مجلة الرسالة/العدد 802/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 802/الأدب والفن في أسبوع

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 11 - 1948



للأستاذ عباس خضر

على هامش مسابقات المجمع اللغوي:

1 - رأت لجنة الأدب بمجمع فؤاد الأول للغة العربية إبعاد الشعر من المسابقات الأدبية لسنة 1949 - 1950، وقصرتها على القصة والبحوث الأدبية، لأنها لا ترى في الإنتاج الشعري الحالي ما يستحق أن يجاز. ويبدو لي أن هذا الرأي يتصل بما حدث في العام الماضي حين احتفل المجمع بإعلان نتيجة مسابقات سنة 1947 - 1948 بدار الجمعية الجغرافية، إذ وقف الأستاذ المازني عضو لجنة الأدب يقدم الفائزين في الشعر فقال: إن الشعر كسائر الفنون لا يخلد فيه إلا الأعلون، وذاكرة الدنيا لا تعي غير الأفذاذ، والوسط كالرديء في ميزانها، ثم قال: إن الدواوين التي تلقاها المجمع كلها من الشعر الوسط، وإنه آثر التشجيع وتسامح فأجاز أربعة دواوين منها.

وبين يدي اللجنة الآن بضعة دواوين مقدمة في مسابقات العام الحالي (48 - 1949)، وهي (آخر دفعة) من الشعر في مسابقات المجمع حتى يرد إلى الشعر اعتباره. . . .

ويرى المتأمل أن موقف المجمع من الشعر غير سليم، لأنه إما أن يكون قد حكم على جميع الإنتاج الشعري، ما يعرف منه وما لا يعرف، وما يقدم إليه وما لا يقدم، وهذا غير ممكن ولا ميسور له؛ وإما أن حكمه نتيجة النظر فيما قدم إليه، وهنا يسأل سؤالين

الأول: أليس من الجائز أن يقدم إليه في مسابقة العام القادم التي أخلاها من الشعر إنتاج يستحق الإجازة، فلم إذن يقفل الباب؟

والسؤال الثاني يأتي بعد ذكر حقيقة ملموسة، وهي أن هناك شعراً جيداً كثيراً لا يقدمه أصحابه للمجمع، وبعد ذلك يسأل: لم ضعف الإقبال على مسابقات المجمع حتى صار لا يقدم إليه إلا هذا الذي لا يعجبه وهو مع هذا قليل؟!

أرجو مخلصا أن ينظر المجمع في هذا السؤال مليا ويعالج علة ذلك الإعراض، فالأمر يوشك أن ينتهي بالقصة والبحوث إلى مصير الشعر. . . .

2 - واشترط المجمع في مسابقة القصة لسنة (1949 - 50) أن تبحث مشكلة اجتماعية عربية من مشاكل العصر الحاضر، أو تعرض حياة بطل من أبطال العرب، أو موقفاً م مواقف العرب الحاسمة في التاريخ. وهذا الاشتراط يوعز بتحويل العمل الفني إلى دراسات اجتماعية أو تاريخية، وأنا لا أدرك الحكمة في تحديد موضوعات القصة، أو ليس المطلوب قصة فنية ناضجة؟ وماذا يضير إن كانت ذات فكرة أو موضوع غير هذه الموضوعات ما دام المقصود هو التشجيع على الإنتاج الجيد؟

3 - عمم المجمع مسابقة القصة فجعلها لجميع أدباء العرب، وهذا حسن؛ ولكنه خص بمسابقة البحوث أدباء وادي النيل، فلم لا تكون المسابقات كلها لجميع العرب؟ قيل إن هناك (لائحة) تنص على أن يخص أدباء مصر ستمائة جنيه من الثمانمائة المخصصة للمسابقات الأدبية كل عام. وأقول: لم هذه (اللائحة)، أولم لا تغير؟ وقد أمكن التوسع في منح الستمائة الجنيه فأصبحت في المسابقة الجديدة تشمل جميع أدباء وادي النيل. وكم أود أن يكون (مجرى الضاد) أوسع من مجرى النيل.

