مجلة الرسالة/العدد 808/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 808/الأدب والفن في أسبوع

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 12 - 1948



بين أديبين

كان الأستاذ توفيق الحكيم قد كتب في أخبار اليوم كلمة بعنوان (الأديب المنقى)، قبل أن يعود الدكتور طه حسين بك من أوربا، أبدى فيها شعوراً رقيقاً نحو الدكتور، لما أذيع من أنه ساخط على بعض العلاقات والشؤون المتصلة به في مصر.

وبعد أن رجع الدكتور طه إلى مصر تحدث إلى الأستاذ بعض من يشتغلون بالإيقاع بين الناس أن الدكتور أول تلك الكلمة تأويلاً شيئاً وأتهم الأستاذ الحكيم بانعدام حسن النية فيما كتب، فلم يخف إلى لقائه وزيارته بعد العودة. . .

وتطوع الأستاذ أنور المعداوي لتصفية الجو بين الأديبين الكبيرين، فأنهى إلى الدكتور طه وساوس الحكيم، فقال الدكتور: الأمر على عكس ذلك فأنا قد قرأت الكلمة وسررت بها وبالطبع لم أجد فيها ما يحمل على سوء الظن، وإن هذا الذي نمى إلى الأستاذ توفيق هو من الدس الدنيء الذي نشكو من انتشار أصحابه في هذه الأيام. وقد كنت في إسبانيا قبل أن تصل إلي الكلمة، وألقيت في جامعة مدريد محاضرة عن الأدب المصري الحديث، كان لتوفيق الحكيم فيها أكبر من نصيب، فقد أظهرت فضله وسبقه في التأليف للمسرح وشغل ذلك نحو نصف المحاضرة ثم ابتسم الدكتور طه ابتسامته اللطيفة وقال: ألا ترى أن ما بلغ توفيق الحكيم كان يدعوه إلى أن يصحح الموقف ويعمل على إزالة ما علق به من غبار؟

والواقع أن مجالس أدبائنا عامرة بالإخلاص الذين يتقربون إليهم بأمثال تلك الدسائس، وقد يحمل بعضهم على ذلك رغبته في أن يظهر بمظهر المتصل المطلع الذي يعرف ما قال فلان والذي هو من الشأن بحيث يتحدث إليه فلان عن فلان!

ومما يدعو إلى الأسف أن أدبائنا يأخذون بهذه الترهات ويتأثرون بها في علاقاتهم. ومن العجب أنهم كفوا عن الخصومات الأدبية، ولكنهم لم يبرؤوا من الصغائر الشخصية. من أن الأولى هي الأجدر أن تكون من دون الثانية.

وتدل القصة السابقة على أنه من الممكن أن يقضوا على القيل والقال بالمواجهة والتواصل، ويتبينوا حقيقة ما يقال لهم. وهم أولى الناس بذلك، لأنهم الحصفاء الذين يمحصون الكلام ويعرفون زيفه من صحيحه.

مؤلف (نحو المجد):

طغيان رجال المسرح والسينما على المؤلفين، داء مفتش يشكو منه الجميع، فكثير من الأفلام لا يعرف الناس لها مؤلفين، كاللقطاء حرموا النسبة إلى الآباء، وكما يتبنى الراغب في الولد لقيطاً يغلب المخرج على الفلم، فيسنده إلى إخراجه ويسكت عن تأليفه. والأصل في ذلك - على ما يبدو لي - ذلك النوع من الإنتاج الذي يلفقه المخرج من الروايات الأجنبية، وتطور ذلك إلى استضعاف المؤلف وإرضائه ببعض النقود، وهذا النوع الضعيف التافه من المؤلفين متوافر في السوق مع الأسف، وقد استراح إليه المخرجون والممثلون ليتسموا بميسم الأدب والثقافة إلى جانب الإخراج والتمثيل، فيشيعون (مركب النقص) كيلا يقال إنهم غير مثقفين. . .

