مجلة الرسالة/العدد 804/أصحابها أو عواطفهم فأنهم مما لا شك فيه أن

مجلة الرسالة/العدد 804/أصحابها أو عواطفهم فأنهم مما لا شك فيه أن

مجلة الرسالة - العدد 804
أصحابها أو عواطفهم فأنهم مما لا شك فيه أن
ملاحظات: بتاريخ: 29 - 11 - 1948


الأجانب كانت عيونهم مفتوحة على كل حركة يصدرها العاهل الكبير، وأنهم لم يدعوا ناحية من النواحي البنائية الإنشائية في مصر محمد علي إلا درسوها دراسة جدية؛ حتى أن أحد هؤلاء وهو السير جون بورنج لم يترك في تقريره عن مصر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. فتحدث عن الزراعة والصناعة والضرائب والإدارة والجيش والتجارة والصحة العامة والقضاء والتعليم حديثاً مدعماً بالإحصاء ومؤيداً بالملاحظة الدقيقة، ولما كانت البيانات الرسمية غير مسعفة له فقد كان يتصيد البيانات من مصادرها الأولى؛ كما فعل في إحصاءه عن معامل السكر التي كان يملكها إبراهيم باشا؛ فقد طلب البيان من ناظر المعامل وترجمه ليكون ضمن تقريره.

وكان السير بورنج موفداً من قبل حكومته لوضع تقرير شامل عن حالة مصر، فقدم إليها سند 1837، واتصل بكثير من الموظفين فيها للحصول على بياناته، واستعان كثيراً بالقنصل الإنجليزي (كامبل) الذي زوده بكثير من الإحصاءات الزراعية والصناعية.

لقد كانت تقارير بورنج وكامبل وهودجسون ومن إليهم فيه غير متناول القارئ العربي، إلا ما كان من نتف هنا وهناك يترجمه المؤرخون المصريون في معرض الحديث عن شيء معين؛ ولكن مؤلفي هذا الكتاب قربوا هذه التقارير كاملة من القارئ العربي، بل سهلوا الحصول على تقرير بورنج الذي لا توجد منه في العالم إلا نسخ قليلة جداً.

2 - الشمس الحزينة أو حياة غاندي

(تأليف الأستاذ محمد كاظم)

وهذا كتاب لطيف في حياة غاندي، وهو أول كتاب عربي ألف في حياة المهاتما بعد مماته. ويمتاز بسلاسة في التعبير كأن المؤلف يحكي حكاية عن شمس كانت ساطعة ثم جنحت إلى الغروب. وقد كانت أم غاندي تنتظر الشمس؛ عند شروقها فإذا ما رأتها ساطعة تهلل وجها بالبشر كما خفق قلبها بالدعاء؛ وكانت السحب الكثيفة حينما تلف وجه الشمس بالحجاب تبدو هذه الشعلة السماوية في ثياب الحزن، كما تحزن أم غاندي ويحزن معها ولدها الصغير لأن السماء مظلمة.

ولهذا سمى المؤلف كتابه (الشمس الحزينة).

لقد ظهرت كتب في العربية عن حياة غاندي كان المؤلفون يلتمسون منها المثالية كاملة في إنسان رفعته الإنسانية العالية إلى مراتب (السوبرمان). وظهر بعد وفاة غاندي كتاب الأستاذ كاظم هذا، وكتيب آخر للأستاذ طه السيد ظهر منذ بضعة من الأيام. فبدأ غاندي بعد مماته أروع مما كان في حياته؛ لأن الفكرة الخالدة لا تموت.

وكانت في حياتك لي عضات ... وأنت اليوم أوعظ منك حيا

وكان غاندي - كما يقول المؤلف - يصوم (ليواجه غضب الطبيعة وجهل البشرية. . .)؛ أما الطبيعة فلا سبيل إلى إرضائها متى ثارت؛ لأنها تثور فوق إرادتنا، وتجري على غير مشيئتنا، فهل إلى تعقل البشرية الحمقاء من سبيل؟ عبد الغني

شلي بروميثوس طليقاً

ترجمة لويس عوض

(ماجستير في الأدب الإنكليزي من جامعة لندن والمدرس

بجامعة فؤاد)

دراما غنائية رائعة في أربعة فصول كتبها الشاعر الإنجليزي المعروف بيرش شلي ونقلها إلى العربية الأستاذ عوض، وقد قدم الكتاب بمقدمة عن الحركة الرومانتيكية لكنها مقدمة طويلة تحتل نصف الكتاب تقريباً، وهي رغم طولها طريفة شيقة تمهد لمعرفة جو المسرحية، وختم الأستاذ لويس كتابه بترجمة قصيدة أدونيس لشلي وهي تلك المرثية الرائعة التي نظمها في موت صديقه الشاعر جون كيت.

وقد تحدث في المقدمة عن الانقلاب الصناعي في إنجلترا، وأثره في دراسة الأدب، وتخرج الفوج الأول من المدرسة الرومانتيكية وهم: وردزورث وكولريدج رشدي وسير والتر سكوت والفوج الثاني منها وهم: بيرون وشيلي؛ وكيت وعرض عرضاً تاريخياً للنظم السياسية في إنجلترا، ثم أنتقل إلى كلمة الرومانتية وبين أصلها في اللغة ورأي الأدباء والشعراء في تعريفها في أوربا.

أما المسرحية فيمكن تلخيص فكرتها في تلك العبارة: (أن القوة المطلقة خطيئة) وهي عبارة قالها بروميثوس في الفصل الأول من المسرحية وتعرض لرأي شلي أيضاً في السياسة والأخلاق والاجتماع؛ فجوبتر ملك الأرباب والشياطين وسيد الأرواح نصب نصبه حاكماً مطلقاً وأخضع سائر الآلهة إلا برميثوس صديق البشر الذي سرق النار الإلهية وهي نار العلم وخلص البشر من الجهل فصلبه جوبتر على شفا هاوية سحيقة وأطلق عليه النسور الضواري تنهش جسده وربات الانتقام أو النوريات يصبن قلبه بجراج معنوية غائرة ولكن بروميثوس عول على محاربة جويتر بسلاح الخير فهوى جويتر من فوق عرشه العظيم وتقوضت أركان ملكه المكين، وظهر هرقل رمز القوة ففك أغلال بروميثوس رمز الحرية في الوجود حيث أعرس من آسيا نور الحياة وصورة الجمال التي ليس لها نظير. . .

والمسرحية تصور ثورة الحرية على الطغيان وما هي إلا صدى للجهاد العنيف في سبيل حقوق الإنسان الذي تأثر به شلي، ولا يزال العالم يكتوي بناره حتى اليوم وأسلوب الترجمة يرتفع حيناً إلى آفاق البلاغة وينحدر حيناً إلى أعماق الركاكة ويرجع هذا إلى المؤثرات في مزاج المترجم من حين إلى حين، وفي الأسلوب بضعة أخطاء حرفية ونحوية واستعمالات لألفاظ وجمل مبتذلة تنبو عن أسلوب أستاذ جامعي كلفظة (أسطوات) و (عاشا في ثبات ونبات) ويمكن للمترجم السمو بأسلوبه بقراءة الكتب العربية القديمة ولكن أسلوب الترجمة لقصيدة أدونيس يرتفع عن المسرحية في بعض المواضع.

مهما يكن من شيء فجهد الأستاذ لويس جهد مشكور ونتمنى أن يتحف المكتبة العربية دائماً بنفائس الأدب الإنكليزي.

إبراهيم جمار الدين الرمادي