أساطين الإذاعة:

قام الأستاذ محمد قاسم بك المدير العام للإذاعة المصرية، برحلته في أوربا وزار محطات الإذاعة في روما وباريس ولندن وقد عاد أخيرا من هذه (النزهة الإذاعية) ونشرت مجلة الإذاعة الأوربية فكان من أهم المسائل التي تناولها الحديث بل أهمها مسألة الكفايات المطلوبة فيمن يشرفون على الإذاعة؛ قال: (إن مسألة الآلات والبرامج وما إلى ذلك من الأمور التي تخطر على الذهن عادة، إنما تأتي في المرتبة من الأهمية، بعد أن أدركت أن المسألة الرئيسية في تنظيم الإذاعة هي اختيار الرجال الأكفاء للإشراف على أعمال الإذاعة المختلفة، وتحملهم المسئولية الكاملة في إدارة الأقسام أو الإدارات التي يعهد إليهم بها).

وهكذا عرفنا أن (النزهة الإذاعية) لم تكن عبثا. . . فقد استفاد سعادته منها حقيقة مهمة في مسألة الإذاعة الرئيسية. وأعترف أني يوم تساءلت عن فائدة هذه الزيارات وقلت إن البرامج يمكن سماعها في مصر - كنت غافلا عن أن زيارة سعادته ستتيح له الوقوف على أن المسألة المهمة هي اختيار الأكفاء لإدارة الإذاعة. . ولا اعتبار لما قد يقوله المحرمون أمثال هذه النزهات من أنه يمكن معرفة ذلك في مصر، وهو شئ لا زم لكل عمل لا للإذاعة فحسب، لا اعتبار لذلك لأن الحقائق المتعوب في الحصول عليها وجلبها من وراء البحار غير التي نصل إليها هينة بالبداهة في مصر!! ثم لندع هذا وندخل في صميم المسألة الرئيسية في الإذاعة، وهي اختيار الأكفاء، فيفهم من كلام المدير أن إذاعتنا ينقصها الأكفاء، وهو مهتم بسد هذا النقص تطبيقا لما إستفاده من الرحلة. . وإن أريد إلا مصلحة إذاعتنا التي نرجوها لخير البلاد.

يشرف على تنظيم الإذاعة ثلاثة، هم المدير العام، والمراقب العام، والمراقب المساعد؛ أما المدير العام فهو من رجال التعليم قضى دهرا في وظائف التدريس ومناصب التربية عرف في خلاله بالخلق والكفاية، ولم تعرف له مشاركة ولا إنتاج في الأدب والفنون ولا ملابسة لشيء مما يتصل بالإذاعة التي تولى إدارتها أخيراً.

وأما المراقب العام فهو ذو ثقافة تجارية متوسطة، نشأ في محطة الإذاعة موظفا كتابيا صغيراً، وقد وصل مرتبه أخيرا إلى حوالي سبعين جنيها. وكان يحاول أحيانا أن يعزز مكانه ببعض نشاط إذاعي لم يوفق فيه بمقدار ما وفق في التقريب من الرؤساء.

وأما المراقب المساعد فهو من إخواننا الشعراء، يقول الشعر على نحو يسرح به مع عرائس الخيال ويبعده عن التمرس بفنون الإذاعة واداتها، ويشكو الأدباء المتصلون بالإذاعة من بعض تصرفاته.

أولئك هم أساطين الإذاعة المصرية الذين يشرفون على تنظيمها ويوجهون دفنها، وأنا لا أغمط أقدارهم، وإنما أقول - بعد أن بينت من صفاتهم - إنه حين ينظر في (المسألة الرئيسية) للإذاعة يجب أن يشملهم النظر. . فلا ينبغي أن تظل الإذاعة في مصر محرومة من كفايات أبنائها متخلفة عن نواحي النهوض فيها؛ وهذه وسائل الاتصال الثقافي والفني بالجمهورية في مصر قد ارتقت وتقدمت تقدماً كبيرا جذب إليها أنظار الشقيقات العربيات، وأصبحت فهيا مثلا تحتذى؛ وذلك على عكس الإذاعة فان الإذاعات العربية الأخرى أرشد من إذاعتنا، وما أحوجنا إلى احتذائها في كثير.