ولكن الأمر تطور بعد ذلك فقد دخل ميدان التأليف نفر من ذوي الكفاية والكرامة، ولا يزال أولئك المخرجون على ما عودوا، متمسكين بحق الانتحال، مدفوعين بدافع القصور الذاتي. . . وهنا بدأ الصراع، ورأى الناس أخيراً أمثلة منه، وتجمع بعض هؤلاء المؤلفين وتحدث بعضهم إلى بعض، قالوا: كيف يغمط حقنا ونحن أصحاب الخلق والإبداع في هذه الفنون؟ وكيف يقدم علينا كل من هب على الشاشة ودب على المسرح، وعملنا هو القلب ولا نخرج أعمالهم عن الإطار والتلوين؟

وآخر مثل من ذلك الصراع ما جرى في فلم (نحو المجد) الذي عرض يوم الاثنين الماضي في يوم الجامعة الخيري، وبدار سينما رويال تحت الرعاية الملكية السامية وبرياسة معالي وزير المعارف. مؤلف القصة وكاتب الحوار هو الأستاذ عبد الحميد يونس المدرس بكلية الآداب، ولكن ظهرت الإعلانات عن الفلم ليس فيه اسم المؤلف، وليس هذا فحسب، بل نجد أنفسنا أمام نوع جديد في ذلك المضمار فالمخرج لم يكتف بالاقتصار على إسناد الإخراج إليه، فأضاف جديداً في (الفن) إذ كتب في الإعلانات (تأليف وإخراج الأستاذ حسين صدقي) ومعنى ذلك أنه يدعي التأليف! فراع ذلك مؤلف القصة وكتب إلى المخرج ينبهه إلى هذا التصرف العجيب وبنذره، إن لم يقف سيل الإعلانات، ويغير (أكليشهاتها) أن يتخذ سبيله إلى القضاء.

ومن حيث أن الفلم تحت الرعاية الملكية السامية وبإشراف معالي وزير المعارف، ومن حيث أن المؤلف مدرس بالجامعة والفلم جامعي يعالج مشاكل طلاب في الجامعة، ومعروض في يوم الجامعة الخيري، فلم يكن من اللائق أن تلابسه هذه المهزلة ويعتدى على حق مؤلفه هذا الاعتداء المنكر.

البكاء الجميل:

سمعت من المذياع في أحد أيام هذا الأسبوع، تمثيلية (الشهداء) وهي تتضمن قصة الخنساء وفجيعتها في أخويها معاوية وصخر، ثم إسلامها واغتباطها باستشهاد أولادها الأربعة في إحدى الحروب الإسلامية. وهي تمثيلية جيدة لست أدري كيف غلطت الإذاعة فقبلتها. . . وليتها تكثر من هذا الغلط. . .

وقد مثلت الخنساء فتاة ذات نطق فصيح وصوت عذب ونبر حلو حتى في البكاء. . . ومما أنشدته من شعر الخنساء هذا البيت:

إذا قبح البكاء على قتيل ... رأيت بكاءك الحسن الجميلا

والمعنى الذي قصدته الخنساء مفهوم، فهي ترى بكاءها على أخيها حسناً جميلاً لأنها تستعذبه وتلذه. ولكن الفتاة الممثلة أوحت إلى خاطري معنى آخر، فقد كانت تنشج بصوت لا أثر للحزن فيه لأنها لم تندمج في الدور، وكانت توقع كل بيت وكل كلمة على هذا النشيج المصنوع وهي كما أسلفت ذات صوت عذب حلو، فكان بكاؤها جميلاً في المسامع، لا كجمال بكاء الخنساء.

أو كما قال الدكتور طه حسين في إحدى مقالاته بالأهرام: إن الشاعر يقول البيت أو الأبيات تعبيراً عما في نفسه، ولا يدري ما سيحدثه وما سيثيره بعد ذلك من شتى الخواطر والمشاعر في مختلف النفوس على تعاقب الأزمان والأجيال.

القسم السوداني الإنجليزي:

(أقسم مخلصاً وأعلن صادقاً أنني أؤيد المؤسسات السودانية التي تأسست بمقتضى هذا القانون، وأن أبذل جهدي في كل الأوقات للعمل لمصلحة السودانيين).

