مجلة الرسالة/العدد 809/استغاثات. . .

مجلة الرسالة/العدد 809/استغاثات. . .

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 01 - 1949



للأستاذ محمود حسن إسماعيل

الله. . . والشرق

ربَّاهُ ضاعَ السِّرُّ من يدَيَّا ... وأَطبقَ اللَّيْلُ على عيْنَيَّا

ولم أجد فوق الحَياة شيَّا ... يُطْفى العذابَ الهادرَ الخفِيَّا

إلاَّ نِدائي في الدُّجَى. . . يا ربَّ!

طَرقْتُ بالأنغام كلَّ بابٍ ... وطُفْتُ بالرَّحيقِ والأكوابِ

ولم أدعْ أنك بلا شراب ... وعُدْتُ لا أحمل في عِيَابي

غيرَ الأَسى يَسْقى الأسَى في قلْبِي!

عبرْتُ بالسُّهولِ والأجبالِ ... وَبالضحَي المُحَيَّرِ الْخيالِ

وبالغُروب السَّاخِر الزَّوالِ ... وبالدُّجى المغَمْغِم السَّآلِ

وباللَّيالي سِرْتُ كلَّ درْبِ

وغُصتُ في الصُّدورِ للأَعماقِ ... وطِرْتُ حتَّى أعوَلَتْ آفاقي

وَضجَّ تَحْتي واشتكَى بُراقي ... واندهشَ الطيرُ لما أُلاَقي

مِنْ عَوْدَتي الكُبْرىَ بغَيْر حَبِّ!

حفَنْتُ من جَنبيَّ هذا الشَّجَناَ ... وصَاحباً في الشَّجوِ يُدْعى أَرغُنَا

ولم نَزَل نَشدُو ونَسقِي الزَّمَنَا ... فَهل رأيْنا لِلأغانِي أُذُناً

تُصْغِى لهَذَا الوَهَج المنصَبِّ!

خَمَّتْ بنا القُيودُ والسلاسِلُ ... وهاجتِ الأوكارُ والبَلابلُ

وراغ فينا الغاصبُ المخَاتِلُ ... واختلَطتْ في لَيلُنا النوازِلُ

يا ربَّ فَجْراً عاجلًا للكَرْبِ!

نحن بَنُو الشَّرق الأُباةُ الصِّيدُ ... نَحْيَا به كأنزال عَبيدُ

يا طَيْرُ هذا خُلْدُكَ الرَّغيدُ ... فكيفَ أنت الحائر الشريدُ

وواردُ النَّبع طريد الغَرْبِ!

لاُُهُمَّ صُبَّ النارَ في السَّواعِدِ ... واضِربْ بها في هَذِه الشدائِدِ أَغلالُنا شابت، وكم مِنْ حاصدٍ ... ومنْجلٍ يَفْرى المنَايا هامِدِ

يا نارُ فينا أن صَبَرنا شُبِّى. . .

ملَّ ثَرانا صدأ القُيودِ ... وقرْيَةَ الميثاق والوُعودِ

وباطِلًا زيَّنَ لِلعُهودِ ... شريعةَ اللاهينَ بالوُجودِ

لهَوَ المراعي بِعُواء الذِّئْب. . .

ويْلاهُ منهُمْ في زمانِ النَّيِل ... سَبعون عاماً خيَّموا في الغِيلِ

عاثوا وخانوا حُرْمةَ النَّزيِل ... حتى دهتْهَمْ صيحةٌ للْجِيِل

فَجَرجَروا أعلامَهمْ في التُّربِ!

ولم تزل منهُمْ لدىُ القَنالِ ... حُثالةٌ حَطَّت عَلَى الرِّمالِ

من يَدر فليرحم جوى سُؤاَلي. . . ... إني بهم من أتعَسِ الُجهَّال!

علاَمَ لم تلْحقْ بباقي الرَّكْبِ؟!

ماذا دهاهم في جَنوب الوادي! ... جُنُّوا فشبُّوا الُخلفَ في البلادِ

وأضرَموها فتنةً تُنادي ... بالظُّلم والتعذيب والفساد

وما لَها إلا الصدى مَلَبِّ

وضفَّدوا في غابة الأحرارَا ... فملأوا قلوبهم أُوَارَا

مِنْ أين جاءُوا شُرَّداً حيَارى؟ ... وكيفَ جاسُو هذه الديارا؟

يا لعنةَ اللهِ عليهم هبِّي!!

من أين يا (هاو) أَلِفَتْ الموكِبا ... فرُحْتَ في الخرطوم تمشي عَجبَا!

حولكَ الأفواهُ تحدو القِرَباَ ... والرايةُ الخضراءُ تنزُو غضباً. . .

لقصةٍ زيَّفتْها للشعبِ

نسِيت عهدَ الثلجِ والقواقِع ... وسيرةَ القُرصانِ والزوابِع

أُمَّةً قامت عَلَى المناقِع ... تريدُ شرْكَ الشمِسِ بِالمطامع

ولو تُطيقُ لا دَّعت في الغيْبِ!

في المسجد الأقصى تراَءت ثعلبَا ... تخفْي وتُعطي لليهود الحطبَا

ذلَّت لهم لما أرَوْها الذَّهبا ... وحذَّروا أيامَها المُنْقَلَبَا فانقلبت تسعى لهم في الدَّرْب.

رباهُ ما في الشرِق جُرحٌ لا يَئِنْ ... ولا عَلَى آلامِهِ قَرَّ وطنْ

في كل وادٍ منهُ من بَغى الزَمَن ... نارٌ وأحرارٌ وبلوى وفِتَنْ

رباهُ زلزِل قيدهُ يا ربِّ!!

محمود حسن إسماعيل