ومما يدعو إلى الأسف أن الإذاعة المصرية على تلك الحال ومصر تزخر بالعناصر والجهود الفكرية والفنية التي لم يتح للإذاعة إلى الآن أن تستفيد منها، لا في تنظيم الإدارة ولا في استغلال المواهب. ومما يضاعف الأسف أن ذلك واقع مع أهمية الإذاعة وبعد أثرها، باعتبارها أوسع أدوات التثقيف والإمتاع الفني انتشارا، وأقدرها على التنويع في تقديم الإنتاج، وأيسرها منالا للجمهور.

شاعر وثلاث من الحسان:

قال الدكتور إبراهيم ناجي (في مجلة الأستوديو) يمدح المطربة شهرزاد:

شهرزاد ويا ضياء الأهلة ... زهرة أنت من خميلة مطله

ليلة أنت من جمال وحسن ... قرأنها القلوب في ألف ليله

وقال سبعة أبيات في سامية جمال، ثم قال يمدح سهام رفقي:

إذا غفرت لشعري ... فقلبي واستعيدي

ترين فيه (سهاما) ... فان أردت فزيدي

مما يصيب ويدمى ال ... قلوب قبل الجلود

وقد نفست عليه - والحق يقال - لانفراده بالثلاث الحسان. . . قرأت الشعر فوجدت فيه بعض الهنات، فرأيت في التعقيب عليه نوعا من المشاركة قد يغنى. . وكنت أتجاوز عن هذه الهنات لولا خطر المقول فيهن.

في بيتي (شهرزاد) عيب من عيوب القافية وهو نوع من السناد ففي أحد البيتين حرف ردف وهو الياء خلا منه الآخر. والشطر الثاني من البيت الأول غير مستقيم الوزن.

وفي أبيات (سهام رفقي) يستزيدها من السهام، ويحدد النوع الذي يريده منه بأنه الذي يدمى القلوب (قبل الجلود) والمتأمل يرى هذا النوع من السهام لا وجود له، أعني التي تدمى القلوب ثم تدمى الجلود، وهو بطبيعة الحال يريد سهاماً تدمى القلوب فقط. وأقول - على طريقة أسلافنا من النقاد - إنه لو قال (دون) بدل (قبل) لا سقام وسلم.

ومعذرة إلى الدكتور ناجي إذ وقفت منه موقف (العذول)

مؤتمر اليونسكو:

تنعقد الدورة الثالثة لمؤتمر اليونسكو ببيروت في 17 نوفمبر الحالي. ويمكن الجزم الآن بأن دولة إسرائيل المزعومة لن تشترك في هذا المؤتمر، وذلك بفضل الموقف الحازم الذي وقفته الحكومة اللبنانية، فقد أبدت تشددها في ذلك وأنها لن تسمح لممثلي اليهود بدخول لبنان. فوقعت بذلك هيئة اليونسكو أمام الأمر الواقع، إذ كانت قررت نهائيا عقد المؤتمر ببيروت، ولا سبيل لليهود إلى بيروت وسيجتمع مندوبو البلاد العربية في بيروت قبل انعقاد المؤتمر وسيجتمع مندوبو البلاد العربية في بيروت قبل انعقاد المؤتمر لتوحيد الخطة العربية وبحث بعض المسائل كانتخاب أعضاء المجلس التنفيذي للهيئة والاتفاق على العضو العربي فيه بعد انتهاء مدة الأستاذ محمد شفيق غربال بك في هذا المجلس، فإما أن يجدد انتخابه أو يرشح بدله عضو عربي آخر.