هذا هو نص القسم الذي طلب إلى أعضاء الجمعية التشريعية بالسودان أن ينطقوا به. وليس من همي هنا أن أتعرض له، من حيث اعتراض بعض الأعضاء غليه، لأنهم يرفضون التقيد بقوانين فرضت عليهم، وإنما يؤيدون ويحلفون على القوانين التي يضعونها، ولا من حيث غضب الحاكم العام على هذا الاعتراض.

إنما أريد أن أنبه إلى هذه الصيغة الإنجليزية في القسم. . . فالقسم في العربية يذكر فيه المقسم به فيقال - مثلاً -: أقسم بالله. أما الاكتفاء بفعل القسم فهو من عمل الإنجليز.

وهكذا تستهل الجمعية التشريعية السودانية، استهلالاً إنجليزياً حتى في القسم!

الهمزة الحيرى:

من المسائل التي يهتم بها الآن مجمع فؤاد الأول للغة العربية تيسير الإملاء. وتواصل اللجنة المنوط بها هذا العمل اجتماعاتها. لتفرغ من إعداده، وتقدمه إلى مؤتمر المجمع، بغية الموافقة عليه في هذه الدورة.

وفي أحد اجتماعات لجنة الإدلاء حمل الدكتور أحمد أمين بك على أوضاع الهمزة المختلفة حملة صادقة فقال: كيف تنفرد الهمزة بهذا التقلب فلا تستقر على حال، فترسم مرة على ألف، ومرة على واو، ومرة على ياء، ومرة مفردة. ويلقى الكاتب في تقليبها على هذه الأوضاع المختلفة عناء أي عناء. . . وما هي إلا حرف كسائر الحروف التي لا تتغير بتغير الحركات؟

وأذكر أن الأستاذ رفعت فتح الله المدرس بكلية اللغة العربية كان له بحث في هذا الموضوع نشر منذ سنين بجريدة الأهرام تحت عنوان (الهمزة الحيرى) ويغلب على ظني أنه أقترح فيه أن ترسم الهزة على ألف أو تكتب ألفاً في جميع الأحوال. وكم لهذا الاقتراح - لو نفذ - من أثر في كسب الأوقات والجهود التي تضيع في تعليم وتعلم رسم الهمزة التي احتارت وحيرت الناس معها، فأكثر مشاكل الإملاء من هذه الهمزة.

وما أخال المجمع إلا يرحب بمثل ذلك. فهل يرى الأستاذ رفعت أن يقدم بحثه إلى المجمع؟

من طرف المجالس:

كنا في مجلس أستاذ كبير، إذ أقبل أحد المكثرين من التأليف ومعه مجموعة ذات عدد من مؤلفاته، وقدمها للأستاذ الذي أخذ يلقي على كل منها نظرة، ثم فرغ منها والتفت إلى المؤلف قائلاً: أنت كل هذا؟ يظهر أنك (قاضي).

وتبادل الجالسون ابتسامة خفية ذات معنى لا أدري هل قصده الأستاذ أو جاءت التورية عفواً على لسانه. . .؟

الإذاعة بين البلاد العربية:

تضع الإدارة الثقافية بالجامعة العربية، مشروعاً جديداً يقتضي تعاون محطات الإذاعة في الدول العربية على تعريف البلاد بعضها ببعض. وذلك بأن تختار كل محطة طائفة من المحاضرين تتعاقد معهم ليتحدثوا عن بلادهم في كل نواحي حياتهم: من ثقافية واجتماعية وسياسية. ثم تسجل هذه الأحاديث وتتبادل دور الإذاعة السجلات لإذاعتها فيتم بذلك التعارف بين البلاد العربية على نطاق واسع.

ومما يشمله المشروع أن تسجل كل محطة محبة مختارة من الألوان القومية للفنون في بلادها كالموسيقى والغناء والأزجال وغيرها وتتبادل مسجلاتها أيضاً.

عباس خضر