترا وأمريكا؟ وماذا يضيرها إن تركتنا متآخين متحابين على هذا المنهل الباقي ننعم جميعا بريه ومائه، ونحرص جميعا على فيضه وصفائه؟؟

شاعر وشاعر:

هو الحظ غير البيد ساف بأنفه ... خزامى وأنف العود بالذل يخذم!

في اليوم الذي تحتفل فيه لبنان بذكرى (لامرتين) في الشرق تجيء أخبار الموصل بأن بلديتها هدمت قبر أبي تمام! فأما تكريم لبنان لذكرى الشاعر الفرنسي فلم يخرج عن سنن العرب في تمجيد الأدب وأهله، والاعتراف بإحسان المحسن وفضله. وأما تكريم الموصل للشاعر العربي بهدم ضريحه وطمس أثره فذلك ما لم نفهمه لا من طبيعة الشيء ولا من سياق الخبر ولا من احتجاج العرب ولا من روح العراق. فهل يكون السبب أن مدينة (الخالدين) عدنانية وأبا تمام من قحطان، أم السبب إنها عراقية والطائي من قرى غسان؟!

قرية الأدباء: من أنباء موسكو أن الحكومة الروسية قررت بناء قرية للأدباء بالقرب من لينغراد وصدرت لها من مالها ما يساوي مائة ألف جنيه ذهبا وستحظر على غير الأدباء دخولها الا بإذن رسمي خاص. وغايتها من ذلك بالطبع استخدام الأدب في تأييد الحكم السوفيتي ونشر المذهب الشيوعي. والذي يعنينا من هذا الخبر انه تنفيذ سخي لقلم الشعراء الذي يقترحه على وزارة المعارف صديقنا الهراوي، وتحقيق لفكرة (المدينة الفاضلة) التي خططها في الخيال أستإذنا الفارابي!!

أحمد حسن الزيات