وستشغل مصر جانبا كبيرا في المتاحف والمعارض التي ستقام في شهر اليونسكو ببيروت، فقد أعدت وزارة المعارف كثيراً من الأعمال المدرسية الفنية، وبعثت دار الكتب المصرية بمجموعة وافية من المطبوعات والمخطوطات والمنقوشات، وكذلك أرسلت بعض دور النشر في مصر مجموعة من الكتب التي أخرجتها، وستحتل الصحف والمجلات المصرية من معرض الصحافة جانبا هاماً

أما إقامة الحفلات الساهرة، فقد اتفق بشأنه على أن تقوم لبنان بحفلات الغناء والرقص، وأن توفد مصر الفرقة المصرية للتمثيل لتحي ثلاث ليال من 22 - 24 نوفمبر، تمثل في إحداها مسرحية حواء الخالدة لتيمور، وفي الليلة الثانية انتقام المهراجا، وفي الثالثة ثلاثة فصول من مسرحيات عالمية مثلتها الفرقة قبل ذلك

ويتألف وفد مصر المؤتمر من الأستاذ محمد شفيق غربال بك رئيساً، والدكتور أحمد زكي بك، وأحمد عبد السلام الكرداني بك، ومصطفى عامر بك، والدكتور محمد عوض محمد بك أعضاء أصليين، وستة أعضاء احتياطيين، وخمسة خبراء وثلاثة سكرترين.

وقد جاء في الأنباء الواردة من بيروت أن الحكومة اللبنانية شيدت مدينة ثقافية لتكون مقراً لاجتماعات اليونسكو، على مقربة من العاصمة تطل على البحر وتشرف على المدينة، وقد بذلت في إنشائها وتجميلها جهود فنية كبيرة، وأعدت فيها وسائل الراحة وما تتطلبه الاجتماعات من أدوات وأجهزة، ومكاتب للصحافة، وقاعات للمعارض، ومحطة للإذاعة، وغير ذلك.

وقد أصدرت هيئة اليونسكو في بيروت العدد الأول من نشرة (رسالة اليونسكو) باللغة العربية لمناسبة انعقاد المؤتمر في إحدى البلاد العربية، وقد نشر في هذا العدد مقالات لكبار كتاب الشرق والغرب كالدكتور شارل مالك، والدكتور طه حسين، والمستشرق لويس ماسينيون، وفيه مقال للسيد حميد فرنجية وزير التربية والخارجية اللبنانية، ومقال للمستر جوليان هكسلي المدير العام لليونسكو

وقالت أنباء ببيروت إنه تقرر دعوة الأدباء العالميين مع الوفود الدولية لحضور المؤتمر، على أن يحلوا ضيوفاً على الحكومة اللبنانية، وكذلك رؤساء تحرير الصحف العالمية الكبرى. ولم يذكر هل تشمل هذه الدعوة أدباء العرب ورؤساء تحرير الصحف العربية أولا؛ ولا شك أن اجتماع كبار الكتاب والصحفيين العرب بأمثالهم من الغرب فرصة طيبة للتعارف وتبادل الأفكار، مما هو بسبيل تحقيق أهداف اليونسكو في التقارب والتعاون الفكري العالمي.

أمير غير لائق

نقل المذياع احتفاء (رابطة القراء) بعيد الهجرة من المسجد الحسيني، وهذا عمل صالح باعتبار المقصود منه وهو إذاعة ما يرتل القرآن الكريم، وما يترنم به من الموشحات الدينية بذلك الحفل في تلك الليلة المباركة. ليتسنى استماعه للجميع. ولكنا نسمع قارئ القرآن يقرأ فما يكاد يقف حتى ترتفع الأصوات وتتعالى الصيحات بمثل: (اللهل يا شيخ عمر) وما إلى ذلك من العبارات والكلمات.

وتدرك من سياق القراءة وطريقتها وصيحات أولئك الصائحين، أنهم ليسوا مأخوذين بمعاني الآيات وأغراضها، وإنما هم مأخوذون بالتطريب أو يقصدون (التمليح) فيثنون على القارئ ويدعون له. . .

ونتيجة ذلك هذا المظهر غير اللائق بقراءة القرآن خاصة وكرامة الدين عامة، من حيث التصايح المنكر والتخليط الذي يدل على جهل فاضح، والناس يستنكرون مثل ذلك في محافل الغناء، فما بالك بمجالس القرآن؟

وانظر أي (صورة سمعية) للمسلمين في مصر تنقلها الإذاعة بذلك إلى حيث يترامى صوتها في أرجاء العالم. .

عباس خضر